النبيّ الوزير يوسف الصّدّيقُ (عليه السلام)
"من الابتلاء إلى التمكين"
بقلم: د. علي محمّد محمّد الصلّابي
يوسف (عليه السلام) هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم الصلاة والسلام) فهو من أشرف الناس نسباً، وذلك أنه نبي وأبوه نبي وجده نبي، وجدا أبيه نبي، فهو من سلالة الأنبياء والمرسلين. وإن هذا الكتاب، والذي عنونته بـ "النبيّ الوزير يوسف الصّدّيقُ (عليه السلام) من الابتلاء إلى التمكين"، يعتبر حلقة محورية وهامة في دراسة سير وقصص الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام).
وإن علاقتي مع قصة يوسف عليه السلام تمتدُّ من الطّفولة، ولكني تعمَّقت بها أكثر خلال دراستي الثانوية العامة، وفي تلك الأثناء كنت أَقصّها على زملائي في مدرسة الناصر صلاح الدين الأيوبي في مدينة بنغازي بليبيا.
وبعد أن قدر الله (سبحانه وتعالى) عليّ السجن بين عامي 1981 و1988م، فكان لقصة يوسف (عليه السلام) مذاقٌ خاص على المستوى الشخصيّ، وكذلك تأثر بها السجناء الذين كانوا معي في ذلك السجن السياسي، والذي امتلأ بشتى ألوان الطيّف الاجتماعي والفكري الليبي، ممن مثَّلوا توجهات وأفكار وآراء مختلفة، وخاضوا في السجن حوارات ونقاشات دفاعاً عن آرائهم وقيمهم وتوجهاتهم. ونتيجةً لما تعلمته وعلمته وقرأته وشاهدته وعايشته في تلك المرحلة، فقد سَمَّيت مرحلة السجن "مدرسة يوسف عليه السلام"، فهي كانت بلسماً شافياً، ومورداً عذباً، وفضاءً معرفياً ووجدانياً وروحياً وأخلاقياً، جعل الله فيها راحةً وسكينةً وتأملاً وتفكراً، وكيف لا والقرآن الكريم هو سر سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
عشت حياتي مع معاني ودروس ومفاهيم سورة يوسف (عليه السلام)، فكانت مرجعاً وعضداً لي في طريق الصبر والمصابرة والإحسان، والتعرف على أسباب الابتلاء والتمكين، وقيمة العفو والوفاء والإخلاص والعِفة والصبر والتقوى والكرم. وأسأل الله أن يُجملنا بأخلاق الإيمان في هذه السورة وما فيها من خير، وأساله تعالى أن يحسن خاتمتي، ويتوفني مسلماً، ويلحقني ووالدي وجميع المسلمين بالصالحين.
وعزمت بعد أن أنهيت طباعة ونشر موسوعة نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العِظام، إلى التمعق في قصة يوسف الصديق (عليه السلام)، وأخذ الدرس المستفاد بأن الطريق الذي خَطَّه الأجداد والآباء من آدم إلى نوح، ومن ثم إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام)، وقد استنار به النبي الوزير يوسف الصدّيق (عليه السلام) وسار على هديهم، وذلك بعد طول ابتلاء ومحنة وضنك واتهام وبهتان حتى ظهرت الحقيقة وبانت براءته. وبفضل الله، وبمشورة النبي الوزير وقيادته وحنكته وخطّطه أنقذ مصر وأهلها من هلاكٍ محتم.
وقد تجاوزت عدد صفحات الكتاب 650 صفحة، وقسمته لعدة مباحث، وجاء على النحو الآتي:
في المبحث التمهيدي تناولت سورة يوسف؛ اسمها، وعدد آياتها، وترتيب السورة في المصحف، وسبب نزول السورة، وزمن وظروف نزولها، والتشابه بين قصة يوسف عليه السلام ونبينا محمد رسول الله، وما هي الحكمة في سوقها في مكان واحد؟
وفي المبحث الأول، تكلمت عن رؤيا يوسف (عليه السلام)، ونصيحة أبيه، وكيد إخوته، وإلقاؤه في البئر، ونجاته منه. وتحدثت عن حقيقة الاجتباء ليوسف الصديق، وكيد الإخوة، وعداوة الشيطان للإنسان، وخطورة الحسد، وأهمية التربية للأبناء على توحيد الله ومعرفته من خلال الأسماء الحسنى، ووقوع إخوة يوسف في مكائد إبليس، ودخول يوسف في محنة الابتلاء، وصبر يعقوب عليه السلام، ونجاة يوسف من غياهب البئر بقدر الله ورعايته وحمايته.
وفي المبحث الثاني، تحدثت عن بداية التمكين ليوسف (عليه السلام)، وفتنه امرأة العزيز، ومكر نسوة المدينة، ودعاؤه بالخلاص من كيدهن. وفي المبحث الثالث، تحدثت عن دخول يوسف السجن، ودعوته لتوحيد الله عز وجل، وتفسيره لرؤيا صاحبيه. وفي المبحث الرابع، كان الحديث عن رؤيا الملك، وتفسير يوسف عليه السلام لها. وفي المبحث الخامس، بحثت في مطالبة يوسف (عليه السلام) بالتحقيق، وثبوت براءته. أما في المبحث السادس، كان الحديث عن يوسف (عليه السلام) في سُدة الحكم والسلطان والتمكين.
وفي المبحث السابع، تناولت مجيء إخوة يوسف إلى مصر، وإكرامه لهم، وطلبه حضور أخيهم من أبيهم. وفي المبحث الثامن: أخذ يعقوب (عليه السلام) الميثاق على أبنائه، وتوجيههم للتعامل مع سنة الأخذ بالأسباب، وحيلة يوسف عليه السلام في بقاء أخيه معه، وفقد يعقوب لأبنائه الثلاثة. أما في المبحث التاسع: اشتداد البلاء على يعقوب عليه السلام، وصبره العظيم، وثقته المطلقة بالله تعالى وعفو يوسف عن إخوانه. وفي المبحث العاشر: أثر البشارة على يعقوب (عليه السلام)، وطلب أبنائه منه المغفرة، واجتماع شملهم عند يوسف بمصر. وأما في المبحث الحادي عشر: تعقيبات ربانية على قصة يوسف عليه السلام.
ولخصت في خاتمة هذا الكتاب أهم ما تضمنه، وشملت مراحله، وكيف تدرج يوسف عليه السلام من سنن الابتلاء إلى التمكين، وذكرت أهم السنن والأحداث والدروس والفوائد التي يمكن لأي مسلم أو مسلمة أو أي إنسان باحث عن حقيقة الإيمان بالله، ووحدانيته، فإنه سيجدها في قراءته لهذه القصة الإيمانية الماتعة والحِكم البديعة التي جمعها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة واحدة "سورة يوسف"، وهي ترتيبها الثانية عشر بالقرآن الكريم، وهي السورة التي نزلت على رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في فترة دعوته المكّية لمؤازرته وتصبيره وطمأنته ومؤانسته في طريق الدعوة إلى الله، وإعلاء كلمة الحق.
وقد انتهيت من مقدمة هذا الكتاب في يوم الأربعاء بمدينة إستانبول بتاريخ 13 جمادى الأول 1444هـ/ 7 ديسمبر 2022م، ولكن مسودة متن هذا الكتاب كان في مدينة الدوحة العامرة، ونسأل الله أن يحفظ ديار المسلمين، ويُعيد للأمة نهوضها الحضاري في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال والجهل إلى الهدى والإيمان.
ومن أهم خلاصات قصة يوسف الصديق (عليه السلام) هي:
- ذُكر اسم يوسف (عليه السلام) في القرآن الكريم في (26) آية، ومنها (24) آية في سورة يوسف، وآية واحدة في سورة الأنعام، وآية واحدة في سورة غافر.
- سورة يوسف إحدى السور المكيّة الّتي تناولت قصص الأنبياء، وقد أفردتْ الحديث عن قصّة نبيّ الله يوسف الصديق (عليه السلام)، وما لاقاه من أنواع البلاء، ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته ومن الآخرين في بيت عزيز مصر، وفي السجن، ومن تآمر النّسوة، حتّى نجّاه الله من ذلك الضيق.
- قصة يوسف (عليه السلام) هي القصّة الوحيدة التي جاءت في مكان واحد (سورة يوسف)، ولم تتكرر في مواضع أخرى.
- هزّت سورة يوسّف المشاعر والعواطف وحرّكت الضمائر في كل زمان ومكان، إذ تجول بنا في عالم الحياة الإنسانيّة بحوادثها ووقائعها ومشاعرها وعواطفها وأفكارها وعقائدها. وإنّ الله ﷺ يقصُّ فيها مسيرة حياة الإنسان؛ إنّها قطعة من الحياة بعروقها النابضة، ومشاعرها المتأججة، ونوازع الخير والشرّ فيها.
كتاب:النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام من الابتلاء إلى التمكين، وهو متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:
http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668