الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

 إضاءة في كتاب

الإيْمَانُ بِالله جلَّ جَلاَلُهُ

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

هـذا الكتاب يتحدّث عن الخالق العظيم، والرازق الكريم، الفعّال لما يريد، الكريم المنّان، الواسع العليم، الذي رأيتُ من خلال مسيرتي في عالم التاريخ عظمتَه في الحياة، وفي قيامِ الدول وزوالها، وانتشارِ الحضارات واندثارِها، وعزِّ الحكومات وإذلالها، وقصص الناس، وفي مخلوقاته العجيبة الغريبة، وفي هـذا الكون الفسيح، وحركة التاريخ.

هـذا الكتابُ إنّما كان نتاجَ هـذه المسيرة، بل إحدى ثمارِها، حيثُ وجدتُ أنَّ الذين آمنوا بالله العظيم، واتبعوا رسوله الكريم ، هدى الله قلوبهم، بل زادها إيماناً، وقد عرفوا ربهم، وعلموا أنّ الله هو التواب الرحيم، وهو ذو الفضل العظيم، العزيز الحكيم، الذي ابتلى إبراهيمَ بكلمات، وسمع نداءَ يونسَ في الظُّلمات، واستجابَ لزكريا، فوهبه على الكِبَرِ يحيى هادياً مهدياً، وحناناً من لدنه وكان تقياً. وهو الذي أزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخَّر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع إليه عيسى، ونجّى هوداً، وأهلك قومه، ونجّى صالحاً من الظالمين، فأصبح قومُه في دارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفدى إسماعيل بذبحٍ عظيمٍ، ونجّى يوسف من غيابة الجُبِّ، وجعلَه على خزائن الأرض، ونصرَ نوحاً على القوم الكافرين، ونجّاه وأهلَه من الكرب العظيم.وهو  الله تعالى الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأجدَّ وأبلى، ورفع وخفض، وأعزَّ وأذلَّ، وأعطى ومنع، فسبحانه عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

إنه الله تبارك وتعالى الذي جمع في هـذا الوجود بين الكمال والجمال، والقرآن الكريم يوقظُ القلوبَ لتتبُّعِ مواضعِ الحسنِ وآيات الجمالِ في هـذا الكون البديع: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة :7]. وقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِىءُ النَّشْأَةَ الآخرة إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *﴾ [العنكبوت :20] .

انظر إلى الإنسان وروعة خَلْقه، وتباينِ أجناسِه، وتعدُّدِ لغاتِه، واختلافِ نغماتِه، فهو جلَّ وعلا قد أحسنَ كُلَّ شيءٍ خلقه، ومنْ أحسنِ مخلوقاتهِ وأجملِها الإنسانُ، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *﴾ [التين: 4] .

وانظر إلى السماء وهيبتِها، والنجومِ وفتنتِها، والشَّمسِ وحُسنِها، والكواكبِ وروعتِها، والبدرِ وإشراقِه، والفضاءِ ورحابتِه، تأمّلْ السماء في ليلةٍ حالكةٍ؛ وقد انتشرت فيها الكواكبُ، وبُثَّتْ فيها النجوم. وانظر إلى الأرض كيفَ دحاها، وأخرجَ منها ماءها ومرعاها، والجبالَ أرساها، وهـذه البحارُ والأنهارُ والليلُ والصبحُ والضياءُ والظلالُ والسُّحبُ، وهذا هـذا التناغُمُ الساري في الوجودِ كلّه. وجاء القرآن الكريمُ مزدهراً بآيات تنطِقُ بالعظمةِ، وتشهدُ بالربوبيَّةِ، تَسُرُّ نفوسَ الواثقين، وتدحَضُ مزاعمَ المارقين ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *﴾ [الطور: 35].

جاء هذا الكتاب ضمن موسوعة "أركان الإيمان"، وقسّمتُ هـذا الكتابَ إلى سبعة مباحثَ:

تناولت المبحث الأول معنى (لا إله إلا الله محمَّدٌ رسول الله)، وبيّنتُ فضلَ (لا إله إلا الله)، وأنَّها أفضلُ الذكر، وتحدّثتُ عن شروطها: كالعلمِ، واليقينِ، والقبولِ، والانقيادِ، والصدقِ، والإخلاصِ، والمحبَّةِ، وارتباطِها بالولاءِ والبراءِ، واثارِ الإقرارِ بهـذه الكلمةِ في حياتنا.

أما في المبحثِ الثاني والثالث: تكلّمتُ عن إثباتِ وجود الخالق، وتوحيدِ الربوبيّةِ، وأشرتُ لدليلِ الخَلْقِ، ودليلِ الفِطْرةِ والعَهْدِ، ودليلِ الافاقِ، ودليلِ  الأَنْفُسِ، ودليلِ الهدايةِ، ودليلِ انتظامِ الكونِ وعدمِ فسادِهِ، ودليلِ التقدير، ودليلِ التسويةِ، التي جاءت في القرآن الكريم.

كما وضحّت في المبحثِ الرابع والخامس معاني توحيدَ الأسماءِ والصفاتِ، وتوحيدَ العبادة، وتكلّمت عن علاقةِ تحكيم الشريعة بالتوحيدِ، والاثارِ الحسنةِ للحُكْمِ بما أنزل الله: كالاستخلافِ، والتمكينِ، والأمنِ، والاستقرارِ، والنَّصرِ، والفتحِ، والعزِّ، والشَّرفِ، وبركةِ العيشِ، ورَغَدَهِ، والهدايةِ، والتثبيتِ، والفلاحِ، والفوزِ، والمغفرةِ، وتكفيرِ السيئاتِ، ومرافقةِ النبيّينَ والصدّيقين.

كما وقفتُ مع الآثارِ السيئةِ للحكم بغير ما أنزلَ الله: كقسوةِ القلبِ، والضَّلالِ عن الحقِّ، والوقوعِ في النفاقِ، والحرمانِ من التوبةِ، والصدِّ عن سبيل اللهِ، وغيابِ الأمنِ، وانتشارِ الفوضى، وانتشارِ العداوةِ والبغضاء، والحرمان من النَّصْرِ والتمكينِ، وهول العقابِ الذي يَنْتَظِرُ المبدّلين لشرعهِ، والإهانةِ عند قَبْضِ الأرواح، والأكلِ من النار، وغضبِ الجبارِ، والعذابِ المهين.

وتكلّمتُ عن جهودِ النبيِّ في حمايةِ توحيدِ العبادة: كالنهي عن الغلوّ والإطراء لشخصه الكريم، وكيفيّةِ التعامل مع الرُّقى والتمائم، ونهيه عن الكهانة... إلخ.

أما في المبحثِ السادسِ: فكان الحديثُ عن الإيمان بالله عز وجل، واخترتُ كلمةَ الإيمان بدلاً من العقيدةِ، واستخدمتُها في كتابي تماشياً مع العَرْضِ القرآني، الذي عرضَ مقرَّرات الإيمانِ، وخصائصَه ضمنَ المصطلح اللطيف، والكلمة الحبيبة (الإيمان).

كما أني بيّنتُ الفرقَ بين الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ، والأسسَ التي يقومُ عليها الإيمانُ بالله عز وجل، وشرحتُ بعضَ الآيات القرآنية التي تحدّثتْ عن  الإيمانِ، كزينةِ الإيمانِ، ونورِ الإيمانِ، وروحِ الإيمانِ، ولخّصتُ في هـذا الكتاب أهمَّ أسبابِ قوةِ الإيمان مثل معرفة أسماء الله الحسنى، وتدبر القرآن على وجه العموم، ومعرفة النبيِّ ، والتفكير في الكون، والنظر في الأنفس، والإكثار من ذكر الله في كلِّ وقت، ومعرفة محاسن الدين، والاجتهاد في التحقق من مقام الإحسان، والدعوة إلى الله، وتوطين النفس على مقاومة ما ينافي الإيمان، ومعرفة حقيقة الدنيا، واعتبارها مزرعةً للآخرة.

وعرضتُ بعضَ صفات المؤمنين التي جاءت في القرآن الكريم، وشرحتُها، وبيّنْتُ أهميتَها، وركّزتُ على أهمِّ فوائد الإيمان وثمراته، كالاغتباطِ بولايةِ الله الخاصّة، ودفاع اللهِ عن المؤمنين، والفوزِ برضا الله، وحصولِ البشارةِ بكرامةِ الله، وحصول الفلاحِ والهدى، والانتفاعِ بالمواعظِ والتذكيرِ، والشكرِ، والصبرِ، وتأثيرِه على الأعمالِ والأقوالِ، وهدايةِ الله إلى الصراط المستقيم، ومحبةِ الله وللمؤمنين مِنْ خلقه، ورفع الله لمكانتهم.

وفي المبحثِ السابع (الأخير): كان الحديثُ عن الشركِ، والكُفْرِ، والنفاق، والردة، والفسق، والمعاصي.

أضعُ بين يديكَم هـذا الكتابَ، راجياً من اللهِ أن يحيا قلبُك، وتزدادَ هدايةً مع كلِّ معرفةٍ جديدةٍ عن ربِّكَ، فالهدفُ من كتابتِهِ هو زيادةُ إيمانِكَ بربِّ العالمين، بعيداً عن العوائق التي وُضعتْ في طريق الإيمانِ، الذي بيّنه رسولُنا محمَّدٍ ، وسار عليه الصحابةُ الكرامُ، سهلاً ميسّراً، دونَ عناءٍ ولا شقاءٍ، فآمنوا بربهم، فهدى الله قلوبَهم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *﴾ [التغابن :11].

وبفضل الله، انتهيتُ من إنجاز هـذا الكتاب يوم الأحد في الساعة الثالثة إلا ربع ظهراً بتاريخ 8/5/1430 هـ يوافقه 3/3/2009 م في مدينة الدَّوحة العامرة، والفضلُ للهِ منْ قبلُ ومِنْ بعدُ، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أنْ يجعلَ عملي لوجهه خالصاً، ولعبادِه نافعاً، ويشرحَ صدورَ العبادِ للانتفاعِ به...

 

كتاب "الإيْمَانُ بِالله جلَّ جَلاَلُهُ"، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/644 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022