الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: انشقاق القمر

الحلقة الثانية عشر

بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1441ه/ديسمبر2019م

قال تعالى:" اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ" (القمر، آية : 1 ـ 2).
يخبر تعالى أن الساعة ـ وهي القيامة ـ اقتربت، وآن أوانها وحان وقت مجيئها، ومع هذا فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها غير مستعدين لنزولها، ويريهم الله من الآيات العظيمة الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر، فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصدقه، أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فانشق بإذن الله فلقتين، فلقة على جبل أبي قبيس، وفلقة على جبل قيقعان، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية العظيمة الكائنة في العالم العلويّ، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل، فشاهدوا أمراً ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره، فانبهروا لذلك، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يرد الله بهم خيراً، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمد ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من ورد عليكم من السفر، فإنه إن قدر على سحركم لم يقدر أن يسحر من ليس مشاهداً مثلكم، فسألوا كل من قدم، فأخبروهم بوقوع ذلك فقالوا " سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ" سحرنا محمد وسحر غيرنا وهذا من البهت الذي لا يروح إلا على أسفه الخلق وأضلهم عن الهدى والعقل، وقد تحدث بريطاني مسلم عرف نفسه باسم داود موسى بيدكوك تعليقاً على محاضرة ألقاها الدكتور زغلول النجار بعنوان الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة وقد ألقيت المحاضرة باللغة الإنجليزية في كلية الطب بجامعة كاردف عاصمة مقاطعة ويلز في غربي الجزر البريطانية، فقال عن آية انشقاق القمر: إن هذه الآية كانت مدخلي لقبول الإسلام ديناً، فقد شغفت بعلم مقارنة الأديان وأهداني صديق مسلم نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم فأخذتها منه شاكراً وتوجهت بها إلى مسكني، وعند تصفحها لأول مرة فوجئت بسورة القمر فقرأت " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ" ثم توقفت متسائلاً: كيف يمكن للقمر أن ينشق ثم يعود ليلتحم؟ وماهي القوة القادرة على إعادته إلى سيرته الأولى؟ فتوقفت عن القراءة وكأن هذه الآية الكريمة قد صدتني عن الاستمرار في ذلك ولكن لعلم الله سبحانه بمدى إخلاصي في البحث عن الحقيقة وحرصي على الوصول إليها أجلسني أمام التلفاز لأشاهد حواراً بين مذيع بريطاني يعمل بقناة التلفزيون البريطاني واسمه جيمس بيرك وثلاثة من علماء الفضاء الأمريكيين، وجرى عتاب من هذا المذيع على الإسراف المخل في الإنفاق على رحلات الفضاء في الوقت تتعرض جماعات بشرية عديدة لأخطار المجاعات والأمراض، وانتشار الأمية بين البالغين ولمختلف صور التخلف العمراني والعلمي والتقني وأنه كان من الأولى إنفاق هذا المال الوفير في معالجة تلك القضايا الملحة، وإعمار الأرض فضلاً عن التسابق في رحلات الفضاء، ووقف علماء الفضاء مدافعين عن مهنتهم بأن الإنفاق على رحلات الفضاء ليس مالاً مهدراً لأنه يعين على تطوير عدد من التقنيات المتقدمة التي تطبق في مختلف المجالات الطبية والصناعية والزراعية، ويمكن أن تعود بمردودات مادية وعلمية كبيرة، وفي غمرة هذا الحوار جاء ذكر رحلة إنزال رجل على سطح القمر على أنها كانت من أكثر الرحلات كلفة فقد تكلفت عشرات المليارات من الدولارات، فسأل المحاور: هل كان كل ذلك لمجرد وضع العلم الأمريكي على سطح القمر؟ وجاءت الإجابة بالنفي، وبأن الهدف كان دراسة علمية لأقرب أجرام السماء إلينا، فسأل المحاور: ألم يكن من الأجدى إنفاق تلك المبالغ الطائلة على عمارة الأرض وجاء الجواب بأن الرحلة أوصلتنا إلى حقيقة علمية لو أنفقنا أضعاف هذا المبلغ لإقناع الناس بها ما صدقنا أحد...فسأل المحاور: وما هذه الحقيقة العلمية؟ فكان الجواب أن هذا القمر كان قد انشق في يوم من الأيام ثم التحم بدليل وجود تمزقات طويلة جداً وغائرة في جسم القمر، تتراوح أعماقها بين عدة مئات من الأمتار وأكثر من الكيلو متر وأعرضها بين نصف الكيلو متر وخمسة كيلو مترات وتمتد إلى مئات من الكيلو مترات في خطوط مستقيمة أو متعرجة، وتمر هذه الشقوق الطويلة الهائلة بالعديد من الحفر التي يزيد عمق الواحدة منها على تسعة كيلو مترات، ويزيد قطرها على الألف كيلو متر، ومن أمثلها الحفرة العميقة المعروفة باسم بحر الشرق وقد فسرت هذه الحفر العميقة باصطدام أجرام سماوية بحجم الكويكبات أما الشقوق التي تعرف باسم شقوق القمر، فقد فسرت على أنها شروخ ناتجة عن الشد الجانبي أو متداخلات نارية على هيئة الجدر القاطعة، ولكن أمثال هذه الأشكال على الأرض لا تصل إلى تلك الأعماق الغائرة، ومن هنا فقد فسرت على أنها من آثار انشقاق القمر وإعادة التحامه يقول السيد بيدكوك: حين سمعت هذا الكلام انتفضت من فوق الكرسي الذي كنت أجلس عليه أمام التلفاز، وتساءلت: معجزة تحدث لمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة سنة يثبتها العلم في زمن التقنية الذي نعيشه بهذه البساطة وبهذا الوضوح الذي لا يخفى على عالم في مجال الفلك اليوم، فلابد أن يكون القرآن حقاً مطلقاً، وصادقاً صدقاً كاملاً في كل خبر جاء به وعلى الفور عاودت القراءة في ترجمة معاني القرآن الكريم وكانت هذه الآية التي صدتني في بادئ الأمر عن الاستمرار في قراءة هذا الكتاب المجيد هي مدخلي لقبول الإسلام ديناً.
يقول الدكتور زغلول النجار: ولا أستطيع أن أصف لكم وقع هذه الكلمات، ووقع النبرة الصادقة التي قيلت بها على كل الحضور من المسلمين وغير المسلمين فقد هزت القلوب والعقول، وأثارت المشاعر والأفكار ولم أجد ما أقوله أبلغ من أن أردد قول الحق سبحانه " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت، آية : 53).

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (54:51).
* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي السماء في القرآن الكريم، صفحة (548:547).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022