(قدرة عماد الدين زنكي على اختيار الأكفاء من الرجال)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 15
بقلم: د.علي محمد الصلابي
محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م
وكان يختار الرجال الأكفاء، الذين أخلصوا له، وكانوا دعائم دولته، ودولة أبنائه من بعده، فقد كانت له همَّةٌ عالية، ورغبة في الرجال ذوي الرأي والعقل، ويرغبهم ويخطبهم، ويوفر لـهم العطاء. وقـال ابن الأثير: «حكى لي والدي: قيل للشهيد: إنَّ هذا كمال الدين، ويحصل له في كل سنة ما يزيد على عشرة الاف دينار أميرية، وغيره يقنع منه بخمسمئة دينار. فقال لهم: بهذا العقل، والرأي تدبرون دولتي؟! إنَّ كمال الدين يقل له هذا القدر، وغيره يكثر له خمسمئة دينار، إن شغلاً واحداً يقوم به كمال الدين خير من مئة ألف دينار، وكان كما قال ـ رحمه الله ـ».(1)
وكان يتعهد أصحابه، ويمتحنهم، فقد أعطى يوماً خُشكُنانكه(2) إلى طشت دار له وقال: احفظ هذه. فبقي نحو سنة لا يفارقه خوفاً أن يطلبها منه، فلما كان بعد سنة سأله عنها، فأخرجها من منديل كان لا يفارقه خوفاً من أن يطلب منه، فاستحسن ذلك، وجعله داراً لقلعة كواشي ـ (3)وهي قلعة حصينة في الجبال الواقعة شرقي الموصل ،(4) وكان يخطب الرجال ذوي الهمم والآراء الصائبة، والأنفس الأبية ويوسع في الأرزاق، فيسهل عليهم فعل الجميل، واصطناع الرجال، ومن أسباب توفيقه: أنه كان نقاداً للرجال، يعرف كيف يختار الأكفاء الصالحين منهم، ويوليهم ثقته،(5) فمن هؤلاء:
أ ـ بهاء الدين الشهرزوري الذي يقول عنه ابن القلانسي: وكان صاحب عزيمة وهمة نافذة ويقظة ثابتة.
ب ـ ومنهم وزيره ضياء الدين أبو سعيد ابن الكفرتوثي، وكان على ما حكي عنه: حسن الطريقة جميل العقل كريم النفس مرضي السياسة مشهوراً للنفاسة والرئاسة.
ج ـ ومنهم نصير الدين جقر، وقد كان لنصير الدين أخبار في العدل والإنصاف وتجنب الجور والاعتساف، أخباره متداولة بين التجار والمسافرين، ومتناقلة بين الواردين، والصادرين من السفار، وقد كان رأيه جمع الأموال من غير جهة حرام، لكنه يتناولها بألطف مقال، وأحسن فعال، وأرفق توصل واحتيال، فهذا محمود من ولاة الأمور وقصد سديد في سياسة الجمهور، وهذه هي الغاية في مرضيِّ السياسة، والنهاية في قوانين الرياسة.(6)
مراجع الحلقة الخامسة عشر:
( ) كتاب الروضتين (1/159، 160).
(2) معناها: كعكه.
(3) مفرج الكروب (1/103).
(4) الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 166.
(5) المصدر نفسه ص 166.
(6) ذيل تاريخ دمشق ص 275 الحروب الصليبية والأسرة الزنكية ص 166.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي