الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

خطورة تقديم العقل وتحكيمه بدون ضوابط على النصوص ..

مختارات من كتاب (فقه النصر والتمكين)

الحلقة: الثالثة والخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

 

إن المدرسة العقلية وعلى رأسها المعتزلة حكمت العقل، وجعلته مصدراً أولياً للتلقي ودخلت بالعقل في غير مجاله, وركبوا مسلك أهل الكلام ودخلوا في جدل مع الفلاسفة في قضايا الإيمان، والأسماء والصفات، والغيبيات, وابتعدت الأمة عن أوامر الله، ودخلوا في مجال الترف الفكري, وتأثر كثير من العلماء بكتب اليونان وعلومهم الفلسفية، وأعرضوا عن منهج الاستدلال المستمد من الكتاب والسنة الذي سار عليه الأسلاف والأئمة الثقات, ونشأت فرق كلامية متعددة كل فرقة ترد على الأخرى وحادت عن الصراط المستقيم، ووقعت هي الأخرى في أخطاء كثيرة وجسيمة نتيجة استعمالها المنهج العقلاني نفسه في الرد على الخصوم، وعدم اعتمادها على المنهج الرباني الذي يقول الله فيه: " وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا" [الفرقان: 33].

ولو تمسك الجميع بالكتاب و السنة وجعلوهما المصدر الوحيد للتلقي، وأعرضوا عما خالفهما، واتبعوا منهج سلف الأمة في فهم أحكام الدين، أصوله وفروعه، لما حصل الذي حصل، ولكن ما وقعوا فيه كان نتيجة حتمية لتحكيم العقل في مجال غير المجال

الذي خلق له.

يقول الشاطبي: (إن الله جعل للعقول في إدراكها حدا تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب).

إن العاقل اللبيب هو الذي يعرف حقيقة ما أنعم الله عليه من نعمة العقل فلا يدخله في مسالك ودروب لم يخلق لها، وإنما يستعمل عقله في عمارة الأرض والكون والحياة، ويتأمل ويتدبر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وينتهج منهج القرآن في معرفة حقيقة العقل، ومكانته ودوره فلا يتقدم على أحكام الشرع أبدا، بل ينقاد إليها انقيادا حكيما رزينا مسترشدا بنور الوحي الذي يحرر العقل من الخرافات والخزعبلات، ويحثه على النظر في الكون والتحرر من التقليد والهوى والتعصب (1).

إن إقحام العقل في غير مجاله كما فعل أهل الكلام والأهواء شتت الأمة وفرقها, وجعلها تبتعد عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ولقد تخبط كثير من علماء الكلام في دياجير الظلام وحيرة العقول حتى مَنَّ الله عليهم وألهمهم رشدهم في آخر حياتهم فتابوا إلى الله عز وجل وندموا على ما كان منهم, وتحسروا على إضاعة أعمارهم في القيل والقال، واعترفوا بخطأ الطريق الذي ساروا فيه، وأن منهج القرآن والسنة الذي سلكه السلف الصالح هو أفضل السبل على الإطلاق.

---------------------------------------

مراجع الحلقة الثالثة والخمسين:

(1) الاعتصام (2/318).

 

يمكنك تحميل كتاب فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022