(يوشع بن نون ودخول الأرض المقدسة)
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة (6)
كان يوشع بن نون من قادة الجيل الجديد الذي اهتم موسى (عليه السلام) بتربيته وإعداده، وتحصل يوشع بن نون من موسى (عليه السلام) على رعاية خاصة، ولازمه في الحضر والسفر والحل والترحال، وتميّز بين أقرانه بالعلم والأخلاق، والتمسك بشرع الله عز وجل، وبعد وفاة موسى (عليه السلام) تولّى قيادة بني إسرائيل يوشع بن نون، وكان من صالحيهم، وقد اختلف العلماء في نبوة يوشع بن نون؛ فذهب بعضهم إلى أنه نبي، وتوقف آخرون في القول بنبوته، لعدم وجود حديث صريح بذلك. وأما أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فيعتقدون أنه نبي واسمه عندهم (يشوع) وله سِفْر خاص وهو السفر السادس من أسفار العهد القديم، الذي يسمونه (سفر يشوع).
يوشع بن نون المجاهد الصالح:
دخل يوشع بن نون ببني إسرائيل الأرض المقدسة، وكانوا مؤمنين صالحين معه، وكان هو رجلاً مؤمناً صالحاً، ومجاهداً شجاعاً. إن يوشع بن نون الرجل الصالح مثال للقائد الشجاع، والمؤمن المجاهد، القوي العادل، وكان جهاده للكفار في الأرض المقدسة جهاداً إيمانياً، قائماً على العد ونصر الحق. وقد صورتِ الإسرائيلياتُ يوشعَ بأنه سفاك الدماء، الذي كان يُبِيد كلَّ ما يجده أمامه من مدن وقرى الأرض المقدسة إبادة؛ يُبيد كل الرجال والنساء والأطفال، ويُبيد المواشي والحيوانات. و(سفر يشوع) هو السفر السادس من أسفار العهد القديم، ويستحق أن يُسمّى (سفر المذابح والمجازر)، وقد وضعه وكتبه أحبار اليهود الكاذبون الإرهابيون، ونسبوا إلى يوشع -أو يشوع- تلك المذابح والمجازر.
و(سفر يشوع) من المواد الأساسية في التربية اليهودية، ويُربي اليهود أولادهم عليه ويُلقنونهم إياه، ويدعونهم للاقتداء بيشوع في التعامل مع خصومهم؛ وما مذابح اليهود المعاصرة ضد أهل فلسطين والعرب إلا نتاج التربية اليهودية على سفر يشوع الإرهابي!!
أما يوشع بن نون -زعيم الجيل الجديد بعد موسى (عليه السلام)- فإنه بريء من كل ما ألصقه به أحبار اليهود من مذابح ومجازر، فما كان إلا مؤمناً صالحاً ومجاهداً شجاعاً، وكانت فتوحاته في الأرض المقدسة نشراً للحق، ومحاربة للباطل، وكان يتعامل مع الآخرين وفق أحكام شريعة الله. ولم يفتح يوشع كل مدن وقرى الأرض المقدسة وإنما افتتح بعضها، ورتب إقامة بني إسرائيل فيها.
ويرى الأستاذ محمد علي دولة -رحمه الله- وهو ممن يرى أن يوشع بن نون نبي، بأن بني إسرائيل بعد دخولهم الأرض المقدسة كانت تساس من الأنبياء -ابتداءً من النبي يوشع وحتى النبي صمويل الذي أقام لهم أول ملك، تلبية لرغبتهم وهو الملك (طالوت) الذي تسميه أسفارهم (شاؤول). ولقد بقي هذا الجيل الذي قاده يوشع بن نون إلى الفتح على جادة الاستقامة، متمسكاً بأحكام التوراة وهدي الأنبياء مدة بقاء يوشع فيهم، وهي ست وعشرون سنة، وبعد أن انتقل يوشع هو وجيل الكبار الذين كانوا معه إلى جوار ربهم بدأ الانحراف السريع في سلوك القوم، وهانت عليهم الذنوب فاقترفوا صغارها، ثم تجرؤوا على كبارها، وهكذا عمّ الفساد معظم جنبات هذا المجتمع الذي رُبّي على أعين الأنبياء؛ ليقوم بمهمة التبشير بدين الله، وانتشر في بني إسرائيل العُلو والكبرياء، وكثرت الإساءات للأقوام الذين فتحوا بلادهم، والذين أوصت التوراة بحسن معاملتهم والإحسان إليهم.
ويصف صاحب قصة الحضارة ما فعله بنو إسرائيل بالكنعانيين قائلاً: كانت هزيمة العبرانيين للكنعانيين مثلاً واضحاً لانقضاض جموع جياع على جماعة مستقرين آمنين، وقد قتل العبرانيون مِن الكنعانيين أكثر مَن استطاعوا قتلهم، وسبوا ما بقي من نسائهم، وجرت دماء القتلى أنهاراً، وكان هذا الفعل -كما تقول نصوص الكتاب المقدس- فريضة الشريعة التي أمر بها رب موسى وزكاة للرب!!
ولما استولوا على إحدى المدن، قتلوا من أهلها اثني عشر ألفاً، وأحرقوا وصلبوا حاكمها... ولسنا نعرف من تاريخ الحروب مثل هذا الإسراف في القتل والاستمتاع به. وطبّق يوشع قانون الطبيعة الذي يقول: إن أكثر الناس قتلاً هو الذي يبقى حياً، وبهذه الطريقة التي لا أثر فيها للعواطف استولى اليهود على الأرض الموعودة.
وقد علق الدكتور الخالدي -رحمه الله- على (سفر يوشع) وما نسب إليه من الفظائع، وبيَّن بطلان ما نسبوه ليوشع بن نون (عليه السلام). ويبدو أن صاحب قصة الحضارة (ول ديورانت) وقع في المحظور في نسبه الأكاذيب والأباطيل إلى يوشع بن نون.
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 43-48.
- صلاح الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، ص (3/362-366).
- محمد علي دولة، كلام في اليهود .. مجموعة مقالات في اليهود وفي دولتهم المعاصرة، دمشق، دار القلم، ط1، 2013م، ص 46.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: