السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

(شبهات حول شخصية عماد الدين زنكي)

من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 18

بقلم: د.علي محمد الصلابي

محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م

إنَّ عدداً من المؤرخين يأخذون على زنكي لجوءه إلى الغدر والظلم إزاء أعدائه في بعض الأحيان، فيصفه الأصفهاني بأنه كان يبلغ في ذلك حدَّ الظلم (1)ويصفه الذهبي بالظلم، والزعارة ،(2) ويذكر أسامه بن منقذ كيف كان زنكي أحياناً يسكت عن الأساليب القاسية التي اتبعها أحياناً بعض كبار موظفيه أمثال الياغسياني حاجبه ،(3) ونصير الدين جقر نائبه في الموصل،(4) ويحمل ابن واصل عليه لدى استعراضه أحداث الهجوم على حماة عام 524هـ .

قائلاً: وارتكب أمراً قبيحاً أنكره الناس عليه، ولا شيء أقبح من الغدر. ولمَّا عزم على تلك الفعلة الشنعاء؛ استفتى الفقهاء في ذلك، فأفتاه من لا دين له، وجوَّز له ما لا يحلُّ، ولا يحسن شرعاً، وعرفاً.(5)

وقد ناقش الدكتور عماد الدين خليل تلك التهم، وقال: ..ولعل ما يبرر لزنكي موقفه هذا إزاء أمراء الشام محاولته الجادة لكسب الوقت، وتوحيد العدد الأكبر من المدن ذات الحكم الذاتي هناك من أجل الإسراع بتشكيل الجبهة الإسلامية الموحدة للوقوف بوجه الخطر الصليبي، بعد أن أدرك عدم إمكان تحقيق نصر حاسم ضدَّهم في حالة تمزق بلاد الشام إلى إمارات عديدة متطاحنة، فكان لا بد من الخدعة سيَّما وأنَّها في حالة كهذه توفر على المسلمين كثيراً من الجهود والدماء، لذا نجد زنكي يستفتي الفقهاء قبل أن يقدم على فعلته هذه، وشبيه بهذا: الحيلة الطريفة التي مكَّنته عام 529هـ من الاستيلاء على الرقَّة، دون سفك قطرة من الدم واحدة.(6)

وهل الحرب ضدَّ الأمراء الذين سبَوا وحدة الأمة، ومصالحها الحيوية إلاَّ خداعهم والكيد لهم، أمَّا إعدامه بعض أمراء بعلبك إثر استيلائه عليها بعد قتال عنيف عام 534هـ فقد جاء نتيجة نقضهم بعض الشروط التي تمَّ الاتفاق عليها قبيل مغادرتهم القلعة(7) ولعلَّ هذه الحادثة هي أبرز ما دفع المؤرخين إلى وصف زنكي بالقسوة، والغدر. وقد أشار ابن الأثيرـ في الكامل ـ إلى ذلك بقوله: واستقبح الناس ذلك من فعلِهِ، واستعظموه، وخافه غيرهم.(8 ولكن زنكي سرعان ما سعى إلى التعويض عن خطئه هذا، وذلك بإصدار العفو عن العدد الأكبر من المحكوم عليهم بالإعدام، وتولية بعلبك لنجم الدين أيوب، وهو الذي بذل جهوداً مشكورة في التوسط لهؤلاء الأمراء والدفاع عنهم.(9)

وفي حصار زنكي لقلعة جعبر 541هـ جرت مفاوضات بين الطرفين وافق فيها على تسلم مبلغ ثلاثين ألف دينار مقابل فك الحصار عن القلعة وما أن وصله الرسول حاملاً المبلغ المتفق عليه، حتى ردَّه من حيث جاء، بعد أن وردته أنباء تشير إلى أن القلعة قد أوشكت على السقوط ،(10) وهو موقف يبرره تماماً حرصه على وحدة الجبهة الإسلامية إزاء أنانيات الأمراء الصغار وأطماعهم الذاتية.(11) وأمَّا ما أورده ابن العديم من أن زنكي

كان يقول: ما يتفق أن يكون أكثر من ظالم واحد، قاصداً نفسه ،(12) فإنَّه لا يعني سوى عزمه على اتباع نظام المركزية في الإدارة، وتركيز السلطة بيد المسؤول الأعلى.(13)

 

مراجع الحلقة الثامنة عشر:

( ) تاريخ ال سلجوق ص 186.

(2) العبر في خبر من غير (4/112).

(3) الاعتبار ص 157 عماد الدين زنكي ص 177.

(4) الكامل في التاريخ نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 177.

(5) مفرج الكروب (1/42).

(6) عماد الدين زنكي ص 179.

(7) زبدة حلب (2/273) عماد الدين زنكي ص 179.

(8 الكامل في التاريخ نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 179.

(9) أخبار الروضتين نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 179.

(0 ) زبدة حلب (2/282 ـ 283).

(1 ) عماد الدين زنكي ص 179.

(2 ) زبدة حلب (2/284) عماد الدين زنكي ص 179.

(3 ) عماد الدين زنكي ص 180.

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

alsallabi.com/uploads/file/doc/106969.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022