الإثنين

1447-02-10

|

2025-8-4

تأملات في الآيات الكريمة: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (*) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (*) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 124

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1444ه / نوفبر 2022م

 

1. {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ } ]الشعراء:99 [:

أي: ما دعانا إلى الضلال إلا المجرمون العريقون بالإجرام والظلم والضلال(1). وقال الطبري: يعني بالمجرمين: إبليس وابن آدم الذي سن القتل(2).

2. {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ } ]الشعراء:100[:

الشفاعة هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرّة(3).والشفاعة الصحيحة يوم القيامة هي التي جمعت شروطها الثلاثة، وهي:

‌أ- رضى الله عن الشافع، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} ]طه:109[.

‌ب- رضي الله عن المشفوع له، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} ]الأنبياء:28[.

‌ج- إذن الله بالشفاعة، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ]البقرة:255[.

وقد جمع الله تعالى هذه الشروط الثلاثة في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} ]النجم:26[.

والشفاعات أنواع، منها شفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وله شفاعات متعددة يوم القيامة، كالشفاعة العظمى، واختصاصه باستفتاح باب الجنة، وشفاعته في رفع درجات أقوام من أهل الجنة فوق ما يقتضيه ثواب أعمالهم، وغير ذلك من الشفاعات، ومن الشفعاء غير النبي صلّى الله عليه وسلّم:

- شفاعة الملائكة.

- الأنبياء عليهم السلام والمؤمنون الصالحون.

- الشهداء.

- أولاد المؤمنين.

- القرآن الكريم.

وقد تعدّد الأسباب الجالبة للشفاعة والتي من أهمها: التوحيد وإخلاص العبادة لله(4).

3. {وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} ]الشعراء: 101[:

وُصف الصديق بالحميم: أي بالقريب الذي ينتفع بصداقته وقرابته في الدنيا، والصديق الحميم: يبادر لمساعدة صاحبه وقت الشدة، ووصف الصديق بالحميم؛ لأنَّ الصداقة وحدها في هذا الموقف لا تنفع، حيث إن كل إنسان مشغول بنفسه، فإذا لم تكن الصداقة داخلة في الحميمية، فلن يسأل صديق عن صديقه، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} ]عبس:34-37[(5).

وقال العلّامة أبو زهرة في قوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)}: الفاء فاء الإفصاح؛ لأنّها تفصح عن شرط مقدر، وتقدير القول: إذا كان الذين صاحبونا وشجعونا مجرمين، فما لنا من شفيع يشفع لنا، ويضم صوته إلى صوتنا، ولا صديق يتألم معنا، ويرفع عنا مقت ربّنا، أو يشاركنا فينقص منا ما يصيبنا من مقت وسوء عاقبة، ويتمنون نادمين، ولات حين مندم، وعُدد الشافعين لأنهم في الشّدّة يكونون كثيرين، وذكر الصديق منفرداً؛ لأن الصديق الحميم يكون قليلاً وليس كثيراً(6).

والصديق الحميم: الصديق هو فعيل من صدق الودّ، والحميم: الولي القريب الذي يخصّك أمره، ويخصّه أمرك، وحامة الرجل خاصته(7).

 

مراجع الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائة:

(1) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (6/171).

(2) تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (19/89).

(3) الإيمان باليوم الآخر، د. علي محمّد محمّد الصلّابيّ، دار المعرفة، بيروت، 1436ه، 2015م، ص145.

(4) من أراد التوسع، يرجى مراجعة كتابي: الإيمان باليوم الآخر، د. علي محمّد محمّد الصلّابيّ، ص146.

(5) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (17/10612).

(6) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (10/5374).

(7) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (تفسير ابن عطية)، (4/236).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022