الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

تفسير العلماء للآية الكريمة: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 83

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1444ه / سبتمبر 2022م

1.قول الدكتور فضل حسن عباس:

تبدأ القصة بما أكرم الله به إبراهيم - عليه السّلام- من الرشد، وهي كلمة جامعة لكل ما يصلح شؤون الحياة المادية والروحية والدنيا والآخرة. وإن الرشد يُقابل الغواية، كما أن الهدى يُقابل الضلالة، ومن عظمة القرآن أنه تستعمل الكلمة فيه مع غيرها فيكون لها معنى خاص، فإذا جاءت مفردة كان لها معنى أعم، وذلك كثير في كتاب الله تعالى:كالإسلام والإيمان، والبرّ والتقوى، والفقير والمسكين، والكفر والشرك، والرشد والهداية، فإذا استعملت هاتان الكلمتان معاً، كان لكل منهما معناها الخاص بها، ألا ترى أن قول الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ]الحجرات:14[.

فلا يشكُّ أحد بأن كلاً من الإيمان والإسلام في الآية الكريمة له معنى خاص به، وكذلك قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ]المائدة:2[، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ]التوبة:60[، وقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)} ]النجم:1-2[، فإن كل كلمة في هذه الآيات لها معناها اللائق بها.

أما إذا ذكرت الكلمة وحدها، فإنها تكون شاملة لمعنى الكلمتين معاً، فإن ذكرت كلمة الإيمان دون كلمة الإسلام كانت شاملة للمعنيين، وكذلك إذا ذكرت كلمة الفقراء دون كلمة المساكين، أو كلمة الكفر دون كلمة الشرك، والذي يعنينا هنا أن كلمة الرشد في سورة الأنبياء ذكرت وحدها دون كلمة الهداية، فهي إذاً كلمة عامة تدلّ على سلامة العقيدة والسلوك الخيّر، أنّها تدلّ على التوفيق في العلم والعمل وصدق الظاهر والباطن(1).

2.قول الدكتور البهيّ الخوليّ:

ليس في القرآن الكريم ولا في التوراة نصوص مفصّلة عن نشأة إبراهيم - عليه السّلام - إلا آيتان تشيران في إيجاز دقيق إلى نشأته وتربيته:

- الآية الأولى: قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ]الأنبياء:51[، أي آتيناه رشده في صغره قبل الرسالة(2).

والرشد في فقه القرآن الكريم رشدان؛ الرشد الأول: ينظم به المرء شؤونه المعيشية والمالية والدنيوية، وهذا يبلغه الصالح والطالح متى أدرك سناً معينة، ومنه قوله تعالى في شأن اليتامى: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ]النساء:6[، والرشد الثاني: يتم به إدراك الحق والباطل وتمييز قيم كل منهما، والتصرف في الحياة على مقتضى هذا الإدراك والتمييز، ... وإن مقتضى الرشد الروحي ألّا يؤثر الباطل على الحقّ وإلا استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ... وإذا قال الله: إنه آتى إبراهيم رشده، فقد جُعل له مواهب كلّا الرشدين على أتمها سلامة ويقظة(3).

- والآية الثانية: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ]الأنعام:75[، أي نريه ذلك الملكوت في طفولته ليكون من الموقنين عند البلوغ(4). وقد شرحت الآية الكريمة فيما مضى من الصفحات.

3.قول السعدي:

ولما ذكر الله تعالى موسى ومحمداً صلّى الله عليه وسلّم وكتابيهما، قال: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل إرسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما، فأراه الله ملكوت السماوات والأرض، وأعطاه من الرشد الذي كمّل به نفسه، ودعا الناس إليه ما لم يؤتِ أحداً من العالمين غير محمد، وأضاف الرشد إليه لكونه رشداً بحسب حاله وعلو مرتبته، وإلا فكل مؤمن له من الرشد بحسب ما معه من الإيمان {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}: أي أعطيناه رشده واختصصناه بالرسالة والخُلة، واصطفيناه في الدنيا والآخرة لعلمنا أنه أهل لذلك وكفء له؛ لزكائه وذكائه ولهذا ذكر محاجّته لقومه، ونهيهم عن الشرك، وتكسير الأصنام وإلزامهم بالحجة(5)

مراجع الحلقة الثالثة والثمانون:

(1) قصص القرآن الكريم، فضل حسن عباس، ص306.

(2) بنو إسرائيل في ميزان القرآن، البهي الخولي، ص46.

(3) المرجع السابق، ص46.

(4) المرجع نفسه، ص46.

(5) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1071.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022