الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

تأملات في الآية الكريمة : {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 112

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1444ه / أكتوبر 2022م

 

إنّها نعمة أخرى من مظاهر الربوبية العالية، وهو أنه يطعم عباده، أي أنه سبحانه وتعالى هيأ أسباب الطعام وأسباب الشراب، فطعام الإنسان لحم شهي، أو سمك طري، أو خبز، أو ثمر جنيّ، وكل ذلك من الله، فهو الذي أنبت النبات وأثمر الغراس، وتغذى من النبات الأنعام، وهو سبحانه الذي خلق الأنهار والبحار التي تعيش فيها الأسماك، وهو الذي ينزل الأمطار، فيشرب منه الإنسان والحيوان، وهكذا هو الذي يطعم ويسقي، بتضافر الأسباب سبباً بعد سبب(1).

وفي قوله تعالى: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} بيّن إبراهيم - عليه السّلام - أن الله عزّ وجل مصدر الطعام والشراب، وهو المنعم بهما على عباده، ورغم أن هذه الحقيقة أيضاً من المسلمات التي لا تناقش، إلا أن كثيراً من الناس لا يرون الله تعالى منعماً، بل يسندون صفة الإنعام إلى مخلوقات أخرى وكائنات أخرى لا صلة لها أصلاً بالنعمة، فعبدة الأصنام يعتدون أصنامهم مصدر الخير، وعبدة الطاغوت يعدونهم أولياء نعمتهم وأصحاب الفضل عليهم، فكان إبراهيم الخليل - عليه السّلام - نموذجاً فريداً في قومه بشكره لله وحده، واعترافه بالنعمة لخالقه دون سواه(2).

إنَّ قصة إبراهيم - عليه السّلام - تعلمنا أن من أهم ثمرات الإيمان الحقيقي عدم الاعتراف بمنعم سوى الله تعالى، وعدم رؤية الخلق سوى أسباب يتبادلون ما رزقهم الله من منافع وطيبات، فالمؤمن لا يربط رزقه إلا بالله سبحانه، سواء أكان هذا الرزق رزق الروح الذي قلنا إنه هدى الله لا سواه، أو رزق البدن وهو ما خلق الله تعالى من طيبات ومن خيرات(3).

وفي كلام إبراهيم - عليه السّلام - {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} إشارة إلى أن الإطعام والإسقاء هو من أعمال الربوبية، ولما كانت الآلهة التي اتخذها قومه لا تطعم ولا تسقي فهي ليست جديرة بأن تُعبد، وهي إشارة كذلك إلى الخلق بأن لا تتحول العلاقات البشرية إلى عبادة من جراء الخوف على الرزق، وهذا ما يحصل كثيراً في علاقة الناس مع الملوك أو الأمراء وأرباب العمل من تملقٍ وخضوعٍ وإذلالٍ وتفريطٍ بالكرامة؛ بحجة لقمة العيش أو منحة مادية من هنا أو هناك(4).

يبيّن لنا إبراهيم - عليه السّلام - بأنه لا قلق ولاخوف؛ لأن الله هو الذي يطعم ويسقي ويرزق، قد قضي أمر الرزق، فهنا الله الخالق سبحانه وتعالى، وهو الرازق والهادي لأسباب الرزق لمخلوقاته وعلى رأسهم الإنسان، فالله هو من يطعم ويسقي ويكسي، وهو من يدبر لكم الأمور كلها، فلا داعي لحمل الهموم وارتكاب الحرام من أجل ذلك.

ولكن مع هذه الحقيقة، يأمرنا الخالق بأن نأخذ بالأسباب من أجل اكتساب الرزق، وكان أنبياء الله - عليهم السلام - يعملون من أجل الكسب، وقد عمل كل الأنبياء بمهنة الرعي(5)، وقد أثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على النبي داود - عليه السّلام - بأنه كان يأكل من عمل يده، وشجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحاب ملّة إبراهيم من أتباعه وأصحابه على العمل باليد من أجل الكسب، فقد سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الكسب أطيب؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور(6).

وكان نوح - عليه السّلام - نجاراً، وداود كان حداداً، ووردت الأخبار في أن إدريس - عليه السّلام - كان يعمل بالخياطة والحياكة، وكان النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم قد عمل في التجارة كما هو معلوم(7).

 

مراجع الحلقة الثانية عشر بعد المائة:

(1) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (10/5368).

(2) درب إبراهيم عليه السلام، سعيد الشبلي، ص141.

(3) المرجع السابق، الشبلي، ص141.

(4) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص45.

(5) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص44.

(6) المعجم الأوسط، الطبراني، رقم (7918).

(7) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص44.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022