(من هوايات عماد الدين زنكي)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 19
بقلم: د. علي محمد الصلابي
محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م
كان طبع عماد زنكي جاداً، وعمله المتواصل من أجل تحقيق أهدافه السياسية، والعسكرية يستنفذان الكثير من وقته، ولا يتيحان له من الفراغ للراحة والتمتع إلا القليل القليل، وفي هذه الفترات المتباعدة من التحرُّر من قيوم العمل والمسؤولية كان زنكي يسعى للترفيه عن نفسه وممارسة هواياته المفضلة التي كان الصيد والطراد أبرزها، وأقربها إلى طبيعته الحادة.(1)
ويحدثنا ابن منقذ عن الجولات التي قام بها مع أمير الموصل وعن أنواع الصيد ووسائله وحيله، ولنستمع إليه: شاهدت زنكي يوماً، وكانت له الجوارح الكثيرة، ونحن نسير على الأنهار، فيتقدم البازدارية(2) بالبزاة، ويطلقونها على طيور الماء، وتدق الطبول كجاري العادة، فتصيد ـ من طيور الماء ـ ما تصيد، وتخطىء ما تخطىء، ووراءهم الشواهيق الجبلية على أيدي البازدارية، فإذا أخطأت البزاة؛ أرسلوا الشواهيق على الطيور. ويستطرد ابن منقذ قائلاً: وشاهدته يوماً ونحن بظاهر الموصل، وبين يديه بازدار وعلى يده باشق، فطار ذكرُ دراج، (3) فأرسله عليه، فأخذه ونزل. فلما صار في الأرض ـ تمكن من الإفلات ـ فلما ارتفع لحقه الباز وأخذه ونزل به وقد ثبَّته.(4)
ثم يمضي ابن منقذ يقصُّ علينا وجوهاً أخرى من الصيد، الذي كان يألفه زنكي ويهواه فيقول: ورأيت زنكي وهو في صيد الوحش مراراً عديدة، فإذا ما نصبت الحلقة واجتمعت الوحوش داخلها ـ ثم حاولت الخروج ـ رموها وكان زنكي من أرمى الناس، فكان إذا دنا منه الغزال؛ رماه فنراه كأنَّه قد عثر فيقع ويذبح. وشاهدته وقد ضربوا الخيام، فوصل الوحش إلى الخيام، فخرج الغلمان بالعصي والعمد فضربوا منها شيئاً كثيراً....وشاهدته يوماً؛ ونحن بسنجار؛ وقد جاءه فارس من أصحابه فقال: ها هنا ضبعة نائمة، فسار زنكي، ونحن معه إلى وادٍ هناك والضبعة نائمة على صخرة في سفحه، فترجَّل ومشى حتى وقف مقابلها وضربها بنشابه، فوقعت أسفل الوادي، فنزلوا وجاؤوا بها بين يديه؛ وهي ميِّتة.(5)
وكان الملوك والأمراء إذا أرادوا التقرب إلى زنكي وكسب ودِّه؛ قدّموا له هدايا مما اصطادوه من طيورٍ، وحيوانات شتَّى، وكان يرد عليهم ـ بدوره ـ بهدايا مما جنته يداه في جولات الصيد والطراد: فهوداً وبزاة وصقوراً.(6) ولم يكن تعشُّق زنكي لسباق الخيل ومهارات الفروسية بأقل من تعشُّقِهِ للصيد والطراد، فهذه هواية تصدر هي الأخرى عن الطبع الجاد والرغبة في قضاء أوقات الفراغ بما هو مجدٍ في عصر كانت الفروسية فيه شارته الأولى.(7) وفي فترات أخرى من فترات الفراغ المتباعدة كان زنكي يروِّح عن نفسه بالقيام منفرداً برحلات هادئة على نهر دجلة، متخففاً من أعباء ومهام إمارة شاسعة الأطراف يتربَّص بها الأعداء من كلِّ جانب.(
مراجع الحلقة التاسعة عشر:
( ) عماد الدين زنكي، ص 180.
(2) الاعتبار ص 192 ـ 193.
(3) الدراج: طير من فصيلة الدجاج.
(4) الاعتبار ص 192 ـ 193.
(5) الاعتبار ص 192 ـ 193.
(6) زبدة حلب (2/263).
(7) عماد الدين زنكي ص 181.
( المصدر نفسه.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي