(عماد الدين زنكي يؤسس منصب نيابة الموصل)
عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 20
بقلم: د.علي محمد الصلابي
محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م
أنشأ زنكي هذا المنصب حال دخوله الموصل في رمضان عام 521هـ وقد أطلقت المصادر عليه لقب النيابة أحياناً(1) ،ودزدارية قلاع الإمارة أحياناً أخرى.(2) ولمَّا كانت كلمة دزدار الأعجمية تعني حافظ القلعة فمن الممكن تسمية هذا المنصب بالمحافظة، وكان من مهام نائب الموصل أن يدير شؤونها وبقية أجزاء الإمارة نيابة عن زنكي، وأن يكاتب السلطان السلجوقي، والخليفة العباسي عن أحوال الإمارة خلال تغيب الأمير،(3) ومن مهامه جمع الضرائب وجباية الأموال، والإشراف المستمر على إحكام تحصينات الموصل وتعميق خنادقها، فضلاً عن الأعمال العسكرية المحصنة كالدفاع عن المدينة،(4) والقيام بحملات توسعية بناء على أوامر زنكي.(5)
وكان نائب زنكي بالموصل يشرف على إقامة الحدود، وتعقب المفسدين ومثيري الفتن، ومدمني الخمر، ومعاقبة كلٍّ منهم حسب جريمته، فضلاً عن مراقبة أبواب العاصمة والطواف في أحياء التجارة والمال وغير ذلك من الأعمال.(6) وفي أغلب الظن: أنَّ السلطات الإدارية الواسعة التي كان نائب زنكي يمارسها كانت تتطلب جهازاً إدارياً واسعاً لتنفيذ الأوامر والقرارات،(7) ومن أشهر نواب زنكي في الموصل:
نصير الدين جقر بن يعقوب 521 ـ 539هـ: هو أبو سعيد جقر بن يعقوب الهمذاني الملقب: (نصير الدين) وكان جقر أعظم أصحاب زنكي منزلة، وقد لعب دوراً هاماً في توليته على الموصل عام 521هـ (8)واتبع جقر سياسة إدارية تضاربت المصادر في تحديد سماتها، بل إن المصدر الواحد لم يستطع تجنب هذا التناقض، فابن خلكان يصفه بأنه عرف بالعدل، والإنصاف، وتجنب الجور والظلم، ثم يشير إلى أن الطابع العام لسياسته، وما اشتهر عنه هو الظلم وأنه كان: جبَّاراً عسوفاً سفاكاً للدماء مستحلاً للأموال.(9) ويشير الفارقي إلى ما لقيَ الناس منه من شدة الجور والظلم والقتل والمصادرات والأقساط(10) وكان ظلم جقر ـ كما يشير ابن خلكان ـ أحد أسباب المؤامرة التي دبرها أحد الأمراء ضده.(11)
وكان زنكي يقول عنه: إنه يخافني، وما يخاف الله.(12) ووضَّح عماد الدين خليل هذه التناقضات بقوله:..بأن جقر اتبع سياسة شديدة قاسية ممتزجة بأسلوب من الرفق و اللباقة أضفى على سياسته سمات العدل، ودفع بعض المؤرخين على عدم التأكيد على أيٍّ من الجانبين. ويظهر أنه كان قد اهتم إلى حدٍّ كبير بتجميع الأموال لحسابه وحساب أهله وأقاربه حتى إن زنكي لدى عودته إلى الموصل بعد مقتل جقر، استخرج ذخائره، وصادر معظم ما لأولئك الأقارب.(13)
إنَّ أهم الأعمال التي أنجزها جقر خلال فترة نيابته هي إحكامه لأسوار الموصل، وحفره لخنادقها، ودفاعه عنها ضد حصار الخليفة المسترشد العباسي عام 527هـ الذي اضطر أخيراً إلى الانسحاب بسبب صمود جقر (14)لقيادة جيوش زنكي لدى مهاجمة حصون الأكراد في الجهات الجبلية شمالي الموصل، حيث تمكن من الاستيلاء على معظمها ،(15) كان يساعد جقر في حكم الموصل والٍ يعينه هو.(16)
ب ـ زين الدين علي كجك بن بكتكين 539 ـ 541هـ: يعتبر زين الدين علي كجك من أبرز رجال عماد الدين، وأحد قادته الكبار وقد اشترك معه في معظم حروبه في بغداد والشام ومناطق الأكراد، وكـان زين الدين رجلاً صالحاً ذا أصل تركماني، لـقب بكجك أي: (القصير اللطيف) وكان معروفاً بالقوة والشجاعة والإقدام، رؤوفاً بالفقراء مواسٍ للمرضى ،(17) اشتهر بالمحافظة على حسن العهد، وأداء الأمانة، ولم يمارس غدراً قط ،(18) وبلغ من تقواه أن قال عنه زنكي: إنَّه يخاف الله، ولا يخافني ،(19) وقد رأى عنه أهل الموصل كلَّ خير،(20) واستقام له الأمر، وحسنت بتدبيره الأحوال،(21) وانتشر الأمن في المنطقة، وازداد عمران البلاد،(22) وتحققت بهذا امال السكان.(23)
مراجع الحلقة العشرون:
(1) ذيل دمشق ص 263 ـ 270، عماد الدين زنكي ص 234.
(2) الباهر ص 35، الروضتين في أخبار الدولتين (1/76).
(3) ذيل تاريخ دمشق ص 263 عماد الدين زنكي ص 235.
(4) وفيات الأعيان (1/315، 316).
(5) الباهر ص 64 عماد الدين زنكي ص 235.
(6) عماد الدين زنكي ص 235، 236، 237.
(7) المصدر نفسه ص 238.
(8 الباهر ص 34 ـ 35.
(9) وفيات الأعيان (1/315 ـ 316).
(0 ) عماد الدين زنكي ص 239.
(1 ) وفيات الأعيان(1/316).
(2 ) الاعتبار ص 157.
(3 ) وفيات الأعيان(1/316).
(4 ) المصدر نفسه(1/315 ـ 316).
(5 ) الباهر ص 64 عماد الدين زنكي ص 240.
(6 ) عماد الدين زنكي ص 240.
(7 ) الاعتبار ص 177 ـ 178.
(8 ) الباهر ص 135.
(9 ) الاعتبار ص 157 عماد الدين زنكي ص 241.
(20) وفيات الأعيان(1/316) عماد الدين زنكي ص 242.
(21) ذيل تاريخ دمشق ص 281 ـ 282.
(22) ذيل تاريخ دمشق ص 281 ـ 282.
(23) الباهر ص 84 عماد الدين زنكي ص 242.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي