تأملات في الآية الكريمة:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 126
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1444ه / نوفمبر 2022م
إنَّ الآية هي الأمر العجيب اللافت للنظر، وما كان ينبغي أن يمرَّ على العقول دون تأمل واعتبار {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}، رغم أن هذه الآيات ظاهرة واضحة، ومع ذلك كان أكثرهم غير مؤمنين(1).
واسم الإشارة في الآية إشارة إلى كلام إبراهيم - عليه السلام – وقصته، وما جاء فيها على لسان إبراهيم من بيان فضل الربوبية والإذعان لحقّها، وقد جاء في تفسير البيضاوي فيما ذكر من قصة إبراهيم في بيان معنى "الآية" لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويَعتبر، فإنّها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير، يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينية، والتنبيه على دلائلها، وحسن دعوته للقوم، وحسن مخالقته معهم، وكمال إشفاقه عليهم، وتصور الأمر في نفسه، وإطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وإيقاظا لهم؛ ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقبول (2).
وقال ابن عاشور ملخصاً لقصة إبراهيم - عليه السّلام - التي جاءت في سورة الشعراء: والخروج إلى تصوير هذه الأحوال شيء اقتضاه مقام الدعوة إلى الإيمان بالرغبة والرهبة؛ لأنّه ابتدأ الدعوة بإلقاء السؤال على قومه فيما يعبدون إيقاظاً لبصائرهم، ثم أعقب ذلك بإبطال الهبة أصنامهم، والاستدلال على عدم استئهالها الإلهية بدليل التأمل، وهو أنّها فاقدة السمع والبصر وعاجزة عن النفع والضرّ، ثم طال دليل التقليد الذي نحا إليه قومه لما عجزوا عن تأييد دينهم بالنظر.
فلما نهضت الحجة على بطلان إلهية أصنامهم، انتصب لبيان الإله الحقّ ربّ العالمين، الذي له صفات التصرف في الأجسام والأرواح، تصرف المنعم المتوحّد بشتّى التصرف إلى أن يأتي تصرفه بالإحياء المؤبد، وأنه الذي نطمع في تجاوزه عنه يوم البعث، فليعلموا أنهم إن استغفروا الله عما سلف منهم مِن كُفْر فإن الله يغفر لهم، وأنهم إن لم يقلعوا عن الشرك لا ينفعهم شيء يوم البعث، ثم صور لهم عاقبة حَالَي التقوى والغواية بذكر دار إجزاء الخير ودار إجزاء الشر.
ولما كان قومه مستمرين على الشرك، ولم يكن يومئذ أحد مؤمناً غيره وغير زوجه وغير لوط ابن أخيه كان المقام بذكر الترهيب أجدر، فلذلك أطنب في وصف حال الضالّين يوم البعث وسوءِ مصيرهم، حيث يندمون على ما فرطوا في الدنيا من الإيمان والطاعة، ويتمنون أن يعودوا إلى الدنيا؛ ليتداركوا الإيمان ولات ساعة مَندم(3).
مراجع الحلقة السادسة والعشرون بعد المائة:
(1) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (17/10615).
(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)،(4/143).
(3) تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، (19/150-151).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي