فضائل مقام إبراهيم (عليه السلام)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جعل الله تعالى لهذا الحجر الكريم ﴿مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ فضائل عديدة وخصّه بآيات كثيرة، تدل على عظم شرفه وكبير شأنه، وقد ثبت فضله واشتهر بنص القرآن الكريم وصريح السنة النبوية المطهرة.
- تخليد ذكره في القرآن الكريم:
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز هذا المقام الكريم في آيتين عظيمتين عند ذكره جلّ وعلا بيته المشرف المعظم، فهو قرآن يُتلى على مر الدهور تخليداً لذكره الحسن، وبياناً لشرفه وفضله وتكرمة لأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
فقد ذكره الله تعالى آية بينة من أعظم آيات حرم الله، كما أمر المؤمنين باتخاذه مصلّى لهم، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة:125]، وفي هذا الأمر باتخاذه مصلى تنويه بشرفه وشأنه وتخليد لذكره ما تلا كتاب الله تالٍ، وما طاف بالبيت طائف، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران:96-97]، وهكذا أبقى الله تعالى ذكر هذا المقام الكريم يُذكر مع بيت الله وحجّه مع الصلاة والدعاء خلفه إلى ما شاء الله تعالى. (فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص146(
- من أعظم آيات الله البينات في حرم الله:
بيّن الله تعالى لعباده أن في بيته المحرّم المعظم المبارك آيات بينات واضحة الدلالات {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}، وإن مقام إبراهيم وأمن الداخل إلى الحرم جُعلا مثالاً مما في حرم الله من الآيات وخُصّا بالذكر لعظمهما. (تفسير ابن عطية، (3/224(
وهذه الآية العظمى ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ هي في نفسها تشتمل على عدة آيات واضحات عجيبة ومعجزات باهرة، أظهرها الله سبحانه في ذلك الحجر الكريم، فهي آيات في آية، ومن هذه الآيات في مقام إبراهيم ما يلي:
- أثر القدمين في الصخرة الصماء آية.
- وغوصهما فيها إلى الكعبين آية.
- وإلانة بعض هذا النوع دون بعض آية.
- وارتفاع المقام لإبراهيم الخليل في السماء حين ارتفع بالبناء آية.
- وإبقاؤه على مر الزمان آية.
- وحفظه ألوف السنين من الأعداء مع كثرتهم وشدة عدائهم آية.
- المقام معجزة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ودليل على نبوته.
- ومن آيات المقام أيضاً أنه لا تخلو لحظة من اللحظات من قائم وراكع وساجد خلف المقام تحقيقاً لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فسبحان الله المعبود الصمد على الدوام جلّ وعلا. (ابراهيم خليل الله، د. علي الصلابي، ص635)
- الأمر الرباني باتخاذه مصلى:
قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}؛ إن هذا الأمر الصريح من الله تعالى باتخاذ المقام مصلى، دليل على فضل وشرف هذا المقام الكريم وشأنه الكبير عند الله.
- من مواطن إجابة الدعاء خلف المقام:
نصّ كثير من العلماء والفقهاء على استحباب الدعاء عقب ركعتي الطواف خلف المقام؛ لأنّه من مواطن إجابة الدعاء وعلى هذا يدعو المصلي خلف المقام بما أحبّ من أمور الدنيا والآخرة، والأفضل أن يدعو بما هو مأثور. (فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص146)
ولما كان من حكم الصلاة خلف المقام تذكر باني البيت العتيق، وهو نبي الله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي جعله الله تعالى لنا قدوة وأسوة حسنة حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الممتحنة:4]، فهو قدوة عليه الصلاة والسلام في صفاته الحميدة وأخلاقه المجيدة وما منّ الله تعالى به عليه من مقامات علية سنية.
فحري بالمصلي وهو قائم خلف هذا المقام الحسّي، وهذا الحجر المبارك الذي قام عليه إبراهيم الخليل، أن يلاحظ ويذكر تلك المقامات العليّة والإكرامات الإلهية التي أفاضها الله بها على نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويسأل الله تعالى في هذا الموطن الذي تجاب فيه الدعوات، وترجى فيه البركات أن يكتب له من تلك المقامات الإبراهيمية النبوية أوفر الحظ والنصيب، فهو سبحانه القريب المجيب، وقد بيّنا في كتابنا قصة إبراهيم ومواقفه من خلال القرآن الكريم، وما ثبت عن نبينا العظيم صلّى الله عليه وسلّم. (فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، مرجع سابق، ص146)
المراجع:
- ابراهيم خليل الله (عليه السلام)، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الأصالة – إسطنبول، ط1، 1444هـ -2022م.
- فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم وذكر تاريخهما وأحكامهما الفقهية وما يتعلق بهما، سائد بكداش، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، 1996م.