في سيرة صلاح الدين:
حماية سلاطين بني أيوب لطريق الحجِّ والحرمين الشريفين
الحلقة: الثامنة والثلاثون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020
يرجع الفضل بعد الله إلى عودة السيادة العباسية على الحجاز إلى مساعي السلاجقة لنزع الأماكن المقدسة من هيمنة الدولة الفاطمية الشيعية ، وفي عهد نور الدين زنكي ظهرت جهوده الميمونة في الإحسان لأهل مكة ، والمدينة ، وبعث العساكر لحفظ المدينة النبوية ، وأقطع أمير مكة إقطاعاً ، وأقطع أمراء العرب إقطاعات لحفظ الحجِّ فيما بين دمشق ، والحجاز ، وأكمل سور المدينة النبوية ، واستخرج لها العين ، فدعى له بالحرمين على منبريهما بعد اسم الخليفة العباسي. وثمَّة معلومة على جانب كبير من الأهمية لدارس تاريخ الأسرة الأيوبية ، ونشأتها تشير إلى أن تولي مؤسِّس هذه الأسرة لإمارة لواء الحج الشامي إبَّان خدمته لنور الدين زنكي كان من أهم عوامل استقواء هذه الأسرة الطموحة ، فنعرف أن نجم الدين أيوب ، كبير البيت الأيوبي ، كان قد تولَّى إمارة الحج الشامي لنور الدين زنكي منذ سنة 551هـ/1156م ، وقد ورثه في هذا المنصب أخوه أسد الدين شيركوه؛ الذي وصف: أنه قد تقدَّم عند نور الدين زنكي ، وبعثه أمير الحاج من دمشق. وكان شيركوه في حياته قد أنفق من أمواله المبالغ الضخمة في سبيل إقامة الشعائر الدينية ، والخيرية بالحرمين هو ، وصديقه الوزير جمال الدين وزير صاحب الموصل ، وأوصى صديقه بأن يدفن في تربةٍ بجوار المسجد النبوي بالمدينة المنورة. وقد حرص ملوك بني أيوب على تحقيق هذه الأمنية ، والوصية ، فقاموا بنقل رفاة نجم الدين أيوب ، وأخيه شيركوه بعد دفنهما بمصر ، وأعادوا دفنهما بالمدينة ، طبقاً لوصيتهما.
واستمرت السيادة العباسية على الحجاز على يد سلاطين ، وملوك الدولة الأيوبية ، وتبدَّت مظاهر عودة هذه السيادة في الخطبة للخليفة العباسي بالحرم المكي قبل أمير مكة ، وقبل السلطان الأيوبي صاحب مصر ، وملك اليمن من بني أيوب ، وفي إرسال التقاليد الخليفتية بالإمارة لكلٍّ من أمير مكة ، والمدينة صُحبة أمير الحاج العراقي، وكان تقليد ، أو عزل أمير المدينة ، ومكة أو أولياء عهدهما يقرأ بجوار المسجد النبوي ، وإرسال كسوة الكعبة كلَّ سنة بشعار بني العباسي ، وهو السواد ، وبُطرُز حمراء تحمل اسم الخليفة العباسي ، وعبارات دعائية له. كما تولَّى خلفاء بني العباس عمارة الحرم المكي ، والمسجد النبوي. وكذلك كان الخليفة العباسي وحده هو صاحب الحق في رفع لوائه يوم الوقوف بعرفات. وتأكيداً لإشراف الخلافة العباسية على الحرم المكي كان أمير الحج العراقي يقوم بنفسه بكسوة الكعبة مع خواصِّه. كما كانت خلع الخليفة شعار السواد العباسي ترسل من بغداد إلى خطيب الحرم المكي ، شأنه شأن خطباء البلاد التابعة للخلافة العباسية على حدِّ قول ابن جُبير ، وذلك كي يلبسها عند صعوده للخطبة الجامعة.
1 ـ صلاح الدين الأيوبي خادم الحرمين الشريفين:
ورث صلاح الدين الأيوبي عن أستاذه نور الدين زنكي السلطنة العامة ، ورسالته في توحيد الجبهة الإسلامية لجهاد الصليبيين عن طريق إحياء الخلافة العباسية ، ونصرة الدَّعوة السنية ، وورث عن أستاذه أيضاً مهمَّة الحجاج تأمين طريق الحج ، فأمر في سنة 572هـ بإبطال الغفارة؛ التي كانت تؤخذ بجدَّة من المسافرين عن طريق البحر الأحمر، وعوَّض صاحب مكة في كلِّ سنةٍ ثمانين الاف أردب قمح تحمل إليه في البحر ، ويحمل مثلها ، فتفرق في أهل المارستان بمكَّة ، كما أوقف على الحجَّاج ، وعلى الحرمين الأوقاف ، وذلك للصرف على مؤنتهم إبَّان أداء الفريضة. كما أقطع أمير مكة الإقطاعات بصعيد مصر ، وباليمن ، وأيضاً أوقف على أمير المدينة الأمير جماز، وأولاده أوقافاً بصعيد مصر ، لم تذكرها المصادر الأيوبية؛ وإن أكدتها وثائق المحكمة الشرعية ، المحفوظة اليوم بسجلات مصلحة الشهر العقاري ، وقد شفع صلاح الدين ذلك برفع جميع المكوس ، وهي ضرائب غير شرعية ، كانت تجبى من التجَّار عن الحجَّاج ، فتسهَّل سبيل الحج بعد أن كاد أن ينقطع؛ ولم يعد في استطاعة الحجاج أداء فريضة الحج. وكلُّ هذه الأيادي البيضاء التي أسداها صلاح الدين لحجَّاج بيت الله الحرام جعلت منه حامي الحرمين الشريفين ، وهو مظهر من مظاهر الزَّعامة السياسية في العالم الإسلامي كلِّه.
وقد تأثر العالم الإسلامي بجهود صلاح الدين ، ولذلك عندما يذكر صلاح الدين بالدُّعاء على منابر الحرمين بعد الخليفة العباسي ، وأمير مكة ، تخفق الألسنة بالتأمين عليه من كلِّ مكان ، وإذا أحبَّ يوماً عبده؛ ألقى عليه محبَّة الناس ، وحقَّ ذلك عليهم؛ لما يبذله من جميل الاعتناء بهم ، وحسن النظر لهم ، ولما رفعه من وظائف المكوس عنهم. ويقول ابن جبير بعد ذكره لدعاء الخطيب لصلاح الدين: أنه ذي الماثر الشهيرة ، والمناقب الشريفة ، فإذا انتهى ذكره بالدُّعاء ، ارتفعت أصوات الطائفين بالتأمين ، بألسنة تمدُّها القلوب الخالصة ، والنيات الصادقة ، وتخفق الألسنة بذلك خفقاً ، يذيب القلوب خشوعاً ، لما وهب الله لهذا السُّلطان العادل من الثناء الجميل ، وألقى عليه من محبَّة الناس ، وعباد الله شهداؤه في أرضه. يقول ابن جبير: أعلمنا بأن كتابه (صلاح الدين) وصل إلى الأمير مكثر ، وأهمُّ فصوله؛ التوجيه بالحاج ، والتأكيد في مبرَّتهم ، وتأنيسهم ، ورفع أيدي الاعتداء عنهم ، وإلا يعاز في ذلك إلى الخدَّام ، والأتباع. وقال: إنما نحن ، وأنتم متقلِّبون في بركة الحاجِّ. فتأمَّل هذا المنزع الشريف ، والمقصد الكريم. وإحسان الله يتضاعف إلى من أحسن إلى عباده ، واعتناؤه موصولٌ لمن جعل همَّه الاعتناء بهم ، والله عزَّ وجلَّ كفيلٌ بجزاء المحسنين.
والواقع: أنَّ صلاح الدين لم يدَّخر وسعاً لاستمرار تأمين طريق الحجِّ؛ بحيث جعل هذا الأمر هِجِّيراه ، ودام على مكاتبه أمير مكة يوصيه برعاية الحجاجِّ عند وصولهم إلى الحرم المكيِّ، كما كاتب أمير برقة من قبله، يوصيه بحماية الحجَّاج المغاربة، والأندلسيين المارِّين بولايته ، كما حرص على تبادل السَّفارات الودِّية مع أمير المدينة النبويَّة، وتعظيم رسوله، والاعتزاز بهداياه؛ لكونها من قبل أمير المدينة النبوية الشَّريفة.
2 ـ حماية صلاح الدين لطريق الحجِّ البري لحجَّاج مصر ، والمغرب ، والأندلس:
أدرك الصليبيون خطورة فريضة الحجِّ كركنٍ أساسي من أركان الإسلام ، يحقِّق للمسلمين الوحدة الرُّوحية ، ويوثِّق بينهم روابط اجتماعية ، وفكرية كفيلة بتعضيد شعورهم بالولاء إلى أمَّةٍ واحدة ، وكيانٍ اجتماعيٌّ واحد؛ فعمدوا أحياناً إلى مهاجمة قوافل الحجِّ والتِّجارة المصرية ، المارَّة عبر صحراء سيناء ، وفي طرق الحُجَّاج الشهيرة، ونهبها، ممَّا أدى إلى تعطيل الطريق البريِّ للحجَّاج ، الوافدين من الأندلس ، والمغرب ، ومصر ، واضطرارهم إلى سلوك طريق طويل يبدأ من الإسكندرية إلى الفسطاط ، إلى مدينة قوص بصعيد مصر ثم منها يخترق الحجاج صحراء عيذاب ، حتى يصلوا إلى ميناء عيذاب على البحر الأحمر ، ومنها يركبون السُّفن الصغيرة المعروفة بـ«الجلاب» حتى ميناء جدَّة ، وكانت هذه الرحلة طويلة شاقة ، عانى منها الحجَّاج الأمرَّيْن، وكان قطع الصليبيين لطريق الحجِّ البري عبر سيناء قد تمَّ لهم بعد استيلائهم على حصن الكرك ، ممَّا جعل استرداد هذا الحصن من أهم أهداف نور الدين زنكي ، ثمَّ صلاح الدين الأيوبي حين كان نائبه بمصر قبل استقلاله بالسَّلطنة؛ لذلك عمد نور الدين إلى محاصرة الكرك حصاراً مزدوجاً من ناحية الشام ، ومن ناحية مصر في نفس الوقت ، وكاد يتمُّ له استرداده ، وحين استقرَّت السلطنة لصلاح الدين ، جعل الكرك هدفاً لأوَّل غزوةٍ من مغازيه للفرنج؛ ليصل طريق القوافل ، والتجارة عبر سيناء ، بين مصر ، والشام ، ويؤمن طريق الحج المصري البري بعد انقطاعه.
ولا شكَّ أن حملة أرناط البحريَّة على البحر الأحمر ، ومحاولتها الوصول إلى الأراضي الحجازية ، واختطاف جثمان النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم ، كانت على علمٍ تامٍّ بأهميَّة حجِّ المسلمين إلى الأراضي الحجازية ، وزيارة المدينة النبوية ، والمسجد النبوي الشريف. ولم يقصِّر لؤلؤ قائد الأسطول المصري في أسر هؤلاء الفرنج ، وإدخالهم إلى القاهرة في هيئةٍ مزرية ، وعلى صورة من الذلَّة والمهانة ، وصفها لنا ابن جبير ، ثم أرسل لؤلؤ بعض هؤلاء الأسرى إلى المدينة المنورة؛ حيث ذُبحوا ذبحاً. فلا غرو أنْ لُقِّبَ صلاح الدين بـ«خادم الحرمين الشريفين» و««منقذ بيت المقدس من أيدي المشركين». وليس أدلَّ على الأهمية العظمى التي أولاها العالم الإسلامي لتأمين طريق الحجَّاج المسلمين إلى مكة ، وحرص الأيوبيين على إنجازها ما صرح به العماد الأصفهاني مؤرخُ صلاح الدين من أن تأمين طريق الحجِّ إلى مكة من أهم دوافع صلاح الدين لفتح بيت المقدس ، واسترداده من الصليبيين.
3 ـ الإشراف المباشر لملوك بني أيوب على موسم الحج:
دوام ملوك بني أيوب على حماية طريق الحج ، وتأمينه ، وحماية لواء الحجِّ العراقي ، الممثل لسيادة الخليفة الروحية على العالم الإسلامي ، وكان هذا عادةً ما يكون من حظِّ أيوبي اليمن ، وذلك حتى في حياة صلاح الدين ، فكان يخطب لهم بالحرمين بعد صلاح الدين سلطان مصر ، ففي سنة 582هـ/1186م وصل سيف الإسلام طشتكين ملك اليمن الأيوبي بنفسه إلى الكعبة؛ ليمنع الأذان الشيعي بها بحيَّ على خير العمل ، وليمنع العبيد الموالين لأمير مكة الذين يأخذون الحجَّاج؛ وطلب مفتاح الكعبة من أمير مكة ، ليكون هو الحامي للحرم المكي من الناحية الفعلية؛ وذلك بعد أن حاول أمير مكة إغلاق باب الكعبة ، وإعطاء مفتاحه لسدنته من بني شيبة؛ الذين ذكر الرَّسول: أنه سيبقى في أيديهم إلى يوم الدين ، حتى يرغم طشتكين على العودة دون طلب مفتاح الكعبة ، فهدَّد طشتكين بأخذه قسراً ، وهنا أذعن أمير مكة ، وسلم المفتاح لطشتكين؛ الذي سلَّمه بدوره لبني شيبة.
ومما يؤكِّد اهتمام سلاطين بني أيوب بموسم الحج ما ذكره مؤرخو سيرة صلاح الدين من استحداثه رسوماً خاصةً باستقبال موكب الحجِّ الشامي ، وذلك خلال غقامته بدمشق ، فكان صلاح الدين يركب ركوباً عسكرياً ، مرتدياً الزيَّ العسكري الكامل ، ويخرج في احتفالٍ عام ، ويقطع به شوارع دمشق ، سالكاً طرقاً محدَّدةً.
وإذا كان المؤرخون قد لاحظوا: أنَّ أحداً من سلاطين مصر الأيوبية ، لم يحجَّ بنفسه لانشغالهم الدائم بجهاد الصليبيين ، فقد حجَّ من أيوبي اليمن الملك المعظم شمس الدولة تورانشاه أخو صلاح الدين ، وفاتح اليمن ، وأوَّل ملوكها؛ ثم الملك المسعود المعروف باقسيس ، ابن الملك الكامل سلطان مصر ، وحجَّ من أيوبي الشام ، الملك المعظم عيسى ابن العادل أبي بكر ، صاحب دمشق ، والملك الناصر داود بن المعظم عيسى صاحب الكرك. لقد حاز الأيوبيون منذ عصر صلاح الدين شرف حماية فريضة الحج ، والإشراف على الحرمين الشريفين ، وتعضيد النفوذ السياسي لأمير لواء الحج العراقي على بلاد الحجاز.
كما أصبحت السلطنة الأيوبية هي حامية الدعوة العباسية ، والعاملة على نشر دعوتها في جميع ديار الإسلام ، سواءٌ في ممتلكات الدولة الفاطمية في نفوذ دولة الموحِّدين بالمغرب ، وفوق ذلك في البلاد الإسلامية بالشام التي يتمُّ استردادها من الصليبيين ، ولا ريب أنَّ تفرُّد سلاطين بني أيوب بالنهوض بأعباء الدَّعوة العباسية ، وحماية الخليفة العباسي ، وإلزام ملوك الأطراف إظهار الطاعة ، والتبعية له قد أمدَّ السلطنة الأيوبية بسندٍ شرعيٍّ ، جعلها تتصدَّر الزعامة السياسية للعالم الإسلامي والجدير بالملاحظة: أنَّ أول السلاطين السنيين الذين اضطلعوا بحماية فريضة الحج قبل نور الدين زنكي ، وتلامذته سلاطين بني أيوب ، وكان السلطان محمود الغزنوي أوَّل السلاطين السنيين، وأقدمهم ظهوراً في تاريخ المشرق الإسلامي، ثم ورثه السلاجقة. فالسُّلطان ملكشاه السَّلجوقي كان أول من استنَّ وسائل حماية هذه الفريضة لمن بعده من السَّلاطين، فبنى أحواض الماء على طريق الحجاز، ورفع المكوس، ورسوم الخفارة عن طريق الحج، وأقطع أمراء الحرمين نظير ذلك الإقطاعات، والأموال، وكانوا يأخذون قبل ذلك من كلِّ حاج سبعة دنانير ذهبية، وأنعم كذلك على عرب البادية، وعلى مجاوري الكعبة بالإنعامات الطائلة.
سادساً: محاربة الأيوبيين للتشيُّع في مصر ، والشام ، واليمن:
ليس من السهل اليسير أن يُقتلع مذهبٌ من المذاهب بمجرَّد تغير النظام السياسي في بلد من البلاد ، إنما يحتاج التغيير إلى سنواتٍ عديدةٍ ، وإلى تدابير ليست من تدابير القوة ، والبطش فحسب ، لذلك فالملاحظ: أنَّ صلاح الدين قد استخدم وسائل ، وأساليب عديدة في سبيل القضاء على الدَّعوة الفاطميَّة بمصر ، جاءت بعض هذه الأساليب تتَّسم بالشدَّة ، والعنف ، والحسم الفوري المباشر ، والبعض الاخر اتَّخذ وسيلة الحيلة ، والتدرُّج ، واستخدم بعضها القِوى العسكرية ، في حين نهج البعض الاخر سبيل الدَّعوة ، والتعليم ، والإقناع ، والاستمالة عن طريق المنشآت الاجتماعية ، والدينية الخيرية ، وما يوقف عليها من أوقاف للصرف عليها وكان للقاضي الفاضل دور بارز في رسم هذه الاستراتيجية.
وقد تحدَّثت عن هذه الوسائل عند حديثنا عن زوال الدولة الفاطمية ، والتي كان من أهم أسبابها إذلال الخليفة الفاطمي العاضد ، ووضعه من مكانته ، وهيبة قصر الدولة الفاطمية ، وقطع الجمعة الجامعة من الجامع الأزهر ، وإبطال تدريس الفكر الفاطمي به ، وإتلاف ، وحرق الكتب الشيعية الإسماعيلية ، وإلغاء الأعياد المذهبية للفاطميين ، ومحو رسوم الفاطمية ، وعملاتهم ، والحفاظ على أفراد البيت الفاطمي ، وإضعاف عاصمة الدولة الفاطمية ، وأحياء قضية انتحال النسب الفاطمي إلى البيت النبوي ، والاستمرار في ملاحقة بقايا التشيُّع في الشام ، واليمن. ويبدوا: أنَّ الشيعة ، وأنصار الفاطميين بمصر قد فروا إلى صعيد مصر ، والتفوا حول أحد أمراء العرب المتحمِّسين للدولة الفاطمية ، وكان يلقب: كنز الدولة؛ إلا أنَّ صلاح الدين بعث أخاه الملك العادل ، على جيشٍ، استطاع القضاء على هذه الفتنة.
وكانت الدولة الأيوبية تتصدى بحزم ، لكل المحاولات الفاطمية لإرجاع مصر إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي ، واستمرَّ الأيوبيون في الانتصار للعقيدة السنية ، وإبادة التراث الشيعي الرافضي ، وتتبعوا أتباعه في القاهرة ، والصعيد ، حتى لم يجسر أحدٌ على التظاهر بمذهبها ، فانقرضت دعوتُها من مصر ، واستمرُّوا في ملاحقة أتباع الدَّعوة في الشام ، واليمن حتى استطاعوا القضاء على الدَّعوة الإسماعيلية بمصر ، واليمن ، والشام ، واستكملوا ما بدأه الغزنويُّون ، والسلاجقة ، والزنكيُّون في محاربة الدَّعوة الشيعية الإسماعيلية ، ونشر الدَّعوة السنية في إيران ، والشام. ولقد أدركت الإسماعيلية: أنَّ دعوتهم لم تصب طول تاريخها على يد السلاطين السنيين مثل الغزنويين ، والسلاجقة بمثل النكبة التي نكبوا بها بسقوط الدَّولة الفاطمية ، وهي أعظم دولة شيعية قامت في التاريخ الإسلامي، استحوذت الخلافة ، وكادت تضمُّ العالم الإسلامي ، كلَّه تحت لوائها ، حين خطب لها ببغداد سنة 450هـ/1058م. فلا غرو إنْ نظر الشيعة الإسماعيلية كلُّهم إلى صلاح الدين على أساس: أنَّه هو الذي أزال دولتهم الكبرى من مصر ، ولهذا فالأقلام الشيعية الرافضية عبر التاريخ لا تكلُّ ، ولا تملُّ في تشويه سيرة الناصر صلاح الدين الأيوبي ، ولقد ظلَّ التشيع في مصر يضعف شيئاً فشيئاً ، حتى كاد يَمَّحي منها ، وأصبحت مصر تدين بمذهب أهل السُّنَّة ، والجماعة.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي: