تأملات في الآية الكريمة {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 73
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1444ه / سبتمبر 2022م
بعد أن كشف إبراهيم - عليه السّلام - بطلان عبادة الأصنام وبيان المصدر الذي يستمد منه ويعتمد عليه في دعوة أبيه، بيّن أن طريقه هو طريق الشيطان، وهو يريد أن يهديه إلى طريق الرحمن.(1)
1-{يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ}:
يوصي إبراهيم - عليه السّلام - أباه ألا يعبد الشيطان؛ لأن من عبد غير الله فقدْ عبد الشيطان، كما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ]يس:60[، والمراد بعبادة الشيطان: عبادة الأصنام، وإنما نهّاه عن عبادة الشيطان؛ لأنه الآمر بها المزيّن لها، والموسوس باتباعها أو المراد بعبادة الشيطان طاعته والعمل بوسوسته، ومن أطاع شيئاً في معصية فقد عبده، أو من عبد الأصنام فقد عبد الشيطان.(2)
2-{إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا}:
ذكر إبراهيم - عليه السّلام - في هذه الآية علة النهي عن عبادة الشيطان، فكأنه قال به: لا تعبد الشيطان؛ لأنه شديد العصيان لله تعالى واسع الرّحمة الذي أفاض عليك بنعمه، ولا يليق بك أن تعبد من عصى ربه وتنكّر لنعمه عليه وخالف أمره، وذكر وصف {عَصِيًّا} الذي هو من صيغ المبالغة في العصيان مع التعبير بفعل {كَانَ}؛ للدلالة على أنه لا يفارق عصيان ربَّه وأنه متمكّن منه.(3) وذكر لفظ الرحمن دون غيره؛ لعده أمور أهمها ما يأتي:
- التنبيه على سعة رحمة الله، وبالتالي فإن في هذا وصفه هو الذي ينبغي أن يُعبد ولا يُعصى.
- الإعلام بشقاوة الشيطان، حيث إنه عصى من هذه صفته وارتكب من ذلك ما طرده من هذه الرّحمة، وفي هذا إظهار لكمال شناعة عصيانه.
- الإشارة إلى أن المعاصي تمنع العبد من رحمة الله الواسعة وتغلق عليه أبوابها، كما أن الطاعة أكبر سبب لنيل الرّحمة الإلهية والأَوْلى الاتجاه إلى طاعة الله.(4)
وكان الظاهر أن يقال: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} بإضمار لفظ "الشيطان"، ولكنه أظهر اسمه ثانية؛ لزيادة التنفير من طاعته، واستبشاع عبادته، حيث إن مجرد ذكر اسمه ثانية مستكرَه ومستنكَر ومستفظَع في وجدان كل إنسان سويّ، وكان الإظهار في مقام الإضمار أيضاً؛ لتكون جملة التذييل مستقلة بذاتها وقائمة بنفسها، بحيث تكون موعظة منفصلة مستقلة، وفصل بين جهة التذييل {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} وبيّن سابقتها لاختلاف الجملتين خبراً وإنشاءً.(5)
مراجع الحلقة الثالثة والسبعون:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/2311).
(2) تأملات في سورة مريم، عادل أحمد صابر الرويني، ص190.
(3) المرجع نفسه، ص190.
(4) القصص القرآني بين الآباء والأبناء، عماد زهير حافظ، دار القلم، دمشق، ط1، 1990م، 1410هـ، ص65.
(5) تأملات في سورة مريم، عادل أحمد صابر الرويني، ص193.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي