الإثنين

1446-11-14

|

2025-5-12

إضاءة في كتاب

"قصة بدء الخلق وخلق آدم (عليه السلام)"

بقلم: د. علي محمد الصّلابيّ

 

كانت رحلة ماتعة ونافعة قضيتها مع قصة الخلق وآدم (عليه السلام)، واكتشاف معالم جديدة بالنسبة لي من حقائق القرآن الكريم من خلال التفسير الموضوعي للآيات القرآنية. وقد تقيدت في هذه الدراسة، بأقوال علماء التفسير والفقهاء الكبار، وأعمدة التاريخ، ممن ساهموا في إثراء المكتبة الإنسانية والإسلامية بهذه العلوم، وانتهجت منهاجاً اعتمدت فيه على الآيات القرآنية وتفسيراتها المتنوعة، وأقوال العلماء فيها مع الابتعاد عن الكلمات الغامضة، والتي يصعب فهمها ما استطعت، مخاطباً أبناء عصري بلغتهم وأسلوبهم، محترماً لمنطقهم وعقولهم، ومحركاً لقواهم الروحية والوجدانية والنفسية وطاقاتهم الكامنة، من خلال البراهين الناطقة والأدلة الدامغة، من هدايات الله عز وجل التي جاءت في كتابه العزيز.

وهذا الكتاب من الناحية المعرفية هو محاولة جادة لجمع وتفسير ما يقدمه القرآن الكريم بشأن بدء الخلق وخلق آدم (عليه السلام) من خلال مطالعة ما ورد في كتاب الله العزيز، وكتابات العلماء والمفكرين وأهل التخصص. وقد قمت بتقسيم هذا الكتاب إلى مدخل تمهيدي، وثلاثة فصول، وعدة مباحث، وخاتمة.

بدأ الكتاب في فصله الأولى، بالحديث عن معنى "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وفضلها وشروطها. وتضمن أدلة إثبات وجود الخالق العظيم سبحانه وتعالى.

وفي الفصل الثاني، فقد تناول؛ قصة بدء الخلق، وقدرة الخالق في خلق المخلوقات، حيث بينت فيه أن بداية الخلق لم تكن غامضة، وأن الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو رب العالمين، وأنه سبحانه تحدى الملحدين. ووضحت كيفية القضاء على وسوسة الشيطان في مسألة الخلق كما بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقد فصلت في إثبات صفات الكمال لله عز وجل وكيف عَرَّف الله نفسه لخلقه في كتابه، وتحدثت عن آية الكرسي كأعظم آيات القرآن الكريم. وأشرت إلى مظاهر الحكمة في الخلق.

وتحدثت عن خلق الله عز وجل للعرش، وأنه أكبر المخلوقات، وعن خلق الله للماء، وخلقه اللوح المحفوظ، وخلق الزمان، وخلق الأرض، وخلق الجبال، وأنها خُلقت بعد الأرض، وعن عبوديتها لله عز وجل وسجودها وتسبيحها وخشيتها وفوائدها وزوالها وفنائها. وتحدثت عن خلق السماوات وأن السماء والأرض كانتا ملتصقتين، وأن السماء سقف الأرض، ورفعها بغير عمد وعن امتناع سقوط السماء على الأرض وعن خلق الشمس والقمر وأنهما تابعات للسماء والأرض وعن ضياء الشمس ونور القمر، وتسخير الشمس والقمر وأنهما آيتان لحساب الأيام والشهور والأعوام وعن خلق الليل والنهار والنجوم وماهيتها وعن المجرات، وأسباب قسم الله عز وجل بمواقع النجوم وخلق الرياح وأنواعها وفوائدها وعن السحب البسيطة والركامية وعن الرعد والبرق والصواعق وعن الشجر والنبات ومنافعها وأنواعها وثمارها وألوانها وعن خلق الظلال.

وأما الفصل الثالث، فكان عن حديث القرآن الكريم عن خلق آدم عليه السلام. وقسمت هذا الفصل لعدة مباحث حسب ذكر قصة أبينا آدم عليه السلام في سور القرآن الكريم، وبحثت سورة البقرة في قصة آدم (عليه السلام)، ففي ذلك أسرار وفوائد ولطائف عظيمة تساعد على التدبر والتأمل والتفكر والوصول إلى نتائج علمية ومعرفية واضحة وأصول عقائدية راسخة، وكان حديثي في المبحث الأول عن معنى اسم الله (الرب) وعن الملائكة وعن الخليفة في الأرض، وعن أصل البشرية. وما هي الغاية والحكمة من خلق الإنسان؟ وهل هناك مخلوقات قبل آدم عليه السلام في الأرض مكلفة؟

وكان الحديث عن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم وطبيعة هذا السجود، وأنه لم يكن لعبادة آدم عليه السلام، وإنما كان الغرض منه تنفيذ أمر الله طاعة له فيما أمر، وإكراماً لآدم به إظهاراً لفضله، وتنويهاً على مكانته عند الله. وقد نقلت أقوال العلماء في ذمّ التَّكبر والكِبر، وأن أصله إبليس، وأن إبليس أول مخلوق أمرنا الله بكفره، وأن الله خلق أمنا حواء كونها شريكة لأبينا آدم في الحياة، وبناء اللبنة الأولى من الحضارة الإنسانية، وانطلاقها كما كان الحديث عن الجنة، التي ذكرت في القصة، والسماح لهما بالعيش فيها والابتعاد عن شجرة معينة حددت لهما حتى لا يكونا من الظالمين وتحذيرهما من عدوهما إبليس. وتحدثت عن هبوط آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض والحكمة من الهبوط، وبأن آدم وزوجه مهيّآن لعمارة الأرض لأنها منزلنا الكبير.

كما تناولت في الحديث قصة آدم (عليه السلام) وعدوه اللدود إبليس في سورة الأعراف، وعن مراحل خلق الإنسان، حيث مرّ آدم (عليه السلام) بالمراحل المذكورة: خلقه من تراب ثم تحويل التراب إلى طين ثم تحويل الطين إلى طين لازب ثم تحويل اللازب إلى صلصال من حمأ مسنون، ثم تحويل ذلك الصلصال إلى صلصال كالفخار، صار آدم عليه السلام تمثالاً مجسماً بدون روح، وهذه المرحلة هي مرحلة التصوير تمهيداً لنفخ الروح. قال تعالى:﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُۥ سٰجِدِينَ﴾ [ص: 71 – 72].

إن كرامة الإنسان متمثلة بنفخة الروح لا بقبضة الطين، فسمت قبضة الطين بنفخة الروح وتوحيد الخالق الكريم والدين العظيم. وإن الدين هو روح الروح، فكأنما الكرامة لهذا الإنسان بالروح وروح الروح، فتأمل![1]

إن معرفة قصة آدم (عليه السلام) ومراحل خلقه، وخلق ذريته، توضح لكل عاقل متبصر في تلك المراحل أن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، وتبطل كل دعوى في أن الخلق وجد صدفة أو أن الطبيعة هي التي أوجدت هذا الكون، وما فيه من مخلوقات أو أن المخلوقات كانت بدائية ثم تطورت بعد مرور الزمان، وبعد أن انتهت مراحل تكوينها وتطورها أخرجت لنا الإنسان. فهذه النظرية تسمى بنظرية التطور والارتقاء التي جاء بها دارون، وهذه النظرية مخالفة للحقيقة العلمية التي جاء بها علم التشريع الذي بين فروقاً خلقية بين الكائنات الحية مما يثبت خطأ الأساس الذي قامت عليه تلك النظرية.

وتناولت قصة آدم (عليه السلام) في سورة الحجر، وبحثت في خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، وخلق الجان من نار السموم، وأصل المادة التي خلق منها الجان، وإثبات تكليف الجان. وبينت أن ﴿مِنْ رُوحِي﴾؛ "من" في هذه الآية بيانية وليست تبعيضية، وورود كلمة الروح في القرآن الكريم. ووضحت وسائل إبليس من خلال الآيات التي ذكرت في سورة الحجر من التزيين والإغواء: ﴿لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين﴾؛ فالتزيين والإغواء ركنان أساسيان في الخطة الإبليسية، وكل من يسير على خطة إبليس هو من جنده، فمن يغوي الناس عن الحق ويزين لهم الباطل فليعلم أنه من معسكر إبليس.

وكما بحثت في قصة آدم (عليه السلام) في سور الإسراء والكهف وطه وص.  وتحدثت عن هبوط آدم وحواء وإبليس إلى الأرض، وبداية نشأة الحضارة الإنسانية الأولى، والزواج والتناسل وتوافر أسباب الحياة، وعبادة الله في الأ{ض، والبناء الأخلاقي للحضارة والفضائل الإنسانية الأولى، وعمارة الأرض، والاستخلاف ومقوماته، وأمانة التكليف والتكريم الإنساني.، وقصة هابيل وقابيل، ومن ثم وفاة أبو البشرية آدم (عليه السلام).  

انتهيتُ من هذا الكتاب يوم الخميس في تمام الساعة السابعة، وأربع وثلاثين دقيقة قبل صلاة المغرب بمدينة إستانبول وذلك بتاريخ: 19 شوال 1441ه/ 11 يونيو 2020م، وذلك أثناء حصار البشر، وانقطاع أسباب الأسفار بسبب وباء كورونا، والذي تجاوزت أعداد المصابين به أكثر من خمسين مليوناً، ووفاة أكثر من ستة ملايين إنسان ...

نرجو من كل من يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته من دعائه، قال تعالى: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل:19].

 


قصة بدء الخلق وخلق آدم (عليه السلام)، رابط الكتاب:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/24

 

 


[1] تفسير سورة الحجر، أحمد نوفل، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، عمان، الأردن، ط1، 1440ه-2019م، ص 203.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022