(نظام التوظيف في عهد عماد الدين زنكي)
من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 23
بقلم: د.علي محمد الصلابي
محرم 1444 ه/ أغسطس 2022م
اهتم عماد الدين زنكي بأمر الوظائف والموظفين اهتماماً كبيراً كي يستطيع أن يسيِّر أمور دولته بشكل منظَّم، وكي يجنب جهازه الإداري الهزات التي كثيراً ما تعرقل سير الأمور، وقد طبَّق زنكي مبادأى إدارية، منها:
أ ـ مبدأ تكافؤ الفرص في المجال الإداري: كي يتحقق هدفه انف الذكر، ويضع يديه على الموظفين الأكفاء فكان: يتعهد أصحابه، ويمتحنهم فلا يرفع أحداً فوق قدره الذي يستحقه، ولا يضعه دونه، (1)كما كان يجعل كفاءة الشخص أساساً لتقدير راتبه.
ب ـ الثقة على قدر المعرفة: فكان يولي موظفيه على قدر ما يعلم منهم كي يشعرهم بالأمن والاستقرار، وهو أمر ضروري لتقديم خدماتهم الإدارية على أحسن وجه.
ج ـ مبدأ كفاءة الشخص: فقد جعل من كفاءة الشخص أساساً لتقدير راتبه.(2)
س ـ ثقته في موظفيه: فكان: قليل التلون والتنقل، بطيء الملل والتغيُّر، شديد العزم، لم يتغيَّر على أحد من أصحابه مُذْ ملك إلى أن قتل إلاَّ بذنب يوجب التغيُّر، والأمراء والمقدمون الذين كانوا معه أوَّلاً هم الذين بقوا معه أخيراً، فلهذا كانوا ينصحونه، ويبذلون نفوسهم له ،(3) وهذا هو الذي دعا جمال الدين الوزير إلى وصف زنكي بأنَّه كان متمكناً، قوي العزم، لا يتجاسر أحد على الاعتراض عليه، ولا يتلون بأقوال أصحابه، ممَّا دفع أصحابه إلى حفظه.(4)
ش ـ انتقاء الموظفين: كان زنكي ينتقي موظَّفيه من الرجال ذوي الهمم العالية، والآراء الصائبة، والأنفس الأبيَّة(5) فإذا ما أضيف إلى ذلك توسيعه في رواتب موظفيه؛ (6)أدركنا مدى إخلاص هؤلاء له، ولعملهم، ومدى سير الأمور الإدارية في ولايته سيراً طبيعياً. وخير مَثَل على ذلك: موظفه الكبير جمال الدين الأصفهاني الذي أظهر في أيَّامه من الكفاية والنظر في صغير الأمور وكبيرها، والتحقيق فيها ما يدل على تمكنه من الكفاية، فلمَّا وزر جمال الدين نفسه لقطب الدين مودود بن زنكي؛ قلَّت كفايته وصار يهمل بعض الأمور، وعندما سأله أحد الموظفين عن السبب في ذلك أجاب: ليست الكفاية عبارة عن فعل واحد في كل زمان، إنما هي أن يسلك الإنسان في كل زمان ما يناسبه.(7)
ع ـ المركزية في الحكم: يقول بعض الباحثين كان زنكي يؤمن بما يُسَمَّى اليوم (الدكتاتور العادل) ويسعى إلى تطبيق هذا المبدأ في مجال الإدارة، فكان يقول: ما يتفق أن يكون أكثر من ظالم واحد ـ يعني نفسه.(8 ويقول عماد الدين خليل: كلمة (ظالم) تعني: السيطرة الفردية المركزيَّة في الحكم، وعدم السماح للموظفين الاخرين بالارتفاع إلى مستوى مسؤوليته في الإدارة، ومشاركته في الحكم ؛ ولهذا السبب ـ نفسه ـ لم يكن زنكي يسمح لموظفيه وعماله بظلم أحد من أفراد الرعية أو التعرض لهم بأي أذىً. وقد عاقب عز الدين الدبيسي ـ وهو من أكابر أمرائه ـ لأنَّه سلب أحد يهود جزيرة ابن عمر بيته،(9) وعاقب أحد ولاته بسمل عينيه لتعرضه لامرأة ،(10) فخاف الولاة، وانزجروا(11) وعجز القوي عن ظلم الضعيف.(12)
مراجع الحلقة الثالثة والعشرون:
( ) الباهر ص 79 عماد الدين زنكي ص 266.
(2) الباهر ص 63 عماد الدين زنكي ص 266.
(3) عماد الدين زنكي ص 266.
(4) الباهر ص 82 ـ 83 عماد الدين زنكي ص 266.
(5) أخبار الروضتين(1/114).
(6) عماد الدين زنكي ص 267.
(7) الباهر ص 82 ـ 83 عماد الدين زنكي ص 267.
(8 زبدة حلب(2/284) عماد الدين زنكي ص 266.
(9) الباهر ص 77 عماد الدين زنكي ص 267.
(0 ) الباهر ص 84 عماد الدين زنكي ص 267.
(1 ) مرآة الزمان(8/190).
(2 ) زبدة حلب(2/284).
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي