الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
وفاة أسامة بن منقذ:
الحلقة: الحادية و التسعون    
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020


توفي عام 584 هـ الأمير الكبير العلاَّمة ، فارس الشام ، مجد الدين مؤيِّد الدولة أبو المظفر أسامة ابن الأمير مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكنانِيُّ الشَّيْزَرِيُّ. قال الذهبي: عاش سبعاً وتسعين سنة ، ومات بدمشق في رمضان سنة 584 هـ وله أشعار في مدح السُّلطان صلاح الدين ، منها قوله:
والنَّاصر الملكُ المتوَّج ناصري
        وعُلاه قد خطَّت كتابَ أماني

قد كنتُ أرهب صَرْفَ دهري قبله
        فأعاد صَرْفَ الدَّهرِ من أعواني

أنا جاره ويَدُ الخُطوبِ قصيرةٌ
        عَنْ أنْ تنالَ مُجَاوِرَ السُّلطان

ملك يمنُّ على أسارى سبيهِ
        فيعيدُهم في الأسر بالإحْسَان

خَضَعَتْ له صِيْدُ الملوك فَمِنْ بُرَى
        أقلامه غُرَرٌ على التِّيجان

مَلأَ القلوبَ محبَّةً ومهابةً
        فَخَلَتْ من البغضاء والشَّنان

لي منه إكرام عَلَوْتُ به على
        زُهر النُّجوم.. ونائلٍ أغناني

قرن الكرامة بالنَّوال موالياً
         فَعَجِزْتُ عن إحصاء ما أولاني

فَنَداه أخلفَ ما مضى مِنْ ثروتي
        وبقاؤه عَنْ أُسرتي أسلاني

فلأهدينَّ إلى علاه مدائحاً
         تبقى على الأحقاب والأزْمَان

مِداحاً أفوق بها زهيراً مثلما
        فاق المليكُ النَّاصر ابنَ سنان

يا ناصرَ الإسلام حين تخاذلتْ
        الملوكُ ومظهرَ الإيمان

بكَ قد أعزَّ الله حِزْبَ جنودِه
        وأذلَّ حزبَ الكفرِ والطُّغيان

لمَّا رأيتَ النَّاس قد أغواهم
        الشَّيطان بالإلحاد والعِصْيان

جَرَّدتَ سيفَك في العِدا لا رغبةً
        في المُلْك بل في طاعة الرَّحمن

فضربتهم ضْربَ الغرائب واضعاً
        بالسَّيف ما رفعوا مِنَ الصُّلبان

وغَضِبْتَ لله الذي أعطاك
        فصل الحكم غَضْبَةَ ثائرٍ حرَّان

فقتلت مَنْ صَدقَ الوغى ووسمت
        مَنْ نجَّى الفِرارُ بِذِلَّةٍ وهوان

وبذلت أموال الخزائن بعدما
        هرمت وراء خواتم الخُزَّان

في جمع كلِّ مجاهدٍ ومجالدٍ
        ومبارزٍ ومنازلِ الأقران

مِنْ كلِّ مَنْ يَرِدُ الحروب بأبيض
        عضبِ ويَصْدُرُ وهو أَحْمَرُ قانِ

ويخوضُ نيرانَ الوغى وكأنَّه
        ظمانُ خاض موارد الغُدران

قوم إذا شهدوا الوغى قال الوَرى
        ماذا أتى بالأسد من خَفَّان

لو أنهم صدعوا الجبال لزعزعوا
        أركانها بالبيض والخرصان

فهُم الذَّخيرةُ للوقائع بالعدا
        وَلِفَتْحِ ما استعصى مِنَ البُلدان

والسَّعد بشهر الصَّوم فهو مُبَشِّرٌ
        لعلاكَ بالتَّأييد والغُفران

في دولةٍ عمَّتْ بنائلها الوَرى
        فدعا لها بالخُلْد كلُّ لِسان

وقال أيضاً في صلاح الدين:
حَمَدْتُ على طول عُمْرِي المشيبا
لأني حَيِيْتُ إلى أنْ لَقِيْتُ
        وإنْ كنتُ أكثرتُ فيه الذُّنوبا
بعد العدوِّ صديقاً حَبيبا

وقال أيضاً في صلاح الدين:
سَمِعَتْ صروفُ الدَّهر قولَ العاتبِ
وتجافَتِ الأيَّامُ عن مطلوبه
        وتجنَّبَتْ حرْبَ المليكِ الحاربِ
ومراده أَكْرِمْ به مِنْ طَالب

هُوَ مَنْ عرفن فلو عصاه نهارُه
وإذا سطا أضحتْ قلوبُ عُداته
من ذا يناوي النَّاصرَ الملك الَّذي
وإذا سرى خِلْتَ البسيطة لُجَّةً
ملكَ القلوبَ محبَّةً ومهابةً
        لرماه نَقْعُ جيوشِه بِغَيَاهِب
تُلوى كمحراقٍ بكفَّيْ لاعب
في كفِّه بحرا ردى ومواهب
أمواجُها بَيْضٌ وَبِيْضُ قواضب
فاقتادها طَوْعَاً بهيبة غاضِب

 وكتب إلى الملك الناصر صلاح الدين بعد مصاف عسقلان سنة 583 هـ:
تهنَّ يا أطول الملوك يدا
أجراً وذكراً من ذلك الشُّكر
لا تستقلَّ الَّذي صنَعْتَ فقد
وَحَبَسْتَ أرض العدا وأفْنَيْتَ من
وما رأينا غزا الفرنجَ من
فسر إلى الشَّام فالملائكة
فهو فقيرٌ إليك يأمل أن
والله يعطيك فيه عاقبةَ
فما حَبَاك الوَرى وأَلْهَمَكَ
        في بَسْطِ عدلٍ وسَطْوةٍ ونَدَى
في الدُّنيا ومن ذلك الجِنَانُ غدا
قُمْتَ بفرض الجهاد مجتهداً
أبطالهم ما يجاوز العددا
الملوكِ في عُقْرِ دارهم أحدا
الأبرارُ تلقاك ملتقىً حُمِدا
تُصْلِح بالعدل منه ما فَسَدا
النَّصر كما في كتابه وعدا
العَدْلَ وأعطاك ما مَلَكْتَ سُدى

 وله من قصيدة يمدح صلاح الدين:
فما أنت إلا الشَّمس لولاك لم تَزَلْ
وكان بها طغيان فرعون لم يزل
فبصَّرْتَهُم بعد الغِواية والعَمَى
        على مِصْرَ ظلماءُ الضَّلالة سَرْمدا
كما كان لما أن طغا وتَمَرَّدا
وأرْشَدتَهُمْ تحت الضَّلال إلى الهدى

 ومن قصيدة يمدح الملك الناصر صلاح الدين:
قُلْ للملوك تَزَحْزَحُوا عن ذِرْوَةِ
يُعطي الألوفَ ويلتقيها باسماً
        العَلْيَاءِ لِلْمَلكِ الهُمَام النَّاصر
طَلْق المحيَّا في القَنَا المُتَشاجِر 

وأسامة بن منقذ من المعمرين ، عاش عمراً مديداً حافلاً بالمكارم ، والماثر ، والرَّزايا ، والخطوب، فقد شهد الحملات الصَّليبية على بلاد الشام ، وشارك في حركة الجهاد ، والاستشهاد من أجل تحرير أراضي المسلمين من غزاة الغرب في شيزر ، وما حولها ، وتحت لواء الزَّنكيين ، وساهم في الحياة السياسية أيَّام السلم ، والحرب على حدٍّ سواء إبَّان العهد الزِّنكي، وفي أواخر العهد الفاطمي؛ الذي انهارت قواعده على يد النَّاصر صلاح الدين ، فجمع مصر ، والشام في ظلِّ دولةٍ واحدةٍ تمهيداً لتحرير القدس من غاصبيها ، وقد تمَّ ذلك بحمد الله. وبموت أسامة بن منقذ طويت اخر صفحة من صفحات تاريخ ال منقذ في بلاد الشام. وصفه ابن العديم بأنَّه من الأمراء الفضلاء ، والأدباء الشعراء الشُّجعان الفرسان له مصنَّفات عديدة ، ومجاميع مفيدة ، ومواقف مشهورة ، ووقائع مذكورة ، وفضائل مسطورة. وقال ابن تغري بردي: كانت له اليد الطولى في الأدب ، والكتابة ، والشعر ، وكان فارساً عاقلاً مدبِّراً ، يحفظ عشرين ألف بيت من شعر الجاهليَّة.
 

يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022