تأملات في الآية الكريمة {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 75
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1444ه / سبتمبر 2022م
قابل آزر بقسوة نصيحة ابنه المؤدّب المهذّب إبراهيم - عليه السّلام -؛ إذ قابل الرفق بالعنف، والوعظ بالسفاهة، والتعطّف بالفظاظة والغلظة، وذلك هو شأن الإيمان مع الكفر، وشأن العقل الذي هذّبه الإيمان، والقلب الذي أفسده الكفر، والبعد عن الله عزّ وجل، فكل إناء بما فيه ينضح، وكلّ ينفق ممّا عنده.(1)
وفي هذا الموقف الأبوي العنيف تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم آنذاك على ما كان يلاقيه من الأذى من عمّه أبي لهب، ومن قومه عامة، وكذلك للصحابة الذين كانوا يعانون من آبائهم وأمهاتهم المشركين
وهو تسلية وتثبيت أيضاً لمن جاء من بعد ذلك من المؤمنين الذين يلاقون الأذى والإعراض من أهليهم وذويهم الذين فسدت فطرتهم وبعدوا عن الحق وصدّوا عنه.
ومن المعلوم أن أشدّ ما يكون على نفسية الداعية إلى الله أن يجد أهله وذويه يعارضونه في دعوته ويؤذونه بالفعال والمقال، ويهجرونه ويصدون عنه الناس، وإنّ هذا لهو من سلسلة الامتحانات التي يمتحن الله بها عباده المؤمنين؛ ليميز بينهم ويعرف صدقهم، فلا علاج في هذا الموقف إلا الصبر والتجلّد أمام هذه المواقف المؤثرة والله خير معين.
إنَّ موقف آزر غير ودّي البتّة تجاه ابنه، مع أنّه جرى في العرف والطبيعة البشرية أن يكون جانب العطف والشفقة من الأب أكبر، ولكن هنا نرى العكس، وهذا يدلُّ على أثر الكفر والشرك بالله في تغيير الطفرة البشرية والطبيعة الإنسانية، وهذا ما نشاهده جليّاً واضحاً في كفرة هذا الزمان البعيدين عن دين الله، فكم من الحوادث التي أصبحت أمراً طبعيّاً في حياة هذه الفئة من الناس؟ فحوادث قتل الآباء والأمهات لأبنائهم كثيرة وعدم اكتراثهم لذلك، وغير ذلك من التصرفات اللاإنسانية المنْبئة عمّا يفعل الكفر والبعد عن الله في انحراف وفساد الفطرة الإنسانية.(2)
مراجع الحلقة الخامسة والسبعون:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، المرجع نفسه، (4/2314)، وتفسير المراغي، أحمد مصطفى المراغي، (16/57).
(2) القصص القرآني بين الآباء والأبناء، عماد زهير حافظ، ص82.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي