الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

دور الجهل في إعاقة النصر والتمكين ..

من كتاب (فقه النصر والتمكين)

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: الواحدة والخمسون

 

إن الجهل من أعظم أسباب الوقوع في المحرمات جميعها من كفر وفسوق وعصيان، ومن أعظم الجهل القول على الله بغير علم، وقد جعله الله عز وجل أعلى مراتب المحرمات وأعلى درجة من الإشراك به سبحانه, قال تعالى: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [الأعراف: 32].

يقول ابن القيم رحمه الله: (وأصل الشرك والكفر، هو القول على الله بلا علم) (1).

وقد نهى الله عباده أن ينسبوا إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عند أنفسهم،

ليس لديهم فيه حجة من الله ولا برهان، فقال تعالى: " وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ" [النحل: 116].

فافتراء الكذب على الله عز وجل أمر خطير وعظيم، فهو تعد على جانب الألوهية، وتطاول على الله عز وجل، وفيه إضلال للعباد، وصدٌّ لهم عن دين الله الحق، قال تعالى: " فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ" [الأنعام: 144].

وقال تعالى: " قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ" [يونس: 59].

وقال تعالى: " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [البقرة: 111].

وقال تعالى: " ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ" [الأحقاف: 4].

وهذه تربية للمؤمنين، ودعوة للناس أجمعين، بأن يأخذوا الحق ويبحثوا عنه من مصدره الصحيح وهو الوحي فقط لا غير، وأن أي شيء لم يقم عليه دليل ولا برهان من وحي الله فإنه باطل مرفوض, وإذا انتقلنا إلى السنة النبوية، وجدنا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة قبض العلم وظهور الجهل، فعن أنس بن مالك  قال: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل» (2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوسا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضَلُّوا وأضلوا» (3).

وقال النووي رحمه الله: (هذا الحديث بين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه أن يموت حملته ويتخذ الناس جهالا بجهالاتهم فيضلون ويضلون) (4).

إن الجهل من الأسباب المؤدية إلى الاختلاف والتفرق والابتعاد عن الحق والبعد عنه ورده، وبالتالي تأخير نصر الله وتمكين دينه في الأرض، ولذلك لابد من معرفة أسباب الجهل ومن ثم معالجتها، ومن أخطر الأمور أن يكون على مقدمة الحركة الإسلامية قيادة تجهل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ولا تعطي للعلماء أي وزن أو اهتمام، بل تعمل على تهميشهم والنيل منهم، وتجعل من عقولهم وأهوائها مصادر للاجتهادات الحركية والفكرية والسلوكية، ومن المعلوم أن ما سوى الشرع موزون وليس بميزان، ومحكوم وليس بحاكم، ولذلك وقع كثير من العقلانيين ومن المتصوفة وغيرهم في

التخبط والضلال والبدع, وبالتالي ساهموا في تفريق الأمة وتشتيتها وإبعادها عن تحكيم شرع ربها.

والدواء النافع للجهل هو العلم، وقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة في الحث على طلبه والثناء على أهله وذكر فضله (5).

---------------------------------------

مراجع الحلقة الواحدة والخمسون:

(1) مدارج السالكين (1/373).

(2) البخاري كتاب العلم، باب: رفع العلم، وظهور الجهل (1/33) رقم 80.

(3) البخاري كتاب العلم، باب: كيف يقبض العلم (1/39) رقم 100.

(4) شرح النووي، كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه (2/336، 337) رقم 2136.

(5) انظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق ص171.

 

يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022