من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)
موقف يزيد من أحداث الكوفة
الحلقة: الخامسة والسبعون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020
لما تأكَّد ليزيد تصميم الحسين على الاستجابة لدعوة أهل الكوفة، كتب لابن عباس لأنه شيخ بني هاشم في عصره وعالم المسلمين قائلاً: ونحسب أن رجالاً أتوه من المشرق فمنّوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع وشائج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة . ثم كتب بهذه الأبيات إليه وإلى مكة والمدينة من قريش:
يا أيها الراكبُ الغادي لطيته
على عُذَاقِرةِ في سيرها قحم
أبلغْ قريشاً على نأيِ المزارِ بها
بيني وبين حسينِ اللهِ والرحم
إلى أن قال:
يا قومَنا لا تشبُّوا الحربَ إذ خمدتْ
وأمسكوا بحبَالِ السِّلم واعتصموا
لا تركبوا البغيَ إنَّ البغيَ مصرعةٌ
وإنَّ شاربَ كأسِ البغيِ يتَّخِمُ
فقد غرّت الحربُ من قد كان قبلكم
من القرون، وقد بادتْ بها الأممُ
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً
فربَّ ذي بذخٍ زلَّتْ به القدمُ
فكتب إليه ابن عباس: إني لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتطفأى بها الثائرة .
وفي تلك الأثناء كانت الأحداث تتسارع، وذلك بعدما أخذ الشيعة يختلفون على مسلم بن عقيل ويبايعونه، وعندما أحس النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة بخطورة الوضع قام فخطب في الناس وقال: اتقوا الله عباد الله، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة؛ فإن فيها يهلك الرجال، وتسفك الدماء، وتغصب الأموال وقال: إني لا أقتل من لم يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، لا أشاتمكم ولا أتحرش بكم، ولا اخذ بالقرف ولا الظنة والتهمة، ولكن إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل .
وأشارت سياسة النعمان بن بشير رضي الله عنه مع أنصار الحسين حفيظة الناصحين للأمويين، وأحد الموالين لهم في الكوفة وهو عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، حليف بني أمية، فقام إلى النعمان بن بشير وبيَّن له أن طريقته هذه إنما هي طريقة المستضعفين، وأنه يجب عليه أن ينهج سياسة البطش والقوة حيال المتربصين بأمن الكوفة، ولكن رد النعمان بن بشير رضي الله عنه كان واضحاً بأنه يراقب الله في سياسته .
ولم تعجب يزيد سياسة النعمان، فعزله من ولاية الكوفة وعين بدله عبيد الله بن زياد وكتب إليه: إن شيعتي من أهل الكوفة كتبوا إليّ يخبروني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام .
وغادر ابن زياد البصرة بعد أن اتخذ عدة احتياطات خوفاً من حدوث اضطرابات، وأناب عنه أخاه عثمان بن زياد على البصرة ، ثم خرج من البصرة ومعه وجوه أهل البصرة أمثال مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك بن الأعور الحارثي، وحشمه وأهل بيته . وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ودخلها متلثماً والناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينظرون قدومه، فظنوا حين قدم عبيد الله أنه الحسين بن علي، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحباً بك يا بن رسول الله، قدمت خير مقدم، فلما أكثروا عليه صاح فيهم مسلم بن عمرو وقال: تأخَّروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد، فلما نزل في القصر نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم ثم خطبهم ووعد من أطاع منهم خيراً، وتوعَّد من خالف وحاول الفتنة منهم شراً .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: