تأملات في الآية الكريمة: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 114
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1444ه / أكتوبر 2022م
انتقل إبراهيم - عليه السّلام - في حواره إلى قضيتي الموت بعد الحياة والبعث بعد الموت، وهذه قضايا في لبّ الاعتقاد ومن أصله وجوهره، فقال لهم بكل ثقة: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}
إنَّ قضية الموت يعتقد بها الجميع ويشترك فيها البر والفاجر؛ لأنّها أمر واقع وقد رأوا أجدادهم وآباءهم ومن حولهم يموتون والناس يؤمنون بما ترى أعينهم، ومن أجمل ما قيل في ذلك قول أبي العتاهية:
الموْتُ بابٌ وكلُّ الناسِ داخِلُهُ
يا ليْتَ شعرِيَ بعدَ البابِ ما الدَّارُ
ولكن اختلاف عقائد الناس في البعث بعد الموت فهي مسألة غيبية، والإيمان بالغيب توفيق إلهي، وقد تعمد خليل الله إبراهيم - عليه السّلام - أن يذكر هذه الحقيقة أمامهم، ليس من أجل الحوار الذي كان يدور بينهم فحسب؛ بل لأنَّ هذا الأمر الاعتقادي بالنسبة له - عليه السّلام - وهو مُلزم بتبليغه كجزء من رسالته التي يريد أن يوصلها للآخرين، وهي رسالة حريُّ بكل مؤمن مسلم أن يباشر بإيصالها للناس اتّباعاً للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومتخذاً إبراهيم - عليه السّلام - أسوة حسنة، فإن إبراهيم - عليه السّلام - يقول لهم أنّ ربي الذي هو الله سبحانه وتعالى أبلغني بأنه سيميتني، ويميتكم ثم سيبعثنا من قبورنا ويحاسبنا، فاسمعوني ماذا تقول آلهتكم لكم، فهل آلهتكم تخلق، وتحيي وتميت؟ فهو - عليه السّلام - بهذا يحصد الانتصارات عليهم حصداً وهم يستمعون له خائبين؟(1)
ونلاحظ شعور إبراهيم - عليه السّلام - القوي بكمال الربوبية، فالله وحده الذي يميت ولو كان الإنسان في بروج مشيّدة وللناس آجال، فإذا جاء أجلهم لا يسـتأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإنه بعد الموت البعث، وهو الحياة الأخرى الجديرة بأن تكون الحياة حقاً وصدقاً(2).
وتأمل حرف العطف "ثم" في قوله: {يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}، وهذا الحرف يفيد العطف مع التراخي، فبين الموت والإحياء الآخر مسافة طويلة ألا ترى قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)} ]عبس:21-22[(3).
إنَّ البعث لا يكون عقب الموت، بل يكون بينهما تراخٍ في الزمن حساً ومعنى، أما الحسّ فظاهر، وأما المعنوي فهو التفاوت بين حياة لاغية مكدودة وحياة بالنسبة لمثل خليل الله تعالى حياة هادئة لا لغوب فيها، بل هي جنات النعيم(4).
إنّ إبراهيم - عليه السّلام - أكّد على أن الله عزّ وجل بيده الموت والحياة، وبعث الناس من قبورهم للحساب والجزاء(5).
مراجع الحلقة الرابعة عشر بعد المائة:
(1) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص46.
(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (10/5368).
(3) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (17/10595).
(4) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (10/5368).
(5) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/167).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي