تأملات في الآية الكريمة: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 64
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1444ه / أغسطس 2022م
قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ}؛ أي وهديناه من ذريته {دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ..}، ويعود الضمير إلى "نوح"؛ لأنه أقرب المذكورين - ظاهر وهو اختيار ابن جرير ولاإشكال عليه، وعوده إلى إبراهيم؛ لأنّه الذي سبق الكلام من أجله- حسن.(1)
وقال محمد رشيد رضا: ذكر الله في هذه الآيات الثلاث أربعة عشر نبياً، لم يرتبهم على حسب تاريخهم وأزمانهم؛ لأنه أنزل كتابه هدى وموعظة لا تاريخاً، ولا على حسب فضلهم ومناقبهم؛ لأن كتابه ليس كتاب مناقب ومدائح، وإنما هو كتاب تذكرة وعبرة، وقد جعلهم ثلاثة أقسام لمعانٍ في ذلك جامعة بين كل قسم منهم. فالقسم الأول: داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، والمعنى الجامع بين هؤلاء أن الله تعالى آتاهم الملك والإمارة، والحكم والسيادة، مع النبوة والرسالة، وقد قدم ذكر داود وسليمان وكانا ملكين غنيين منعمين، وذكر بعدهما أيوب ويوسف وكان الأول أميراً غنياً عظيماً محسناً، والثاني وزيراً عظيماً وحاكماً متصرّفاً، ولكن كلاً منهما قد ابتلي بالسراء فشكر، وأما موسى وهارون فكانا حاكمين، ولكنهما لم يكونا ملكين، فكل زوجين من هؤلاء الأزواج الثلاثة ممتاز بمزيّة، والترتيب بين الأزواج على طريق التدلي في نعم الدنيا، وقد يكون طريق الترقّي في الدين، فداود وسليمان كانا أكثر تمتعاً بنعم الدنيا، ودونهما أيوب ويوسف، ودونهما موسى وهارون، والظاهر أن موسى وهارون أفضل في هداية الدين وأعباء النبوة من أيوب ويوسف وأن هذين أفضل من داود وسليمان بجمعهما بين الشكر في السراء، والصبر في الضراء، والله أعلم.
وقال تعالى بعد ذكر هؤلاء {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي: بالجمع بين نعم الدنيا ورياستها بالحق وهداية الدين وإرشاد الخلق، وهذا كما قال تعالى في أحدهما يوسف: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ]يوسف:22[، فهو جزاء خاص بعضه معجل في الدنيا، أي ومثل هذا الجزاء في جنسه يجزي الله بعض المحسنين بحسب إحسانه في الدنيا قبل الآخرة، ومنهم من يرجى جزاءه إلى الآخرة.(2)
مراجع الحلقة الرابعة والستون:
( ) تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، (3/290-292).
(2) تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم)، محمد رشيد رضا، (7/586-588).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي