من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج1)
(شهادة العلماء في الأمير وصلته بزعماء الإصلاح)
الحلقة: التاسعة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ نوفمبر 2020
شهد المؤرخون والعلماء من أمثال مفتي المالكية العلامة محمد عليش وولده الشيخ الأزهري عبد الرحمن عليش، والعلامة عبد الرزاق البيطار وحفيده الشيخ محمد بهجة البيطار والعلامة جمال الدين القاسمي، ومفتي الحنابلة الشيخ محمد جميل الشطي، واخرون كثر شهدوا للأمير بالفضل والديانة والغيرة على دين الإسلام، وأشادوا بحرصه على إقامة أحكام الشريعة وحدودها، وسعيه الحثيث لنشر علوم الدين، كما كان للأمير دور كبير في إحياء وتجديد فريضة الجهاد ورفع رايتها إلى جانب بعث علوم الحديث النبوي الشريف ونشرها، والحث على العمل بها، والسعي في القضاء على البدع ونبذ التقليد الأعمى الممقوت، والدعوة إلى استعمال العقل والنظر في فهم ونشر مختلف العلوم.
فالعقل مناط التكليف ومحور الثواب وأساس النقل، ولا تعارض بين العقل والنقل، ولا يمكن للإنسان المخلوق في هذا الكون أن يدرك بعقله وبنظرياته وفلسفاته أسرار الحياة والكون ووجوده وخباياه وبداية خلقه
والسبب من ذلك وفناءه ؛ بالعقل وحده، فكل ما يتصل بمسائل الغيب والعقيدة عن الله والملائكة والكتب السماوية والرسل واليوم الاخر والقضاء والقدر وغايات الحياة وأسرار الكون، ليس له مصدر إلا وحي الله المنزل، القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين، وأما عن علاقة الأمير بزعماء الإصلاح والتجديد، فقد كان مواكباً للتطورات التي حدثت في عهده، وتواصل مع شخصيات إسلامية لها مكانتها في الجهاد والإصلاح، أمثال الشيخ كامل الداغستاني، وخير الدين التونسي، والشيخ محمد عبده الذي يبدو أنه جالس الأمير عدة مرات، عندما كان الشيخ منفياً في بيروت، ولاشك أن الشيخ محمد عبده تحدث مع الأمير عن التجديد والإصلاح، وعن جمال الدين الأفغاني وجمعية العروة الوثقى.
وأما ميل الأمير للإصلاح الإسلامي فيظهر في الرسائل المتبادلة بينه وبين خير الدين باشا التونسي صاحب كتاب «أقوم المسالك» فقد أهدى خير الدين كتابه إلى الأمير عبد القادر، فقرأه وأعجب بمحتواه واراء صاحبه، ثم وجه خطاب شكر وإعجاب إلى خير الدين، والعبارات التي وردت في هذا الخطاب تصور رأي الأمير في مفهوم الإصلاح الذي دعا إليه خير الدين، فبعد أن عبر له عن شكره لدفاعه عن الشريعة الإسلامية وصلاحيتها للحكم لكل زمان ومكان، قال: وقد اطلعنا على «أقوم المسالك» فرأينا فيه ما بهر العقول، وأدى الأفكار إلى الذهول من قضايا المعقول، فاتفقت القلوب على تفضيله، واختلفت الألسنة في تمثيله، أما نحن فقد تركنا التشبيه وقلنا: ما له في فنه مثيل ولا شبيه، كتاب تنفس الدهر به تنفس الروض في الأسحار.. يزرى بتاج تراجم الأعيان وكأنه مراة انعكست فيه رسوم أخبار الملوك وأفاضل الزمان، فاتخذته مرتع ناظري، ومنتعش خاطري، ولا يخفى أن لكل عصر رجال يقومون بأعبائه ويهيمون في أودية أنبيائه.. فلله درُّك ودرُّ ما به ألمعت، وما قربت من فنون المعارف وبعدت، ثم إنك حميت ضمار الشرع المحمدي وعضدته، وقطعت عنه ضرر الملحدين وخضدته. ورغم هذا السجع والعناية بالبديع فإن رأي الأمير يتلخص في الإعجاب بالكتاب، للأسباب التالية:
ـ دفاع صاحبه عن صلاحية الشريعة الإسلامية للحكم في كل زمان ومكان.
ـ اهتمامه بقضايا المعقول والمنقول، وفنون المعارف العصرية والإشارة إلى أن لكل عصر رجالاً يقومون فيه بدور الدعاة إلى الله.
ـ كونه كتاباً نادراً في أخبار الملوك وأفاضل الزمان ـ مسلمين وأوروبيين ـ لذلك اتخذه الأمير منتعش خاطره، وهو تعبير لماح وكاشف عما نحن بصدده.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com