الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)

يزيد بن معاوية: اسمه ونسبه وكنيته ونشأته وزوجاته

الحلقة: السبعون

بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020


أولاً: اسمه ونسبه وكنيته:
هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي، يكنى (أبو خالد) وجدته من جهة أبيه: هند بنت عتبة بن ربيعة، أسلمت يوم الفتح، وكانت من أعقل النساء، حازمة شاعرة ذات نفس وأنفة ، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية شاعرة من شاعرات العرب، وكانت امرأة لبيبة وأبوها من أشراف قبيلة كلب .
ثانياً: ولادته ونشأتـه:
كانت ولادة يزيد بن معاوية في خلافة عثمان رضي الله عنه في سنة ست وعشرين ، وقيل: إن ولادته وولادة عبد الملك بن مروان في سنة واحدة سنة ست وعشرين من الهجرة ، نشأت والدته في البادية؛ حيث إن والدته طلقها أبوه فعاش مع أمه وأخواله وهم زعماء قبيلة كلب، فأثرت في طباعه تلك النشأة، فتراه يتميز بالفصاحة والخطابة والكرم، والشجاعة ، واستمر متعلقاً بالبادية، حتى إنها أثرت في لباسه وعدم التكلف في حياته، فقد تلقاه أهل الشام بعد موت أبيه عائداً من أخواله ليس له عمامة ولا سيف، فقال الناس: هذا الأعرابي الذي ولي أمر هذه الأمة ، واهتم به والده وعين له مؤدباً ليعلمه، وهو دغفل بن حنظلة السدوسي الشيبان ، وجعل معاوية ابنه يحضر في مجالسه ويستفيد من سياسته وتدبيره للملك ، واستفاد يزيد من عبيد بن شرية الجهرمي الذي استقدمه معاوية من صنعاء اليمن، وكان عالماً بأيام العرب وأحاديثها، وله كتاب الأمثال، وكتاب الملوك وأخبار الماضين، وقد تأثر يزيد من هذا الشيخ الحكيم الذي حنكته التجارب والسنون، وقد توفي عبيد بن شرية سنة 70 هـ، وأصبح يزيد يتحدث عن الأنساب تحدث الخبير ، قال الذهبي في ترجمة عبد الصمد بن علي الهاشمي: وكان في تعدُّد النسب نظير يزيد الخليفة.
وقد توفر ليزيد ما لم يتوفر لغيره؛ إضافة إلى أن أباه هو أحد الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم، وكاتب الوحي لرسول الله ﷺ، وقد روى عن أبيه أحاديث؛ منها: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» ، وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، وقال: له أحاديث ، وقد كان معاوية رضي الله عنه يحاول دوماً أن يوجه يزيد نحو الاستفادة من مجالس الوفود التي تفد عليه، فقد ذكر ابن المبارك أن معاوية قال لبعض رجالات الوفود: ما تعدون المروءة فيكم ؟ قالوا: العفاف في الدين، والإصلاح في المعيشة، فقال معاوية: اسمع يا يزيد ، فقد كان معاوية رضي الله عنه منذ أن استقر له الأمر في الشام شديد الاهتمام بتربية ولده، فأشركه منذ وقت مبكر في الصوائف وتحمل المسؤوليات .
وكان معاوية دائم الاتصال بمؤدِّبي ولده، كي يتعرف على ما أحرزه ابنه من تقدم، كما كان يسأل ابنه عن أحواله مع المؤدبين، فتشير إحدى الروايات إلى أن معاوية سأله في أحد الأيام قائلاً: أيضربك معلمك يا يزيد ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين قال: ولم؟ قال: لأنه استنَّ بسنة أمير المؤمنين بالعدل .
وعلاوة على ذلك فإننا نجد روايات أخرى تشير إلى أن بعض المناظرات الثقافية كانت تقع بين معاوية وولده، على الرغم من صغر سنه؛ مما يدل على مدى اهتمام أبيه به، فيروي ابن ظفر الصِّقلّي: أن معاوية بن أبي سفيان قال لابنه يزيد، وقد أتت عليه سبع سنين: يا بني في أي سورة أنت؟ فقال: في السورة التي تلي الأحقاف يا أمير المؤمنين. فقال: يا بني إن هذه السورة تليها سورتان وهي بينهما، ففي أيهما أنت؟ قال: في السورة التي في أولها:{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ } [سورة محمد:2] فتمثل معاوية بقول حذافةبن غانم العدوي حيث يقول:
ملوكٌ وأبناءُ الملوكِ وسادةٌ
تفلّقَ عنهم بيضةُ الطائرِ الصّقرِ

متى تلقَ منهم ناشئاً في شبابِهِ
تجدْه على أعراقِ والدِه يجري

فهم يغفرون الذَّنب ينْقَمُ مثلُه
وهم تركوا رأيَ السَّفاهة والهجرِ

وكان معاوية يوجه ابنه ويرشده وينصحه ويدله على الصواب ؛ فقد رأى ابنه يضرب غلاماً له، فقال له: سوأة لك، أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك؟ والله لقد منعتني القدرة من ذوى الإحن، وإنَّ أحقَّ من عفا لمن قدر ، وقد ثبت في الصحيح: أن رسول الله ﷺ رأى أبا مسعود يضرب غلاماً له، فقال له: «اعلم أبا مسعود للهُ أقدر عليك منك عليه» ، وذات يوم غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة؛ إن غضبوا فأَرْضِهم، وإن طلبوا فأعطهم، ولا تكن عليهم ثقلاً فيملّوا حياتك ويتمنَّوا موتك، فقال معاوية: لله درُّك يا أبا بحر، يا غلام ائت يزيد فأَقْرِئه مني السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بمائه ألف. فقال يزيد: من عند أمير المؤمنين؟ فقال: الأحنف. فقال: لا جرم لأُقاسمنه، فبعث إلى الأحنف بخمسين ألف وخمسين ثوباً .
وكان يزيد حاضر البديهة، قال العتبي: وقدم زياد بأموال عظيمة، وبسفط مملوءة جواهر على معاوية، فسرُّ بذلك معاوية، فقام زياد فصعد المنبر، ثم افتخر بما يفعله بأرض العراق من تمهيد الممالك لمعاوية، فقام يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عُبيد إلى حرب بن أمية. فقال له معاوية: اجلس فداك أبي وأمي.
وكان معاوية يربي يزيد على القيام بالواجبات الاجتماعية مع أعيان المجتمع، فعندما وفد عبد الله بن عباس إلى معاوية، أمر ابنه يزيد أن يأتيه فيعزيه في الحسن بن علي، فلمّا دخل على ابن عباس رحّب به وأكرمه وجلس بين يديه، فأراد ابن عباس أن يرفع مجلسه، فأبى وقال: إنما أجلس مجلس المُعزِّي لا المُهَنِّي، ثم ذكر الحسن فقال: رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها، وأعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وعوّضك من مُصابك ما هو خير لك ثواباً وخيرٌ عقبى. فلمّا نهض يزيد من عنده قال ابنُ عباس: إذا ذهب بنو حرب ذهب حلماء الناس. ثم أنشد متمثلاً:
مغَاضٍ عن العوراءِ لا ينطقونها
وأهلُ وِراثات الحلومِ الأوائلُ

وكان معاوية رضي الله عنه يختبر ابنه بين الفينة والأخرى؛ فذات يوم سأله: كيف تُراك فاعلاً إن وُلّيت؟ قال: يُمتعُ الله بك. قال: لتُخبرني، قال: كنت والله يا أبة عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب. فقال معاوية: سبحان الله، سبحان الله، والله يا بُنيَّ لقد جهدت على سيرة عثمان فما أطقتها .
ثالثاً: زوجاته وأولاده:
تزوج يزيد أم هاشم بنت أبي سفيان بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فأنجبت له:
لا معاوية بن يزيد: ويكنى أبا عبد الرحمن كما يعرف باسم أبي ليلى، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
إني أرى فِتنةً قدْ حانَ أوَّلُها
الملكُ بعدَ أبي ليلى لمن غَلَبَ

2 ـ خالد بن يزيد: ويكنى أبا هاشم، وقد انصرف إلى عمل الكيمياء.
3 ـ أبو سفيان بن يزيد.
وبعد وفاة يزيد تزوج أم هاشم مروان بن الحكم .
وتزوج أيضاً يزيد أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر، فأنجبت له عبد الله بن يزيد، ويعرف بلقب (الأسوار) . وكان من أرمى العرب، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
زعم الناسُ أنَّ خيرَ قريشٍ
كلِّهم حين يُذكرُ الأُسوارُ

وكان له عدد من الأولاد من أمهات أولاد كثيرة؛ ومن أبنائه هؤلاء: عبد الله الأصغر، وأبو بكر، وعمر، وعتبة، وعبد الرحمن، وحرب، والربيع، ومحمد ، ويبدو أن لمحمد هذا الأخير عقب لا يزال موجوداً حتى الان في شبه جزيرة العرب في المنطقة المعروفة باسم عسير، إذ فرّ أحد أحفاده إلى هذه البقعة عند قيام الدولة العباسية وملاحقة الأمويين، واستطاع بعد مدة من تأسيس إمارة بسطت نفوذها على المنطقة، واستمرت في أمرها حتى العصر الحديث، وكان منها آل عائض بن مرعي الذين كان لهم حكم المنطقة قبل سيطرة عبد العزيز آل سعود على أكثر الجزير


يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022