الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

"ثمرات مختلف ألوانها"... تعبير اعجازي في القرآن الكريم

الحلقة الواحدة والخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441ه/فبراير 2020م

الثمار جزء من جمال البساتين والحدائق إن لم تكن أجمل ما فيها، حيث أن لها من الألوان والأشكال ما يضفي على الحدائق جمالاً وبهجة والثمار تختلف في ذلك من نوع لآخر ومن صنف لآخر، بل تختلف حتى في الصنف الواحد، فألوان الثمار تتدرج وتزداد تدرجاً كلما دخل عليها يوم جديد، وهكذا إلى أن يكتمل جمالها باكتمال نضجها.
قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" (فاطر ، آية : 27 ـ 28).
إنها لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة على مصدر هذا الكتاب، لفتة تطوف في الأرض كلها تتبع فيها الألوان والأصباغ في عواملها في الثمرات وفي الجبال وفي الناس وفي الدواب والأنعام، لفتة تجمع في كلمات قلائل، بين الأحياء وغير الأحياء في هذه الأرض جميعاً، وتدع القلب مأخوذاً بذلك المعرض الإلهي الجميل الرائع الكبير الذي يشمل الأرض جميعاً وتبدأ بإنزال الماء في السماء وإخراج الثمرات المختلفات الألوان، وألوان الثمار معرض بديع للألوان يعجز عن إبداع جانب منه جميع الرسامين في جميع الأجيال، فما من نوع من الثمار يماثل لونه لون نوع آخر، بل ما من ثمرة واحدة يماثل لونها لون أخواتها من النوع الواحد، فعند التدقيق في أي ثمرتين أختين يبدو شيء من اختلاف اللون، وينتقل من ألوان الثمار إلى ألوان الجبال نقلة عجيبة في ظاهرها، ولكنها من ناحية دراسة الألوان تبدو طبيعية، ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها، بل إن فيها أحياناً ما يكون على شكل بعض الثمار وحجمها كذلك حتى ما تكاد تفرق من الثمار صغيرها وكبيرها.
" وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ".
والجدد: الطرائق والشعاب، وهنا لفتة في النص صادقة، فالجدد البيض مختلف ألوانها فيما بينها، والجدد الحمر مختلف ألوانها فيما بينها، مختلف في درجة اللون والتظليل والألوان الأخرى المتداخلة فيه، وهناك جدد غرابيب سود، حالكة شديدة السواد.
واللفتة إلى ألوان الصخور، وتعددها وتنوعها داخل اللون الواحد، يعد ذكرها إلى جانب ألوان الثمار، تهز القلب هزاً، وتوقظ فيه حاسة الذوق الجمالي، التي تنظر إلى الجمال نظرة تجريدية فتراه في الصخرة، كما تراه في الثمرة على بعد ما بين طبيعة الصخرة وطبيعة الثمرة، وعلى بعد ما بين وظيفتيها في تقدير الإنسان، ولكن النظرة الجمالية المجردة ترى الجمال وحده عنصراً مشتركاً بين هذه وتلك يستحق النظر والالتفات.
ثم ألوان الناس وهي لا تقف عند الألوان المتميزة العامة لأجناس البشر، فكل فرد بعد ذلك متميز اللون بين بني جنسه، بل متميز في توأمه الذي شاركه حملاً واحداً في بطن واحدة.
وكذلك ألوان الدواب والأنعام والدواب أشمل والأنعام أخص، فالدابة كل حيوان، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم والماعز، خصصها من الدواب لقربها من الإنسان والألوان والأصباغ فيها معرض كذلك جميل كمعرض الثمار ومعرض الصخور السوداء.
هذا الكتاب الكوني الجميل الصفحات العجيب التكوين والتلوين، يفتحه القرآن ويقلب صفحاته ويقول إن العلماء الذين يتلونه ويدركونه ويتدبرونه هم الذين يخشون الله.
ــ "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء".
والعلماء هم الذين يتدبرون هذا الكتاب العجيب ومن ثم يعرفون الله معرفة حقيقية يعرفون بآثار صنعته ويدركونه بآثار قدرته، ويستشعرون حقيقة عظمته برؤية حقيقة إبداعه، ومن ثم يخشونه حقاً ويتقونه حقاً، ويعبدونه حقاً لا بالشعور الغامض الذي يجده القلب أمام روعة الكون، ولكن بالمعرفة الدقيقة والعلم المباشر الذي يستشعره القلب، ويتحرك به، ويرى يد الله المبدعة للألوان والأصباغ والتكوين والتنسيق في ذلك الكون الجميل " إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ".
عزيز قادر على الإبداع وعلى الجزاء، غفور يتدارك بمغفرته من يقصرون في خشيته، وهم يرون بدائع صنعته.
ــ السير جيمس جينز وتأثره بهذه الآية:
هذه الواقعة رواها العالم الهندي المغفور له بإذن الله عناية الله المشرقي يقول: كان ذلك يوم أحد من أيام 1909م، وكانت السماء تمطر بغزارة وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور (السير جيمس جينز) الأستاذ بجامعة كمبردج ذاهباً إلى الكنيسة والإنجيل والشمسية تحت إبطه فدنوت منه، وسلمت عليه، فلم يرد عليَّ فسلمت عليه مرة أخرى فسألني: ماذا تريد مني؟ فقلت له أمرين يا سيدي:
الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر، فابتسم (السير جيمس) وفتح شمسيته على الفور فقلت له:
وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت في العالم ـ مثلك ـ أن يتوجه إلى الكنيسة؟ وأمام هذا السؤال توقف (السير جيمس) لحظة، ثم قال: عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي وعندما وصلت إلى داره في المساء، خرجت (السيدة جيمس) في الساعة الرابعة، بالضبط وأخبرتني أن (السير جيمس) ينتظرني.
وعندما دخلت عليه غرفته وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي وكان البروفيسور منهمكاً في أفكاره وعندما شعر بوجودي سألني: ماذا كان سؤالك؟
ودون أن ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكون الأجرام السماوية ونظامها المدهش، حتى أني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله، وأما (السير جيمس) فوجدت شعر رأسه قائماً، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله وتوقف فجأة، ثم بدأ يقول: يا عناية الله، عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول: (إنك العظيم) أجد أن كل جزء في كياني يؤيدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمتين، وأحس بسعادة تفوق الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله خان لماذا أذهب إلى الكنيسة؟ ويضيف العلامة عناية الله قائلاً ولقد أحدثت المحاضرة طوفاناً في عقلي، وقلت له: يا سيدي لقد تأثرت جداً بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي وتذكرت بهذه المناسبة آية في كتابي المقدس فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم فهز رأسه بكل سرور.
فقرأت عليه الآية التالية: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" (فاطر ، آية : 27 ـ 28).
فصرخ (السير جيمس) ماذا قلت؟ ـ إنما يخشى الله من عباده العلماء؟ ـ مدهش وغريب وعجيب جداً.
إن الأمر الذي كشفت عنه هو دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمد به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟
لو كان الأمر كذلك، فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله، ويستطرد السير (جيمس جينز) قائلاً: لقد كان محمداً أمياً، ولا يمكن أن يكشف عن هذا السر بنفسه ولكن (الله) هو الذي أخبره بهذا السر (مدهش وغريب جداً).

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم

* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (214:210).

* أحمد النظاري، الجمال الحسي في القرآن الكريم، صفحة 174.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022