الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

تأملات في الآية الكريمة:

{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 204

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1444ه/ فبراير 2023م

 

هذه الآية الثالثة التي يذكر فيها اسم إبراهيم - عليه السّلام -، ففي الآية السابقة ثناء على إبراهيم، وفي سابقتها يبان لمجادلته في قوم لوط، وفي هذه أمر من الله لإبراهيم بالإعراض عن المجادلة في قوم لوط، فالنسق أوضح من أن يحتاج إلى بيان وجه الاتساق(1).

‌أ- {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}:

{يَا إِبْرَاهِيمُ}: اختصرت ألف يا النداء فكتبت بألف واحدة ووضعت همزة عوضاً عن الألف المحذوفة تحت الهمزة الموجودة، والرسم فيما أرى توقيفي، والنداء قد يكون من الملائكة له عليه الصلوات، وقد يكون من الله بلغه الملائكة ليبلغوه لإبراهيم، والنداء هنا مقصودة للتنبيه.

{أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}: دع عنك هذا واتركه، وابتعد عنه، ولا تقل في هذا الموضوع شيئاً، وهذا اسم إشارة للقريب، فالموضوع حاضر وهو يشير إلى توسطه لقوم لوط(2).

‌ب- {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ}:

{إِنَّهُ} للتوكيد والضمير اسمها، {قَدْ} للتحقيق وقد دخلت على الماضي، {جَاءَ} بمعنى حلّ وحصل ووصل، {أَمْرُ رَبِّكَ} حكمه وقضاؤه بهلاك هؤلاء المجرمين أو الأمر قد صدر بإهلاكهم، وهذا وقت التنفيذ وأضيف الأمر إلى لفظ الربِّ مضافاً بدوره إلى كاف الخطاب، أما الإضافة إلى كاف الخطاب فتلطف بالمخاطب وأما إضافة الأمر إلى لفظ الربّ فلتفخيمه وتعظيمه(3).

‌ج- {وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}:

{وَإِنَّهُمْ }: الواو للعطف، وإن للتوكيد، واسمها الضمير المتصل بها، وهو عائد إلى المذكورين في السياق وهم قوم لوط، {آَتِيهِمْ}: نازل بهم وواقع عليهم، {عَذَابٌ}: نكّر لفظ عذاب للتفخيم والتكبير والتكثير والتهويل، {غَيْرُ مَرْدُودٍ}: غير مدفوع ولا مرفوع ولا يرده رادّ ولا يصده صادّ، ولا يمنعه مانع ولا يرجعه أحد؛ لأن أمر الله لا يدافع(4).

قال الشنقيطي: هذا العذاب الذي صرح هنا بأنه آت قوم لوط لا محالة، وأنه لا مردّ له؛ بيّنه في مواضع متعددة؛ كقوله في هذه السورة الكريمة: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} ]هود:82-83[، وقوله في سورة الحجر: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} ]الحجر:74-75[، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} ]الفرقان:40[، وقوله: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)} ]الشعراء:172-173[، وقوله: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)} ]الذاريات:33-34[ إلى غير ذلك من الآيات(5).

• الدروس والفوائد في الآية الكريمة:

- لطف الربِّ الكريم برسله الكرام.

- أمر الله إذا حل لا يردّه أحده.

- وعذاب الله لا يدفع عن القوم المجرمين دافع.

- الله تعالى يحلم ويرخي العنان للناس علّهم يؤوبون لرشدهم، فإذا تمادوا أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

- الله سبحانه لا يحابي أحداً فخطابه لرسله يدل على التربية الربانية والتأديب الإلهي { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ} و {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ}(6).

 

مراجع الحلقة الرابعة بعد المائتين:

(1) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص278.

(2) المرجع السابق، (1/279).

(3) المرجع نفسه، (1/279).

(4) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص279.

(5) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، (3/32).

(6) تفسير سورة هود، أحمد نوفل، ص280.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022