إضاءة في كتاب
"خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما): شخصيته وعصره"
بقلم: د. علي محمد محمد الصّلابيّ
الحسن بن علي بن أبي طالب هو حفيد رسول الله (ﷺ)، وسِبطه، وهو الرجل الذي عُرف في تاريخ الأمة بأنه رجل الإصلاح الذي صان عُرى دولة الإسلام، وحفظ دماء المسلمين من أن تسفك بتنازله عن الخلافة الراشدة لمعاوية بن أبي سفيان (رحمه الله).
يتحدث الكتاب عن سيرة أمير المؤمنين الحسن بن علي، فيبدأ بالحديث عن اسمه ونسبه وكنيته وصفته ولقبه، وتسمية رسول الله (ﷺ) له، وتأذين رسول الله (ﷺ) في أذنيه، وحلق شعر رأسه، وعقيقته، ومرضعته أم الفضل رضي الله عنها، وعن زواجه وزوجاته والروايات التي حولهنَّ، وبيان حقيقة الروايات التي تزعم بأن الحسن رضي الله عنه كان مزواجاً مطلاقاً، كما يتحدث الكتاب عن أولاده، وإخوانه وأخواته، وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته.
وعن والدته السيدة فاطمة (رضي الله عنها)، وعـن مهرها وجهازها وزفافها، ووليمة عرسها، ومعيشتها وزهدها وصبرها، ومحبة رسول الله (ﷺ) لها وغيرته عليها ، وصدق لهجتها وسيادتها في الدنيا والاخرة، وبينت في الكتاب العلاقة بين أبو بكر الصديق والسيدة فاطمة، وعن وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها.
وبحث الكتاب في مكانة الحسن عند جده الحبيب المصطفى (ﷺ)، فأشرت إلى محبة رسول الله (ﷺ) ورحمته بالحسن وملاعبته، والدروس المستفادة من هدي النبي في التعامل مع الأطفال، كتقبيلهم والرأفة والرحمة بالأطفال، ومداعبتهم وممازحتهم.
وتكلم الكتاب عن الأحاديث التي أشارت إلى شبه الحسن بن علي رضي الله عنه بالنبي (ﷺ)، وكون الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وقوله (ﷺ): «هما ريحانتاي من الدنيا»، وعن إعلان رسول الله (ﷺ) على الملأ عن كون الحسن السيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين.
وذكرت الأحاديث التي رواها الحسن بن علي عن جده رسول الله (ﷺ)، ونقلت وصف رسول الله (ﷺ)، كما رواه الحسن، وأشرت إلى أثر التربية الأسرية على الحسن بن علي رضي الله عنه وأثر الواقع الاجتماعي على تربيته.
وأفردت مبحثاً مستقلاً عن حياة الحسن في عهد الخلفاء الراشدين، فتكلمت عن مكانة الحسن في عهد الصديق، وكذلك في عهد عمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم جميعاً)، وتحدثت عن استيعاب الحسن للفقه الراشدي في نظام الحكم ومفاهيم الإسلام، وعلاقته الحميمة بالخلفاء الراشدين، وتعرضت لمعركة الجمل وصفين وموقف الحسن منهما.
وتحدثت عن استشهاد أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه)، ووصية أمير المؤمنين علي للحسن والحسين (رضي الله عنهما)، وخطبة الحسن بعد استشهاد أبيه، وعن بيعة الحسن وشرطه في البيعة، وتكلمت عن مدة خلافة أمير المؤمنين الحسن ومعتقد أهل السنة في خلافته.
وأثبتُّ بأن خلافته كانت خلافة راشدة حقة؛ لأن مدته في الحكم كانت تتمة لمدة
الخلافة الراشدة التي أخبر النبي (ﷺ) أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً، فقد روى الترمذي بإسناده إلى مولى رسول الله (ﷺ) قال: قال رسول الله (ﷺ): «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك».
وقد تتبعت أهم صفات الحسن وحياته في المجتمع، وأثبتُّ بأن شخصيته تعتبر شخصية قيادية فذّة، وأنه اتصف بصفات القائد الرباني، كالعلم بالكتاب والسنة، والعبادة الخاشعة، وزهده الكبير في السلطة وأمور الدنيا، وإنفاقه وكرمه وجوده وسخاؤه الذي لا يميز بين غني وفقير، أو صغير وكبير، أو قريب، أو بعيد، فقد كانت نفسه مجبولة على البذل والعطاء والكرم والسخاء في مرضاة الله تعالى،
وعشت مع الحسن في حياته مع المجتمع، وكيف كان يردّ على المعتقدات الفاسدة؟ ويهتم بقضاء حوائج الناس، ويغار على نسبه النبوي الشريف، ومعاملته لمن يسيء إليه، وحسن خلقه بين الناس، وبعده عن فضول الكلام، وتحدثت عن ثناء سادة المجتمع الإسلامي عليه، وجمعت جملة من أقواله وخطبه ومواعظه وشرحتها لكي نستفيد منها في حياتنا المعاصرة.
ووقفت في الكتاب مع صلح الحسن، واعتبرته مشروعاً إصلاحياً عظيماً، ولذلك قمت بطرحه وفق هذه الرؤية التي وضعها الحسن وقام بتنفيذها، فذكرت أهم المراحل التي مرّ بها الصلح، وماذا حدث في كل مرحلة، وتأمّلت في أهم أسباب الصلح ودوافعه، كرغبة الحسن فيما عند الله، وحرصه على حقن دماء المسلمين ووحدة الأمة، وتحقيق نبوة رسول الله (ﷺ) وغيرها من الدوافع والأسباب، وقد قمت بتوضيح أقوال الحسن التي كانت سبباً ودافعاً له على الصلح، والتي تدلّ على فهمه العميق لمقاصد الشريعة الغراء. وبرهنت بالأدلة التاريخية أن الحسن (رضي الله عنه) تنازل عن الخلافة لمعاوية من موقف قوة، وليس كما يزعم بعض المؤرخين.
وأشرت إلى صلة الحسن بمعاوية (رضي الله عنهما)، بعد الصلح، والأيام الأخيرة من حياته، ووصيته للحسين (رضي الله عنهما)، وتفكره في ملكوت الله، واحتسابه نفسه عند الله، ثم استشهاده ودفنه في البقيع بالمدينة رضي الله عنه.
إن سيرة الحسن بن علي رضي الله عنهما توضِّح لنا أهمية امتلاك القائد لرؤية مستقبلية يسير على هداها مستعيناً بالله، فالحسن ملك الرؤية الإصلاحية، والقدرة على التنفيذ، مع وضوح المراحل، والأسباب والشروط والنتائج، ومعرفة العوائق وكيفية التعامل معها، وترك لنا معالم نيرة في فقه الخلاف، والمصالح والمفاسد، ومقاصد الشريعة، والمفاوضات، والتغلب على أهـواء النفوس وأمراضها ابتغاء ما عند الله، فالأسر الحاكمة، والأحزاب الناشطة، والمؤسسات القائمة، والحركات الإسلامية والجمعيات الهادفة في عالمنا الإسلامي الكبير فـي أشد الحاجة لفقه مدرسة الحسن في رأب الصدع،وتوحيد الصف، وحقن الدماء وجمع الكلمة، فالحسن خليفة راشد، والاقتداء به والاهتمام بفقهه أرشدنا إليه رسول الله (ﷺ) حيث قـال: «عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي».
هذا وقد انتهيت من سلسلة تاريخ عصر الخلفاء الراشدين في 21/صفر/1425 الموافق 11/4/2004م الساعة العاشرة إلا ربع ليلاً والفضل لله من قبل ومن بعد وأسأله البركة والقبول، وأن يكرمنا برفقة النَّبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [فاطر]
وبهذا الكتاب أضع سلسلة عصر الخلفاء الراشدين بين يدي قارئها، ولا أدَّعي الكمال فيها، فلله الحمد على ما منَّ به عليَّ أولاً واخراً، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذه السلسلة التاريخية لوجهه خالصة، ولعباده نافعة، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافَّة ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع، ونرجو من القارئ الكريم أن لا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه في صالح دعائه: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ *} [النمل]
خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:
http://alsalabi.com/salabibooksOnePage/633