في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
من قصائد الشعراء في فتح القدس:
الحلقة: التاسعة و الثمانون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020
على مثل هذا الغايات الجميلة تُوقف القصائد ، وفي دوحة الفتح الأعظم.
ويُذكر: أنَّ شاباً مسلماً كان مأسوراً في بيت المقدس ـ وهو من أهل دمشق ـ كتب إلى صلاح الدين أبياتاً يدعوه فيها إلى تحرير بيت المقدس ، يقول فيها:
يا أيها الملك الَّذي
جاءتْ إليكَ ظلامةٌ
كلُّ المساحد طُهِّرتْ
لمعالم الصُّلبانِ نَكَّس
تسعى من البيت المقدَّس
وأنا على شرفي مُنَجَّس
1 ـ قال الشاعر الجلياني:
أبا المُظفَّر أنت المجتبى لهدى
فلو راك وقد حُزْت العُلا عمرٌ
وراك وأهل القدس في وَلهٍ
غداة جزُّوا النَّواصي في قُمامته
دارت بكَ المِلَّة الحسن فنحن على
وأنت كاسْمِك صِدِّيقٌ وصاحبُه
وفي السُّلالة عثمانٌ يؤيِّده
وكم لديك ذوي قربى رقوا
يُشْبِهُ القُبْجُ ما بين البُزاة لقَى
أما رأيت معالي يوسفَ نُسِّقَتْ
أضحى لنشر الهُدى في فتح منهجه
واستقبح الرِّجْس مَنْ منَّوا بمشهده
لكنَّ بأس صلاح الدين أَذْهَلَهُم
أُخرى الزَّمان على حُبْرٍ بِخُبْرَتِهِ
في قُلَّة التَّلِّ قَضَّى كُنْه عَبْرتِهِ
أبو عبيدة فدَّى مِنْ مَسَرتّه
وأعولوا بالتباكي حول صَخْرَتِهِ
عهد الصَّحابة في استمرار مرَّته
الملك المظفَّر سامٍ في مَبَرَّتِهِ
عُلا عليٍّ على إيثار نُصْرَتِه
وكم بعديٍ رأى الزُّلفى بهجْرَتِهِ
مَلْكَ الفرن أخيذاً بين عِتْرَتِهِ
حتَّى رمَتْ كلَّ ذي مُلْكٍ بِحَسْرَتِهِ
وبات يطوي العِدَى في سَدِّ ثُغْرتِهِ
فاستفتح القُدس محشواً بزُمرته
بوقعة التَّلِّ واستشرى بَسوْرَتِهِ
تعيا الجوارحُ والفُرسانُ وهو على
يا فاتح المسجد الأقصى على بُهَمٍ
أبشر بملك كظهر الشَّمس مُطَّلع
حتى يكون لهذا الدِّين ملحمةٌ
بَدْءِ النشاط عشِيَّاً مثل بُكْرَتِهِ
وقانص الجيش لا يُحصى بقفزته
على البسيطة فتَّاح بشرته
تحكي النُّبُوَّةَ في أيام فَتْرَتِهِ
2ـ أبو علي الحسن بن علي الجُويني في فتح القدس:
جُنْدُ السَّماء لهذا الملك أعوان
متى رأى النَّاس ما نحكيه في زمنٍ
هذي الفتوح فتوحُ الأنبياء وما
أضحتْ ملوك الفِرَنْج الصِّيْد في يده
كم من فُحول ملوك غُودروا وهُمُ
هذا وكم ملك مِنْ بعده نظر إلى
تسعون عاماً بلاد الله تصرخ
فالان لبَّى صلاحُ الدِّين دَعْوَتَهُمْ
للنَّاصر ادُّخرت هذي الفتوحُ وما
حباه ذو العرش بالنَّصر العزيزِ
في نصف شهرٍ غدا للشِّرْكِ مصطلماً
فأين مَسلمةٌ عنها وإخوتُه
وَعدِّ عمَّا سواه فالفرنجة لم
لو أنَّ ذا الفتح في عصر النَّبيِّ لقد
يا قُبْحَ أوجه عُبَّادِ الصَّليب وقد
خَزَنْتَ عِنْد إلهِ العرشِ سائرَ ما
فالله يُبقيك للإسلام تحرسُه
وهذه سنةٌ أكْرِمْ بهذا سنةً
يا جامعاً كِلْمَةَ الإيمان وقامع مَنْ
إذا طوى الله ديوان العباد فما
مَنْ شكَّ فيهم فهذا الفتحُ برهان
وقد مضت قبلُ أزمانٌ وأزمانُ
لها سِوى الشُّكرِ بالأفعال أثمانُ
صَيْداً وما ضعُفوا يوماً وما هانُوا
خوف الفِرَنْجَة ولدانٌ ونسوان
الإسلام يُطوى ويُحوى وهو سكران
والإسلام نُصَّارُه صُمٌّ وعُميان
بأمرِ مَنْ هو للِمعوانِ معوانُ
سمت لها هِمَمُ الأملاك مُذ كانوا
فقال النَّاس داودُ هذا أم سليمانُ
فَطُهِّرَتْ منه أقطارٌ وبُلدانُ
بل أين والدُهم بل أين مروانُ
يَبُذَّهم من ملوك الأرض إنسانُ
تنزلت فيه اياتٌ وقرانُ
غدا يُبرقعها شؤمٌ وخذلان
ملكتهُ وملوكُ الأرضِ خُزَّانُ
من أن يُضام ويُلفى وهو حيران
فالكفر في سِنَةٍ والنَّصر يقظانُ
معبودُه دون ربِّ العَرْش صُلْبَان
يُطْوَى لأجر صلاح الدِّين ديوانُ
3ـ وقال الشاعر نقيب الأشراف بالدِّيار المصرية النَّسَّابة الجوَّاني:
أتُرى منام بعيـني أُبْصِرُ
وقمامةٌ قُمَّت من الرِّجس الَّذي
ومليكهم في القَيْد مصفودٌ ولم
قد جاء نصرُ الله والفتحُ الَّذي
فُتِحَ الشَّام وطُهِّرَ القدسُ الذي
مَنْ كان هذا فَتْحُه لمحمَّد
يا يوسف الصِّدِّيق أنت لفتحها
ولأنت عثمانُ الشَّريعة بعده
ملكٌ غدا الإسلام مِنْ عجبٍ به
نثرٌ ونظمٌ طَعْنُهُ وضِرابه
حيث الرِّقاب خواضعٌ حيث
غاراتُه جُمَعٌ فإن خَطَبَتْ له
إذ لا ترى إلا طُلَىً بسنابكٍ
تمشـي علــــى جُثَــثِ العِــــدَى عرجـا القدُسُ يـفُــتَحُ والفِرَنْجَــةُ تُكُسَرُ
بزواله وزوالها يُتَطَهَّرُ
يُرَ قَبْل ذاك لهم مليكٌ يُؤسَرُ
وُعِدَ الرَّسولُ فسبِّحوا واستغفروا
هو في القيامة للأنام المحشرُ
مٍاذا يقال له وماذا يُذكر
فاروقُها عُمُرُ الإمامُ الأطْهَرُ
ولأنت في نصر النُّبُوَّة حَيْدَرُ
يختال والدُّنيا به تَتَبَخْتَرُ
فالرُّمحُ ينَظُمُ والمهنَّد يَنْثُرُ
العيون خواشعٌ حيث الجباه تُعَفَّرُ
فيها السُّيوف فكلُّ هامٍ مِنْبَرُ
تُحدى نعالاً أو دماءً تُهدرُ
ولا عَـرج بهـا لكنَّهـا تَتَعَثَّرُ
4 ـ وقال أبو الحسن علي بن محمد السَّاعاتي:
عصفت به ريحُ الخطوب زعازعاً
هو منقذ البيت المقدَّس بعدما
بيتٌ تأسَّسَ بالسُّكون وإنما
أمُشَتِّتَ الأعداء وهي جحافلٌ
أُوتيت عزماً في الحروب مسدَّداً
أحسنت بالبيت العتيق ويثرب
هذي سيوفُك محرَّماتٌ دونه
فلقين طوداً لا تخفُّ أناتُه
طالتْ فما وجد الشِّفاءَ شُكاتُه
عند الزحافِ تحركتْ سكناته
عن شَمْلِ دِيْنٍ جُمِّعَتْ أشتاتُه
لازيغُه يُخشى ولا هَفَواته
ولك الفِعال كثيرة حسناته
لِبُكَائِهِنَّ تَبَسَّمتْ حُجُراتُهُ
5 ـ وقال نجم الدِّين يوسف بن الحسين بن المجاور قصيدة:
الوقتُ أضيق من سماع قصيدةٍ
الجدُّ في هذا الزَّمان مُبينٌ
بالناصر المهديِّ والهادي إلى
المستعين بِربِّه والواثق
موسومةٍ بصفات أغيدَ أهيفِ
والهَزْلُ فيه مع الغِوايةِ مُختفِ
سُبُل الجهاد أبي المظفَّر يُوسُف
المنصور والمستظهر البرُّ الوفي
شُدْت قوى أركان مِلَّةَ أحمد
ملكٌ إذا أمَّ الملوكَ جنابَه
وإذا أتَوا أسرى إلى أبوابه
مولى غدا للدِّين أكرمَ والدٍ
عزل الفرنجة ثم وَلَّى جَيشَهُ
قد أنصف التوحيدَ من تثليثهم
مُغرىً بتجريح الرِّجال لأنَّه
مَلِكٌ له في الحرب بَحرُ تَفَقُّهٍ
وعليه أُنزلَ في الجهاد مُفَضَّلٌ
عَزمٌ وحِلمٌ أنسيا ما كان مِنْ
يا صاحِ قُلْ للإنكتير الكلب دَعْ
القُدْسُ ما فيه لسرجكِ مطمعٌ
والمسجد الأقصى فعنه تقصَّ مِنْ
واستفتِ نفسك فهي أخبثُ ناصحٍ
واعجب لرُمحٍ بالرؤوس مُعمَّمٍ
يا أيها الملك الذي لطباعه
لله يوم عَرُوبة إذ أَعربَتْ
سَنَّت سيوفُكَ في الرؤوس ختانة
افاتهم وافت بأخذك منهم
أوَما رأى الأعلاج حين دَعوتها
لم تستطع عصيانَ أمرك بل أتت
فاستدعِ جارَتَها وثَنِّ بأختها
ما للسَّواحل غير بحرك حافظٌ
هذا الطِّراز الأخضر استَفْتَحْتَهُ
أحييت دينَ محمَّدٍ وأقَمتَهُ
وضبطت ديوان الجهاد بعاملٍ
وبجهبذِ العزم الَّذي لا ينثني
فخذ الخراج من البسيطة كلِّها
واقبض على الدُّنيا بكفِّ زهادةٍ
جاءت جنودُ الله تطلب ثأرها
وتجمَّلت بجهاده في الموقف
لاذوا بأكرم مَنْ يُؤمُّ وأشرف
وقَفو بأعظم مَنْ يعول وأراف
حَدِبٍ على أبنائه مُتَرَفْرِف
أعْظِمْ به مِنْ صارِفٍ ومُصَرِّفِ
وأقام في الإنجيل حدَّ المُصْحَف
يَرِوي أحاديث العَوَالي الرُّعَّفِ
وله غداةَ السِّلم زُهْدُ تَصَوُّفِ
فلذاك يقرؤه بسبعة أَحْرُفِ
عزمِ ابن مِرْداس وحلم الأحَنْف
عَنك الجنونَ وخُذ مقالةَ مُنصفِ
كلا ولا نور الإلة بمنطقي
وَقْع الدَّبابيس الأليمة تَعرِف
واتركْ متابعة اللَّجَاجِ المتلفِ
واطرب لسيفٍ بالدِّماء مُغلَّفِ
وسيوفه خُلقُا رِضاً وتعسُّفِ
ساعاته عن نَصرِك المتعرِّفِ
ذهبت بمهجة كلِّ عِلْج أَقْلَفِ
يافا فكم من حسرة وتأسُّفِ
بلسان سَيفٍ في الكريهة مُلحِفِ
مُنقادةً طَوْعاً ولم تتخلَّفِ
وكذاك حتَّى الأربعين ونيِّف
بِسَنا سنانٍ أو بصفحة مُرهف
فزها بثوبٍ مِنْ عُلاك مُسَجَّفِ
وسَتَرتَهُ من بعد طُول تكَشُّفِ
من عاملٍ وبمشرف مِنْ مشرفي
وبناظر الرأي الَّذي لم يَطْرِفِ
واستأد فَرْضَيْ جزيةٍ وموظَّف
وابْسُط لرحمتها جناحَ تعطُّف
وصدورها بكَ عن قليلٍ تشتفي
فانهضْ بها وتقاضَ حقَّك موقناً
هم فتيةُ الأتراك كلُّ مجفجفٍ
قومٌ يخوضون الحِمامَ شجاعةً
إن صبَّحوا الأعداء في أوطانهم
أَنْتَ اصطفيتهم لنُصرة ديننا
أنَّ الإله بما تؤمِّلُهُ حَفِي
يغشى الكريهة فوق كل مجفجف
لا ينظرون إليه مِنْ طرفٍ خفي
تركوا ديارهم كقاعٍ صَفْصَفِ
لله درُّ المُصْطَفى والمُصْطَفِي
6 ـ وقال الرَّحالة ابن جبير قصيدةً:
أَطَلَّتْ على أفقك الزَّاهر
فأبشِرْ فإنَّ رقاب العِدا
وكم لك من فتكةٍ فيهمو
كسرتَ صليبَهم عنوةً
وأمضيتَ جدَّك في غزوهم
وأدبر ملكهمو بالشَّام
جنودُك بالرُّعب منصورةٌ
فكلُّهم غرقٌ هالكٌ
ثأرت لدين الهدى في العدا
وقمتَ بنصر إلهِ الورى
تبيتُ الملوكُ على فُرشهم
وتؤثر جاهدَ عيش الجاهدِ
وتسهر ليلك في حقِّ مَنْ
فتحتَ القدس من أرضه
وجئتَ إلى قُدْسه المرتضى
وأعليتَ فيه منار الهُدى
لَكمْ ذخَر الله هذي الفتوحَ
وخصَّك مِنْ بعد فاروقه
محبَّتُكم أُلقيت في النُّفوس
سعودٌ مِنَ الفلك الدائر
تُمدُّ إلى سيفك الباترِ
حكت فتكة الأسد الخادر
فَلِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ كاسر
فتعساً لجدِّهم العاثرِ
وولَّى كأمسهم الدّابر
فناجز متى شئت أو صابر
بتيَّار عسكرك الزَّاخر
فاثرك الله من ثائر
فسمَّاك بالملك النَّاصر
وترفل في الزَّرد السَّابري
على طِيْبِ عيشهم النَّاضرِ
سَيُرضيك في جفنك السَّاهر
فعادت إلى وضعها الطَّاهر
فخلَّصته مِنْ يد الكافر
وأحييت مِنْ رسمه الدَّائرِ
مِنْ الزَّمن الأوَّل الغابر
بها لاصطناعك في الاخرِ
بذكرٍ لكم في الوَرَى طائرِ
وروعة هذه القصيدة ليست في سهولتها السَّلسَة ، وخواطرها الصادقة ، وعاطفتها الحارة فحسب ، فهي مع ذلك كلُّه تُصَوِّر وجهة نظر المسلمين في المغرب الإسلامي نحو صلاح الدين ، وتُنبىء أنَّ العالم الإسلامي حينئذٍ كان جسداً واحداً ، وأنَّ الحدود المصطنعة سياسياً بين دوله لا تمنع الامتزاج العاطفي بين من يَدينون بنعمة الإسلام ، فهم في كلِّ مكانٍ يتَّحِدون في الامال ، والآلام.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: