الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

اتفاق الأنبياء في الأصول وإختلافهم في الفروع

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 40

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1443 ه/ يوليو 2022م

فيما عدا أصول الإيمان والقيم الثابتة، جعل الله عزّ وجل لكل رسول شريعة خاصة به لقومه، شاملة وكاملة في وقتها لأهلها، وقد تختلف هذه الشرائع من نبيّ لآخر، وقد يتفق بعضها، حتى ختم الله سبحانه جميع الشرائع بما أنزل على محمد (صلّى الله عليه وسلّم) من الشريعة الكاملة الشاملة التي كتب الله عزّ وجل لها الخلود والقيام بمصالح العباد في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا هو المعنى المأخوذ من قوله تعالى: {...لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} ]المائدة:48[، ومعناه: لكل أهل ملة منكم أيها الأمم جعلنا شرعةً ومنهاجاً .(1)

ويرى الشيخ عبد الرازق عفيفي (رحمه الله تعالى) بخصوص اختلاف الشرائع واكتمالها في شرعة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم: أنَّ من تمام رحمة الله بعبادة ونعمته عليهم، وكمال حكمته في إقامة الحجة والأعذار إلى من سبق عليه القول منهم، أن جعل شريعة كل رسول من رسله شاملة لكل ما تحتاجه أمته، وجامعة لكل ما يُصلح شأنها، وينهض بها في إقامة دولتها وبناء مجدها وتقويم أوَدها وحفظ كيانها، ويجعلها مثلاً أعلى في جميع شؤونها، سعيدة في الدنيا والآخرة، قال صلّى الله عليه وسلّم: "إنه لم يكن نبيّ قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم عن شر ما يعلمه لهم.(2)

وكذلك، فقد تضمنت فوق ذلك ما يُكمل الضروريات والحاجيات والتحسينيات على خير حال وأقوم طريق... والأمم الماضية لما كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبيّ خلفه نبيّ، وكان الوحي مستمراً، جرت فيهم سنة التطور في التشريع والتدريج في الأحكام، وكان كثير من التفاصيل وفروع الشريعة مؤقتاً، فنسخت الشريعة اللاحقة من أحكام الشريعة السابقة ما اقتضت المصلحة نسخه؛ تنشئةً للأمة وتربيةً لها وسداً لحاجتها، أو عقوبةً لها على ظلمها للأمة وتمرّدها على شرائع ربّها، قال تعالى في رسالة عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ..} ]آل عمران:50[.

وقال الله تعالى في محمد عليه الصلاة والسلام: {..وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} ]الأعراف:156-157[.

وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)} ]النساء:160-161[.

وأما هذه الأمة المحمّدية فشريعتها خاتمة الشرائع ورسولها خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا نبيّ بعده، فاقتضت حكمة الله أن تكون شريعته فيهم عامة دائمة إلى يوم القيامة، كفيلة بجميع مصالحهم الدينية والدنيوية، منظِمةً لنواحي حياتهم المختلفة، مُغنيةً لهم عمّا سواها في جميع أمورهم وشؤونهم، ولو طال بهم الأمد واختلفت أحوالهم على مرّ الأيام والعصور حضارةً وثقافةً، وتباينت أفكارهم ذكاءً وغباوةً، وحالتهم قوةً وضعفاً وغنىً وفقراً .(3)

مراجع الحلقة الأربعون:

(( تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (10/385).

(2) صحيح مسلم، كـ الإمارة، رقم (1848).

(3) الحكمة من إرسال الرّسل، عبد الرازق عفيفي، ص30-32.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022