من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج1)
(موقف العلماء من ثورة ابن الأشعث)
الحلقة: 110
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1442 ه/ ديسمبر 2020
يختلف موقف العلماء من حركة ابن الأشعث اختلافاً كثيراً عن موقفهم تجاه الحركات الأخرى ضد الدولة الأموية، إذ شارك جمهور غفير من العلماء في حركة ابن الأشعث هذه، سواء بتحريض الناس على المشاركة فيها أو بمشاركتهم المباشرة في القتال مع ابن الأشعث ضد الحجّاج، وقد استفاضت المصادر المتقدمة في ذكر تأييد العلماء ومشاركتهم في هذه الحركة، كما اجتمعت على كثرة عدد العلماء المشاركين، ولكن على اختلاف بينهم في تقدير هذا العدد، فيذكر خليفة بن خياط: أن عددهم بلغ خمسمئة عالم، وعد منهم خمسة وعشرين عالماً ، ولعل من أسباب كثرة تلك الأعداد المذكورة إدخال غير العلماء فيها من أهل العبادة والصلاح وإن لم يشتهر عنهم العلم، حيث تردد إطلاق اسم القراء على هؤلاء المشاركين، ولعله يشمل العلماء وأهل الصلاح والزهادة والمشهورين بكثرة التعبد .
1 ـ من أشهر العلماء المشاركين في حركة ابن الأشعث:
وبتتبع كثير من المصادر أمكن حصر العديد من أسماء العلماء المشاركين في تلك الحركة؛ منهم:
أ ـ أنس بن مالك رضي الله عنه: العالم الجليل والصحابي الكريم، فقد كان ممن يؤلب على الحجّاج ويدعو إلى الانضمام إلى ابن الأشعث، ولكنه لم يشارك مشاركة فعالة في القتال لكبر سنه .
ب ـ ومنهم أبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربي: فقد شارك مع ابن الأشعث، وقيل: قتل يوم الزاوية .
جـ. وعبد الرحمن بن أبي ليلى: كان من كبار المشاركين في تلك الحركة، المحرضين
على القتال فيها، وتوفي بوقعة الجماجم؛ حيث اقتحم به فرسه الفرات فغرق ـ رحمه الله .
د ـ الإمام الشعبي: ولكن في مشاركته شيء من الإكراه؛ إذ لم يكن في بداية الأمر على قناعة بالمشاركة، حيث رُوي عنه أنه قال: فلم أزل عنده ـ أي الحجّاج ـ بأحسن منزلة حتى كان شأن ابن الأشعث، فأتاني أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم .
هـ. سعيد بن جبير: ممن شارك مع ابن الأشعث وكان يحضض على القتال، ونجا من القتل، وتوارى عن الحجّاج مدة، ولكن تمكن منه عندما قبض عليه والي مكة وأرسله إليه، فقتله الحجّاج سنة أربع وتسعين . وغير ذلك من العلماء.
وهذا يدل على أن حركة ابن الأشعث لقيت من الدعم والمشاركة من العلماء ما لم تلقه أية حركة قامت ضد الدولة الأموية. وقد كان لمشاركة العلماء في هذه الحركة ـ بهذا الحجم ـ أثر كبير على الحركة، فقد كانت مشاركتهم وراء انضمام كثير من الناس لتلك الحركة، ولا سيما أن بعض الفقهاء والقراء كانوا يسعون لإقناع أكبر عدد للانضمام إلى القتال خاصة من فئة العلماء ، كما كان للعلماء المشاركين أثر كبير في ميدان القتال، فكانت لهم كتيبة خاصة بهم تسمى كتيبة القراء ، وكان بعض العلماء يبعثون الحماس في أتباع ابن الأشعث بما يلقونه من خطب وما يصدرونه من نداءات أثناء القتال كان لها أثر في غرس الثقة في النفوس والثبات في مواطن اللقاء ، وقد لقي الحجّاج وجيشه عنتاً ومشقة من كتيبة القراء، فقد كان أصحابها يحملون حملة صادقة على جيش الحجّاج فما يعمد بها، ويضربون الكتائب حتى يفرقونها ، لذا عبأ الحجّاج لهذه الكتيبة ثلاث كتائب توقف زحفها والتقليل من خطرها عليه .
2 ـ أسباب مشاركة العلماء في ثورة ابن الأشعث:
انضم إلى حركة ابن الأشعث فئات وطوائف شتى، كل فئة مدفوعة بدوافع تسعى لتحقيقها من خلال المشاركة في هذه الحركة، فهناك دوافع إقليمية، ودوافع عرقية، وأخرى اجتماعية، ولم يكن شيء من هذه حرّك العلماء للمشاركة في هذه الفتنة، وإنما انطلقوا من دوافع دينية وشرعية بحسب ما وصل إليه اجتهادهم، وقد كان القاسم المشترك لكل هذه الدوافع: شخصية الحجّاج الظالمة، المتعسفة، الجائرة، والمتعطشة لسفك الدماء، ولذلك كان العلماء ينقمون على الحجّاج تعديه لبعض حدود الإسلام وانتهاكه لبعض حرماته، وكانوا ينقمون عليه سوء معاملته وسوء نظرته للعلماء.
أ ـ تعدي الحجّاج لبعض حدود الدين وانتهاكه لحرماته:
كان الحجّاج يملك جرأة عجيبة تعدَّى بها إلى غير مواضعها، مما أدَّى إلى إحداث شرخ كبير في جانب من حياته المتعددة الجوانب، فأسهم بذلك في تشويه صورته وصورة الحكم الأموي، وقد حرص بعض المولعين بشخصية الحجّاج على إخفاء هذا الجانب المشوه من حياته، والدراسة الواعية المنصفة تأبى هذا المنهج، وما من شك في أنه ورد الكثير من المبالغات عن انتهاكات الحجاج لحرمات الدين، وكثير منها لا يصح، ودخل الدس من أعداء الحجّاج وبني أمية في صياغة كثير من هذه المبالغات، لذا فقد استبعدت النقل والاعتماد في هذا الأمر على الكتب التي اشتهر عن أصحابها التهاون في إيراد الروايات دون تمحيص ولاسيما كتب الأدب، كالعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني للأصفهاني، أو كتب الفرق المغالية في عداوتها لبني أمية كالشيعة، وحاولت النقل والاعتماد على كتب السنة المشهورة بحفظ الأحاديث النبوية الشريفة، وما يخدمها من روايات، وكذلك على الكتب المعتبرة التي اشتهر عن أصحابها التحري والدقة كالذهبي في سيره وتاريخه .
ويأتي في مقدمة تجاوزات الحجّاج الشرعية إسرافه في القتل وأمره به بأدنى شبهة؛ حيث كان الحجّاج يرى وجوب الطاعة العمياء من الرعية له، وأن مخالفة أمره ـ في أي شأن كان، صغر أم كبر ـ تبرر له القتل، فقد روى أبو داود بسند صحيح عن عاصم قال: سمعت الحجّاج يقول: اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية، واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب اخر لحلَّت لي دماؤهم وأموالهم، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالاً .
وقال ابن كثير معلقاً على بعض تجاوزات الحجّاج مما يبين سبب استهانته بالقتل: .. فإن الحجّاج كان عثمانياً أموياً، يميل إليهم ميلاً عظيماً، ويرى أن خلافهم كفر، ويستحل بذلك الدماء، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم وقال في موضع اخر: أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل، بسبب هذا المعتقد الذي استقر في نفس الحجّاج استهان بالقتل واشتهر إسرافه فيه لمخالفي أوامره صغرت أم كبرت.
ومع ما ورد من مبالغات في الإحصاءات التي ذكرت عدد قتلى الحجّاج، فما من شك في تعديه الحدود المشروعة في القتل، ويؤيد ذلك ما صح عن المصطفى ﷺ بروايات متعددة تصف الحجّاج بأنه مبير، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت للحجّاج بعد قتله لابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أما إن رسول الله ﷺ حدثنا أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه .
وقد أنكر العلماء على الحجّاج هذا الإسراف في القتل، فروي عن الإمام عبد الرحمن بن أبي أنعم: أنه قال للحجّاج: لا تسرف في القتل إنه كان منصوراً، فقال الحجّاج: والله لقد هممت أن أروي الأرض من دمك. فقال: إن من في بطنها أكثر ممن في ظهرها . وكان جواب سعيد بن جبير للحجّاج عندما سأله عن رأيه فيه، فقال: نعم؛ ظَهَر منك جور في حد الله، وجرأة على معاصيه بقتلك أولياء الله .
ـ ومن التجاوزات التي كان العلماء ينكرونها على الحجّاج: تأخيره للصلاة عن وقتها، وتأخير الصلاة عن وقتها ليس خاصاً بالحجّاج بل كانت عادة عند بعض خلفاء بني أمية، وسار ولاتهم على نهجهم ولكن الذي يؤخذ على الحجّاج مع تأخيره الصلاة عدم قبوله تنبيه أحد من العلماء أو إبداء النصح منهم له في ذلك، وهذا مأخذ اخر أخذه العلماء على الحجّاج؛ وهو عدم قبوله لقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن ذلك أن الحجّاج أنكر يوماً أن يكون الحسين بن علي رضي الله عنهما من ذرية رسول الله ﷺ لأنه ابن ابنته، فقال له العالم الجليل يحيى بن يعمر: كذبت. فقال الحجّاج: لتأتني على ما قلت ببينة من كتاب الله أو لأضربن عنقك، فقال: قال الله: إلى قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ً وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} [الأنعام:ـ 85]. فعيسى من ذرية إبراهيم، وهو إنما ينسب إلى أمه مريم، والحسين ابن بنت رسول الله ﷺ، فقال الحجاج: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسي، قال: ما أخذ الله على الأنبياء: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾، فنفاه إلى خراسان .
ـ ومن تجاوزات الحجّاج الشرعية: تطاوله على أصحاب رسول الله ﷺ وسوء تعامله مع العلماء، ومرّ معنا معاملته القبيحة لابن عمر، وابن الزبير، والسيدة أسماء بنت الصديق رضي الله عنهم جميعاً، فمن ذلك تطاوله على عبد الله بن مسعود وهو متوفى رضي الله عنه؛ فقد قال: والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه . وفي أخرى أنه قال: ابن مسعود رأس المنافقين، لو أدركته لأسقيت الأرض من دمه . وقد علق الذهبي على أقوال الحجّاج في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: قاتل الله الحجّاج ما أجرأه على الله كيف يقول هذا في العبد الصالح عبد الله بن مسعود؟! .
ومن تطاوله على أصحاب رسول الله ﷺ وسوء أدبه معهم ما حدث منه لكل من أنس بن مالك ـ خادم رسول الله ﷺ ـ وجابر بن عبد الله وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهم، فقد ورد أنه ختم على كل واحد منهم بختمه المشهور «عتيق الحجّاج»: أنس وسهل في عنقيهما وجابر في يده ، أما فعله ذلك بأنس فلأنه بايع ابن الزبير وتولى له البصرة، ولأنه كان يحرص على المشاركة مع ابن الأشعث، لذا ناله ما ناله من أذى الحجّاج، ولم ينقذه من إهانة الحجّاج إلا تدخل الخليفة عبد الملك؛ حيث كتب كتاباً وبَّخ فيه الحجّاج على فعله بأنس وأمره بعدم التعرض له ، وأما سهل فقد ورد أن الحجّاج أرسل إليه يقول: ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟ قال: قد فعلت. قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه .
وهذه عقدة عند الحجّاج حيث كان متعصباً للأمويين أكثر من تعصبهم لأنفسهم؛ ففي الحين الذي نجد معاوية وعبد الملك توددوا لكثير من الرجال الذين وقفوا ضدهم مع علي أو مع ابن الزبير وعفوا عما سلف منهم واستلوا بذلك ضغائن نفوسهم؛ نجد الحجاج يخالف هذا المنهج السديد فيصر على محاسبة الرجال على ما سلف منهم أيام الفتن، فأوغر صدور الكثير عليه وعلى بني أمية بهذا المسلك .
وأذكر مثالاً يوضح الفرق بين نظرة عبد الملك ونظرة الحجّاج للرجال وطريقة التعامل معهم، فقد كان محمد ابن الحنفية ممن امتنع عن مبايعة عبد الملك أو ابن الزبير حتى يجتمع المسلمين على واحد منهما، فلما تمَّ قتل عبد الله بن الزبير بعث الحجّاج على الفور لابن الحنفية يسأله البيعة ويقول: قد قتل عدو الله، فقال ابن الحنفية: إذا بايع الناس بايعت. قال: والله لأقتلنك، ومع أن ابن الحنفية بايع لعبد الملك لما رأى اجتماع كلمة المسلمين عليه، إلا أن الحجّاج استمر في مضايقة ابن الحنفية، فلما قدم على عبد الملك أكرمه عبد الملك وقضى كل حوائجه، ثم اشتكى إليه سوء معاملة الحجّاج له، وكان حاضراً عند عبد الملك، فقال: إن هذا ـ يعني الحجّاج ـ قد اذاني واستخف بحقي، ولو كانت خمسة دراهم أرسل إليَّ فيها. فقال عبد الملك: لا إمرة لك عليه، وطلب منه أن يستل سخيمة ابن الحنفية ويترضاه .
ب ـ سوء معاملة الحجّاج ونظرته للعلماء:
وقد كان لتجاوزات الحجّاج وسوء تعامله مع أهل العلم والفضل في مكة والمدينة أثر في عزله عن الحجاز بعدما كثرت الشكوى منه عند عبد الملك، فلما تولى العراق استمر في سوء تعامله، فوجد كثير من العلماء المضايقة والشدة منه؛ فضرب بعض العلماء في ولايته، وسجن بعضهم ونفى بعضاً اخر، وقد يظن بعض الكتاب أن هذا الضرب والسجن بل والقتل للعلماء إنما حدث بعد فتنة ابن الأشعث فحسب، فيكون تعامل الحجّاج هذا جاء ردة فعل على مشاركة العلماء في هذه الحركة، ولكن الأمر على غير هذا الظن؛ فقد حدثت بعض تلك المضايقات والمعاملة السيئة قبل حركة ابن الأشعث، فمعاملته لابن عمر وجابر رضي الله عنهما كانت قبل ذلك؛ حيث توفيا قبل حركة ابن الأشعث .
وقد تعدت مضايقة الحجّاج للعلماء الذين لم يشاركوا في هذه الحركة، ومن عهد عنهم النهي عن الخروج على الولاة ولا يرون استخدام السيف لتغيير المنكر، ومن هؤلاء: الحسن البصري؛ فقد اشتهر عنه النهي عن حمل السيف ومقاومة ظلم الولاة به، وعندما أكره على المشاركة في القتال تخلَّص وهرب من الصف، ومع ذلك فقد كان الحجّاج يطلبه وحاول قتله مراراً ولكن الله يعصمه منه ، حتى اضطر الحسن أن يختفي عن الحجّاج في منزل بعض أصحابه، وهو أبو خليفة الحجّاج بن عتاب ، فكان أصحابه وطلابه يغشونه لمدارسته العلم والتلقي عنه في مكان تواريه.
ومن الذين لم يشاركوا في فتنة ابن الأشعث إبراهيم النخعي، ومع ذلك فقد عاش مدة مختفياً عن الحجّاج، والحجّاج يطلبه حتى كان لا يصلي جماعة مدة اختفائه مخافة من الحجّاج ، وكذلك شأن الإمام مجاهد بن جبر، فإنه كان ممن يطارده الخوف من ظلم الحجّاج حتى اضطر إلى التواري عنه .
ومن هذا العرض السابق يتضح مدى ما وصلت إليه تجاوزات الحجّاج الشرعية وطبيعة علاقته مع العلماء وعلاقة العلماء به، والجدير بالذكر أنه لم تصل علاقة العلماء بأي والٍ من ولاة الدولة الأموية في سوئها كما وصلت إليه علاقتهم مع الحجّاج، بل كانت علاقتهم مع ولاة الدولة في عمومها حسنة يعينونهم على الحق، ويجاهدون معهم، ويأمرونهم بالمعروف، ويبدون لهم النصح، فيسمع منهم في كثير من الأحيان .
ومن كل ما سبق يتضح أنه كان للحجّاج الأثر الكبير في مشاركة العلماء في حركة ابن الأشعث، بل وفي قيام تلك الحركة من وجهين:
الأول: أنه بأسلوب الشدة والقسوة أضرم نيران الحقد والكراهية في قلوب مختلف الفئات من الناس في العراق ـ بما فيهم العلماء ـ عليه وعلى بني أمية.
والوجه الاخر: أنه كان سبباً مباشراً لإعطاء ابن الأشعث الفرصة في القيام بتلك الثورة، حيث جنده بكل ما يملك من جنود وسلاح ومال، وهو يعلم ما بينهما من كره متبادل، وقد حُذِّر من ذلك الأسلوب المتعنت في التعامل مع ابن الأشعث وجنوده في رسائله التي تفوح بالحمق؛ حيث ملأها بالشتائم لابن الأشعث ولم يراعِ مصلحة الجنود كما لم يشعرهم بأهميتهم لديه، بل العكس في ذلك؛ كأنما أراد بتصرفه معهم التخلص من حياتهم، وهذا يمثل ما وصل إليه غرور الحجّاج بنفسه .
3 ـ معارضة بعض العلماء لثورة ابن الأشعث:
كان هنـاك عـدد من العلماء عارضوها أو اعتزلوها ولم يـروا المشاركـة فيها، ومن أبرز هؤلاء: أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي ، فهو من الذين لم يشاركوا في هذه الثورة، وأبو قلابة الجرمي، فلم يشارك، وكان يعتب على غيره ممن شارك ، ومنهم: إبراهيم النخعي، فلم يشارك وكان يعيب على سعيد بن جبير مشاركته فيها ، وقد قيل له: أين كنت يوم الزاوية؟ قال: في بيتي. قالوا: فأين كنت يوم الجماجم؟ قال: في بيتي. قالوا: فإن علقمة شهد صفين مع علي، فقال: بخ بخ، مَنْ لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله؟! .
وممن لم يشارك في حركة ابن الأشعث: أيوب السختياني، فروي عنه: أنه يقول في العلماء الذين خرجوا مع ابن الأشعث: لا أعلم أحداً منهم قتل إلا رغب له عن مصرعه، أو نجا إلا ندم على ما كان منه ، ومنهم: طلق بن حبيب، فكان معتزلاً الفتنة وكان يقول: اتقوها بالتقوى ، ومنهم: مطرف بن عبد الله بن الشخير؛ فقد امتنع عن المشاركة في هذه الفتنة، وحين جاءه ناس يدعونه للمشاركة امتنع، فلما أكثروا عليه قال: أرأيتم هذا الذي تدعوني إليه، هل يزيد على أن يكون جهاداً في سبيل الله؟ قالوا: لا. قال: فإني لا أخاطر بين هلكة أقع فيها وبين فضل أصيبه ، ومنهم مجاهد بن جبر؛ فإنه لم يشارك، وحين دعي للمشاركة قال لمن دعاه: عده باباً من أبواب الخير تخلفت عنه ، ومنهم: خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي ومحمد بن سيرين؛ فقد ورد ذكرهما مع الذين لم يشاركوا في فتنة ابن الأشعث .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: