(سياسة عماد الدين زنكي مع الصليبيين)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 57
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1444 ه/ أكتوبر 2022م
أدَّت مواقف عماد الدين زنكي من الصراع ضد الصليبيين دوراً بارزاً في تحديد مستقبله السياسي؛ إذ دفعت السلطان محمد السلجوقي إلى توليته الموصل، والجزيرة وما يفتحه من بلاد الشام إثر وفاة واليها عز الدين مسعود البُرسُقي في عام 521 هـ/1127 م، ويبدو: أن السلطان اقتنع بأنه الرجل الكفء الذي يستطيع أن يملأ الفراغ الذي تركه حكام الموصل من قبل، مما يؤكد حرصه على الاستفادة من قدراته لصد الخطر الصليبي الجاثم على حدود العراق الغربية(1).
لم يمارس عماد الدين زنكي في بداية حكمه للموصل أيَّ نشاط عسكري ضد الصليبيين قبل أن يُثبِّت قدميه في إمارته الجديدة، ويعزِّز إمكاناتها الاقتصادية والعسكرية، ويوحِّد ما أمكنه من الإمارات الصغيرة المتناثرة حولها لتأمين خطوط تحركاته في الجزيرة وبلاد الشام إلى الحدِّ الذي يمكِّنه من التصدي لهم، ولعل ما يدل على بُعد نظره في هذا الصدد: أنَّه وقَّع هدنة مع جوسلين الثاني أمير الرُّها لمدة سنتين أخذ أثناءها يوحِّد سلطانه في بلاد الشام(2)، ولم تشر المصادر إلى شروطها، إلا أن ابن الأثير يذكر أنها تمّت على ما اختاره عماد الدين زنكي، ويبدو أن المشاكل التي جابهت صاحب الرُّها، اضطرته إلى قبول هدنة لصالح عدوه المسلم. كان هدف عماد الدين زنكي من عقد الهدنة التفرغ لضمِّ حلب إلى أملاكه، واتخاذها نقطة انطلاق له في بلاد الشام(3)، ونجح في تحقيق هذا الهدف، وانطلق بعد ذلك لاكتساح ما كان يقف في طريقه من حصون مستقلة وإمارات محلية، منتهزاً فرصة الهدنة(4).
مراجع الحلقة السابعة والخمسون:
(1) تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 129.
(2) المصدر نفسه ص 130.
(3) الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين في الموصل ص 130
(4) عماد الدين زنكي ص 140.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي