تأملات في الآية الكريمة:
{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 206
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1444ه/ فبراير 2023م
أ- {إِذْ}:
ظرف لما مضى من الزمان ومن شأنه أن يستحضر لحظة معينة أو مشهداً معيناً من شريط طويل للأحداث فهو - أي الظرف "إذ"- يوقفك عند المطلوب من هذا الشريط الطويل ومن المشاهد المتعددة.
ب- {دَخَلُوا عَلَيْهِ}:
أول دخولهم على إبراهيم دون سابق إعلام والضمير في عليه عائد إليه سبحانه، فالحديث عنه منذ الآية السابقة.
ج- {فَقَالُوا سَلَامًا}:
فقال الملائكة ولم يحدد النصّ الكريم عددهم، وكلمة ضيف في الآية السابقة تحتمل الإفراد والجمع، وإن كان قوله: {دَخَلُوا} يفيد الجمع ولا يعينه تماماً، فقد تكون للتعظيم مثلاً، و{سَلَامًا}: تسلم عليك سلاماً(1).
د- {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}:
أي فزعون خائفون ولا تظنن أن إبراهيم - عليه السّلام - واجههم بهذا عندما دخلوا عليه، فقد كان - عليه السّلام - كريماً، ويحب أن يغشاه الضيوف دائماً في بيته، وإنما قال ذلك في نفسه بعد أن قدّم لهم الطعام ولم تمتد أيديهم إليه؛ لأنَّ أجسام الملائكة نورانية، فهم لا يأكلون ولا يشربون، ولا يحتاجون إلى ما يحتاج إليه الإنسان المخلوق من تراب الأرض والذي يتغذى بما تخرجه له الأرض(2).
ولم يسجل النصّ الكريم هنا ردّ إبراهيم - عليه السّلام -؛ اكتفاءً بما ذكر في غير موضع، فكل موضع يعرض طرفاً مختلفاً وجزءاً متماً من القصة والمشاهد تتكامل(3).
ففي سورة هود ردّ عليهم بقوله تعالى: {قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} ]هود:69[، وفي سورة الذاريات: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)} ]الذاريات:25-26[، قال الدكتور أحمد نوفل: فلا يتخيل ولا يعقل أن يرد التحية بالقول: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ}، ولا أتصور أن هذا الكلام المصرح به والملفوظ ولكنه من الكلام النفسي الملحوظ على الملامح والسمات والقسمات وكم عبر القرآن بــــ {قَالَ} أو قالوا وقصد الكلام النفسي ومن ذلك: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} ]يوسف:77[.
وخلاصة القول: هذا فيما أرى من الكلام النفسي، قرأه الملائكة على صفحة وجه الشريف وملامحه الكريمة عليه الصلوات والسّلام(4).
• الدروس والفوائد في الآية الكريمة:
- الكلام النفسي يُعبر عنه بـــ {قَالَ}؛ لشدة ظهوره ووضوحه على الملامح، فكأن لسان الحال ولسان المقال شيء واحد.
- الأنبياء الكرام يعتريهم ما يعتري البشر من الحذر والوجل والخوف والحزن والضيق.. ولكن بمقادير مختلفة.
- قد يحذف القرآن ما ذكره في مكان اعتماداً على ما ذكره في مواضع أخرى وإحالة عليه، كرد إبراهيم عليه السّلام تحية الملائكة.
- الرسل لا يعلمون الغيب ولا ما وراء الأشياء، إلا إذا علمهم مولاهم، أو جاءهم العلم من مصدر(5).
مراجع الحلقة السادسة بعد المائتين:
(1) تفسير سورة الحجر، أحمد نوفل، ص281.
(2) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (4/388).
(3) تفسير سورة الحجر، أحمد نوفل، ص281.
(4) تفسير سورة الحجر، أحمد نوفل، ص281.
(5) المرجع نفسه، ص284.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي