الأحد

1446-11-13

|

2025-5-11

الإمام أبو حنيفة صاحب الخصال الحميدة

اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة:السابعة و العشرون

18 ذو القعدة 1443ه/17 يونيو 2022م

كان أبو حنيفة رحمه الله جميل الوجه، يعلوه بهاء، يهتم بنضارة ملبسه وزكاء رائحته.

وقد كان رَبْعَة، من أحسن الناس صورةً، وأبلغهم نُطقًا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.

قال يحيى القطان: «جالسنا والله أبا حنيفة وسمعنا منه، وكنتُ والله إذا نظرتُ إليه عرفتُ في وجهه أنه يتَّقي الله عز وجل».

ووصف أخلاقه أبو يوسف رحمه الله للخليفة هارون الرشيد، فقال: «إن الله تعالى يقول: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، وهو عند لسان كل قائل. كان علمي بأبي حنيفة أنه كان شديد الذبِّ عن محارم الله أن تُؤتى، شديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحب أن يُطاع الله ولا يُعصى، مجانبًا لأهل الدنيا في زمانهم، لا ينافس في عزِّها، طويل الصمت، دائم الفكر، على علم واسع، لم يكن مهذارًا ولا ثَرْثَارًا، إن سُئل عن مسألة كان عنده فيها علم، نطق به وأجاب فيها بما سمع، وإن كان غير ذلك قاس على الحق واتَّبعه، صائنًا نفسه ودينه، بذولًا للعلم والمال، مستغنيًا بنفسه عن جميع الناس، لا يميل إلى طمع، بعيدًا عن الغِيبة، لا يذكر أحدًا إِلَّا بخير. فقال له الرشيد: هذه أخلاق الصالحين. ثم قال للكاتب: اكتب هذه الصفة وادفعها إلى ابني ينظر فيها. ثم قال له: احفظها يا بُنيَّ، حتى أسألك عنها إن شاء الله».

لقد كان أبو حنيفة رحمه الله فقيهًا معروفًا بالفقه، مشهورًا بالورع، غنيًّا كثير المال، معروفًا بالإفضال على كل مَن يَطِيف به، صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار، حسن السمت، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربًا من مال السلطان.

وقال ابن المبارك: «ما رأيتُ رجلًا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتًا وحلمًا من أبي حنيفة».

وقال حُجْر بن عبد الجبار بن وائل بن حُجْر: «ما رأى الناسُ أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا إكرامًا لأصحابه».

وقد كان رحمه الله واسع الحلم، لا يستفزُّه الجهال ولا يستثيرونه.

قال عبد الرزاق: «شهدتُ أبا حنيفة في مسجد الخَيْف، فسأله رجلٌ عن شيء، فأجابه، فقال رجل: إن الحسن يقول كذا وكذا. قال أبو حنيفة: أخطأ الحسن. قال: فجاء رجل مغطَّى الوجه، قد عصب على وجهه فقال: أنت تقول أخطأ الحسن يا ابن الزانية! ثم مضى فما تغيَّر وجهه ولا تلوَّن. ثم قال: إي والله! أخطأ الحسن وأصاب ابن مسعود».

إن أنموذج هؤلاء الجهلة المغمورين المغطين وجوههم وأسماءهم، الجرآء على الحرمات، وعلى أعراض الأحياء والأموات يتكرَّر، ونحن نجده اليوم في كثير من المواقع والتعليقات من أناس يتستَّرون بأسماء وهمية ويخفون سيرهم الذاتية؛ ليمارسوا فجورهم دون رادع.

وقال سهل بن مُزاحم: سمعتُ أبا حنيفة يقول: (فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر:17-18]. قال: كان أبو حنيفة يكثر من قول: «اللهمَّ مَن ضاق بنا صدره، فإن قلوبنا قد اتسعت له».

يحكي الإمام هنا صُدورًا خرجت عليه وكرهت مسلكه، سنة الله في عباده، ورأت في اجتهاده ثَلْمًا للدين، أو تعديًّا على الشريعة، ولم تدر تلك الصُّدور أن ذكرها سيُطوى ويبقى أبو حنيفة النجم الإمام الذي تشهد بإمامته الأجيال!

وقال يزيد بن كُميت: قال رجلٌ لأبي حنيفة: اتَّقِ الله. فانتفض واصفرَّ وأطرق، وقال: «جزاك الله خيرًا؛ ما أحوج الناس كل وقت إلى مَن يقول لهم مثل هذا».

وكان يقول رحمه الله: «ما صليتُ صلاةً منذ مات حماد، إِلَّا استغفرتُ له مع والدي، وإني لأستغفر لمَن تعلَّمتُ منه علمًا أو علَّمتُه علمًا».

إن هذا المعدن الكريم، لهو التربة التي ينمو فيها العلم، فما ضُمَّ شيء إلى شيء أزينَ من علم إلى حِلْم، ولن تعدم الحسناء لها ذامًّا، وما زال أهل العلم يقع بينهم الاختلاف، وقد يتعصَّب الطلبةُ لهذا الشيخ أو ذاك، ويوغرون صدر الشيخ، حتى تتسع الهُوة وتزداد الشُّقة، أو يقع لأهل العلم من تطاول السفهاء وعدوان الطائشين ما تنكشف به معادنهم، وتظهر به حقائقهم، حيث همهم العلم والفقه والدليل، أما السب والشتم والتنقص، فليسوا منه بسبيل.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 63-60

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://www.alsallabi.com/uploads/books/16527989340.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022