الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

(عماد الدين زنكي وسياسة الإعمار)

اقتباس من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 25

بقلم: د.علي محمد الصلابي

صفر 1444 ه/ أغسطس 2022م

استطاع زنكي، بإدارته الحازمة وضبطه للأمور (1)وعدالته وبمساعدة أجهزة الجيش والبريد أن يحقق نتائج هامة في إمارته في مجال إقرار الأمن والقضاء على المفسدين، ونشر العمران في البلاد، حيث يشير ابن العديم إلى أن البلاد عمرت في أيام زنكي بعد خرابها، وسادها الأمن بعد الخوف، وكان زنكي لا يبقي على مفسد ،(2) وقد كان الأمن مضطرباً في الموصل نفسها خلال الفترة التي سبقت حكم زنكي، ويورد ابن الأثير نصاً يلقي ضوءاً على الموضوع، رغم ما فيه من مبالغة، يقول فيه: كان الناس لا يقدرون على المشي إلى الجامع غير يوم الجمعة لبعده عن (3)العمارة، وكانت معظم المناطق البعيدة عن المركز خربة لا عمران فيها، ولا أمن، وسرعان ما ساد العمران هذه المناطق لدى مجيء زنكي ،(4) بفضل حمايته للبلاد ومنعه المفسدين، وكفه أيدي الأقوياء.(5)

وكان لانتشار الأمن في المنطقة أثر واضح في زيادة عدد السكان في إمارة زنكي، (6)كما غدت الموصل ملجأ للمهاجرين من بغداد بسبب فقدان الأمن هناك واشتداد الضوائق الاقتصادية.(7) وبالإمكان معرفة الدَّور الذي لعبه زنكي في مجال الأمن بتتبع ذلك في الأيام التي أعقبت اغتياله حيث اضطربت الأعمال، واختلَّت المسالك، وانطلقت أيدي الحراميَّة في إفساد الأطراف، والعبث في سائر النواحي.(8

وعندما كان زنكي يسيطر على المدن؛ لم يكن يترك جنوده يتحكمون بمقدَّراتها ويسيئون إلى أهاليها، وينشرون الرعب والفوضى في ربوعها، بل كان سرعان ما يعين عليها والياً من قبله؛ كي تكون الكلمة والسلطة بأيدي رجال مدنيين، من أجل إحلال الأمن في المدينة وإعمارها ،(9) وكان لا يسمح ـ أبداً ـ لجنده ـ خلال التحركات والعمليات الحربية بأن يعتدوا على الفلاحين بنهب أو تخريب مزارعهم، فكان العسكر يمشي خلفه كأنهم بين خيطين، مخافة أن يدوس العسكر شيئاً من الزرع، ولا يجسر أحد من أجناده أن يأخذ ـ ولو مقداراً ضئيلاً من التبن ـ من فلاح إلاَّ بثمنه، أو بخط من الديوان إلى رئيس القرية وإن تعدَّى أحد؛ صلبه.(10)

ففي عام 528هـ مثلاً ـ قام بالقضاء على أعمال النهب والفوضى التي كان يقوم بها بعض أكراد شرقي الموصل ضد الفلاحين(11) وفي عام 533هـ استولى على منطقة شهرزور التركمانية: فأصلح أحوال أهلها وخفف عنهم ما كانوا يلقونه من التركمان.(12) وفي عام 537هـ استطاع أن يستولي على عدد من حصون الأكراد شمالي الموصل وأن يقضي على أعمال الفساد في المنطقة.(13)

وفي عام 539هـ قام عسكره ـ إثر استرجاع الرُّها من الصليبيين ـ باستباحة المدينة خلال الأيام الأولى من الفتح، فلما دخل زنكي البلد أعجبه منظره، فأسف لمثله من الخراب، ورأى أن تخريبه وإخلاءه من أهله غير مستحسن من مثله فأمر بإعادة ما أخذ من سبي وأموال، فردوا عن اخرهم، وعاد البلد عامراً آهلاً آمناً ،(14) ثم أصدر أوامره بإعادة إعمار الرُّها ،(15) فأصلح أحوال أهلها، وخفف عنهم ما كانوا يلقونه من التركمان .(16) وفي عام 537هـ استطاع أن يستولي على عدد من حصون الأكراد شمالي الموصل وأن يقضي على أعمال الفساد في المنطقة.(17) ولا أدلَّ على حب عماد الدين زنكي للإعمار ورفقه بأهالي المناطق المفتوحة من تعيينه نجم الدين أيوب والياً على بعلبك عام 534 هـ، وهو الذي توسَّط لدى زنكي في العفو عن أمراء بعلبك الذين حكم عليهم بالإعدام، فأجابه زنكي إلى طلبه وولاه على بعلبك وأقطعه ثلثها.(18).

مراجع الحلقة الخامسة والعشرون:

(1) الباهر ص 13 عماد الدين زنكي ص 270.

(2) زبدة حلب(2/284) عماد الدين زنكي ص 270.

(3) الباهر ص 77 عماد الدين زنكي ص 270.

(4) الباهر ص 77 ـ 78 عماد الدين زنكي ص 271.

(5) المصدر نفسه ص 77.

(6) الكامل في التاريخ نقلاًعن عماد الدين زنكي ص 271.

(7) الكامل في التاريخ نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 271.

(8 كتاب الروضتين نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 271.

(9) عماد الدين زنكي ص 271.

(0 ) زبدة حلب(2/283 ـ 284) عماد الدين زنكي ص 271.

(1 ) عماد الدين زنكي ص 271.

(2 ) الباهر ص 57 ـ 58 عماد الدين زنكي ص 272.

(3 ) الباهر ص 64 مراة الزمان(8/190) عماد الدين ص 272.

(4 ) الباهر ص 69 عماد الدين زنكي ص 272.

(5 ) زبدة حلب(2/279 ـ 280).

(6 ) الباهر ص 57 ـ58 عماد الدين زنكي ص 272.

(7 ) الباهر ص 64 مراة الزمان(8/190) عماد الدين زنكي ص 272.

(8 ) كتاب الروضتين(1/86 ـ 87).

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

alsallabi.com/uploads/file/doc/106969.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022