أنواع الوحي
مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين ..
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة (26)
تحدَّث العلماء عن أنواع الوحي، فذكروا منها:
1 - الرُّؤيا الصَّادقة:
وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصُّبح، وقد جاء في الحديث: «رؤيا الأنبياء وحيٌ»، وقال تعالى في حقِّ إبراهيم عليه السلام: ﴿يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ [الصافات: 102] .
2 - الإلهام:
وهو أن ينفث الملك في رُوْعِه - أي: قلبه - من غير أن يراه، كما قال صلى الله عليه وسلم : «إنَّ روح القدس نَفَثَ في رُوْعي» أي: إنَّ جبريل عليه السلام نفخ في قلبي، «أنَّه لن تموت نفسٌ حتَّى تستكمل رزقها، وأجلها؛ فاتَّقوا الله، وأجْمِلُوا في الطَّلب» [البغوي في شرح السنة (13/304) برقم (4112) وابن عبد البر في التمهيد (1/284)].
3 - أن يأتيه مثل صلصلة الجرس:
أي مثل صوته في القوَّة، وهو أشَدُّهُ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّ الحارث رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدُّه عليَّ، فيُفْصَمُ عنِّي وقد وَعَيْتُ ما قال، وأحياناً يتمثَّل لي الملك رجلاً، فيكلِّمني، فأعي ما يقول» [البخاري (2) ومسلم (2333/87)] .
4 - ما أوحاه الله تعالى إليه، بلا وساطة مَلَكٍ:
كما كلَّم الله موسى بن عمران عليه السلام، وهذه المرتبة هي ثابتةٌ لموسى قطعاً بنصِّ القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء.
5 - أنَّه يرى المَلك في صورته الَّتي خلق عليها:
فيوحي إليه ما شاء الله تعالى أن يوحيه.
6 - أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يتمثَّل له المَلكُ رجلاً:
فيخاطبه حتَّى يَعِيَ عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصَّحابة أحياناً.
هذا ما قاله ابن القيِّم عن مراتب الوحي.
لقد كان نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية عهدٍ جديدٍ في حياة الإنسانيَّة، بعدما انقطع، وتاهت البشرية في دياجير الظَّلام.
وكان وقع نزول الوحي شديداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما هو واضحٌ من النَّصِّ - بالرَّغم من أنَّه كان أشجع النَّاس، وأقواهم قلباً، كما دلَّت على ذلك الأحداث خلال ثـلاثٍ وعشرين سنـةً؛ وذلـك؛ لأنَّ الأمر ليس مخاطبة بشـرٍ لبشر، ولكنَّه كان مخاطبة عظيم الملائكة، وهو يحمل كلام الله تعالى؛ ليستقبله من اصطفاه الله - جلَّ وعلا - لحمل هذا الكلام وإبلاغه لجميع البشر.
ولقد كان موقفاً رهيباً ومسؤوليَّةً عظمى، لا يقوى عليها إلا من اختاره الله تبارك وتعالى لحمل هذه الرِّسالة، وتبليغها.
وممَّا يُصَوِّر رهبة هذا الموقف، ما جاء في هذه الرِّواية، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد خشيت على نفسي»، وقول عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث: «فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجُف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، قال: زمِّلوني! زملوني! فزمَّلوه حتَّى ذهب عنه الرَّوع».
وممَّا يبيِّن شدَّة نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أخرجه الإمام البخاريُّ، ومسلمٌ - رحمهما الله! - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «ولقد رأيته - تعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشَّديد البرد، فيَفصم عنه، وإنَّ جبينه ليَتَفَصَّدُ عرقاً» [البخاري (2) ومسلم (2333/86)] وحديث عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: «كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الوحي؛ كُرِبَ لذلك، وتَرَبَّد وجهُه» [مسلم (2334) وأحمد (5/317)].
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 99-102.
- أسامة عبد القادر، الرؤى والأحلام في النُّصوص الشَّرعية، ص 108.
- محمد بن أبي بكر الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، ص (1/33 ـ 34).
- الحميدي، التاريخ الإسلاميُّ مواقف وعبر ، ص (1/60).