من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج1)
(كتاب تحفة الزائر لمحمد باشا الإبن الأكبر للأمير عبد القادر الجزائري)
الحلقة: الثامنة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ نوفمبر 2020
تناول المؤلف في هذا الكتاب تاريخ الجزائر الجغرافي والسياسي وتاريخ والده وجعله في جزأين، كتب في الأول تاريخ الجزائر ككل وتاريخ والده العسكري وملاحمه البطولية بالتفصيل، وأكثر المعلومات في هذا المجال أخذها من والده أثناء حياته، حيث بدأ بتأليف الكتاب، وأخذ أيضاً معلومات من المجاهدين الذين رافقوا والده أثناء المعارك، وقادة الجيش ومن وزرائه أي من خلفائه في المدن الذين لحقوا به إلى دار الهجرة في دمشق، ومن أعمامه الذين شاركوا شقيقهم في الجهاد وهم سعيد وأحمد ومصطفى وسُجنوا معه في أمبواز.
وفي الجزء الثاني تناول حياة والده في السجن، وتفاصيل أخرى عن زيارة إمبراطور فرنسا له وإطلاق سراحه وذهابه إلى دار الخلافة، واختيار مدينة بورصة ثم دمشق.
ولقد كتب الدكتور المؤرخ الكبير ابو القاسم سعد الله في موسوعته الجديدة «تاريخ الجزائر الثقافي» أن الوالد هو من مكن ابنه من المعلومات والوثائق العسكرية والتاريخية والعائلية الهامة التي ساعدته على تأليف هذا المخطوط ؛ الذي انتهى منه بعد وفاة والده الأمير عبد القادر بسبع سنوات، ولكنه بعد انتهائه سرقت منه النسخة، وهذه النسخة بعد أن سُرقت حُرقت وأنقذ منها الجزء الأول، فجمع المؤلف ما تبقى من المواد حسب قوله في مقدمة الكتاب ثم سلمها إلى ناشر في أحد دور النشر بالإسكندرية عام (1898م) تقريباً ولقد ذكر الدكتور أبو القاسم أنه عثر على نسخة من هذا الكتاب مهداة إلى السلطان عبد الحميد الثاني عام (1307هـ)، وبمقارنتها بالنسخة المطبوعة عام (1903م) في القاهرة وجد فروق هامة في بعض التفاصيل بين النسختين.
على أي حال فكتاب «تحفة الزائر» قيم جداً ذكر تفاصيل هامة للمعارك والانتصارات الباهرة التي أحرزها جيش الأمير على القوات الغازية، من هذه الملاحم معركة «المقطع» وسيدي إبراهيم وعشرات غيرها، مما لم يذكرها أحد قبله بهذه الدقة، فكان هذا الكتاب المرجع الأول في اللغة العربية للباحثين.
قالت الأميرة بديعة الحسني الجزائري: واثناء دراستي لهذا الكتاب النادر «تحفة الزائر» طبعة الإسكندرية وجدت أن المؤلف أو الناشر والله أعلم قد استعان بمؤلفات أجنبية، من أكثرها كتاب «حياة عبد القادر» لهنري تشرشل، الضابط البريطاني بعد فقدانه لنسخته الأصلية، وبما أنه كان لا يتقن اللغات سوى العربية والتركية، سلّم ما تبقى من النسخة المسروقة إلى دار نشر قامت بعمليات التنقيح والتحرير والنقل، واكتشفتُ الكثير من المتناقضات والانسلاخ عن المضمون الذي أراد المؤلف قوله، فدور النشر في مصر في ذلك العصر كانت تمتاز بالجودة، ولكنها لم تكن بعيدة عن الهيمنة البريطانية ؛ التي لم يكن غزوها لمصر عسكرياً فقط، وإنما كان فكرياً أيضاً، وهدفها السياسي كان إخراج مصر من عالمها العربي والإسلامي، وجعل الشعب المصري سداً بين مشرق العالم العربي وغربه، ومحاولة تجنيد الشباب المصري في الجيش البريطاني لقتال إخوتهم في فلسطين، وفشل مشروعها هذا بعد أن ثارت الصحافة المصرية فانبرت «البلاغ» بالإعراب عن الغضب، وكذلك الجمعيات والشعب المصري بأكمله، وأصدر علماء الدين فتوى في ذلك الحين بتكفير كل من ينضم إلى الجيش البريطاني لمحاربة إخوانه في فلسطين.
كما أن دور النشر لم تسلم أيضاً من الغزو الفكري، ولو أن محمد باشا قرأ كتابه بتأن واطلع على المزاعم التي دُست في صفحتين من الجزء الأول لطالب بتقديم الناشر إلى القضاء، والله أعلم، ففي كل احتلال غاشم لابد من وقوع ضحايا، وكتاب «تحفة الزائر» من الضحايا، ففي دار الناشر ارتكبت الجرائم ضده دون أن يجد من يدافع عنه أو يحميه من الدّس، لأن المؤلف محمد باشا كان في دمشق والظروف السياسية لم تكن تسمح له بالسفر، فأخذ الناشر المأجور المغرض المسؤول عن الترجمة والتحرير والتنقيح أخذ حريته بانتقاء مدروس من الكتب الأجنبية ما شاء له هواه وبصورة خاصة من كتاب هنري تشرشل الذي تحدثت عنه سابقاً.
إن المدقق والباحث والمطلع على شخصية هذا المجاهد الكبير لا يستطيع التسليم بصحة كل ما كتب عنه في الجزء الثاني من كتاب «تحفة الزائر».
وفي الصفحة الأخيرة من الجزء الأول، إن لم نقل الإنكار الشديد لبعض الألفاظ وليس الوقائع فالأحداث كلها صحيحة لا ريب، ولكن الاستنكار للألفاظ والتحريف والتأويل الخاطأئ من حذف وإضافات مغرضة، منها مثلاً ما جاء في أسئلة الجنرال دوماس صفحة (178) من التحفة السؤال الثالث عشر، وجواب الأمير عليها في موضوع تعليم النساء، فإذا حذف كلمة لكن وحذف لا من الجملة «لكن شرع الإسلام لا ينهى عن تعليم النساء الكتابة» وهو أمر بغاية السهولة، فنجد أن المعنى كله قد تغير، فيصبح جواب الأمير بعد هذا الحذف «شرع الإسلام ينهى عن تعليم النساء الكتابة»، فالسائل ضابط فرنسي خاض معارك دامية ضد الأمير سنين طويلة في الجزائر، وتعلم اللغة العربية ودرس التاريخ الإسلامي عن طريق مؤلفات المستشرقين، وعدد كبير من أمثاله درسوا التاريخ الإسلامي وسير العظماء، وساروا وراء أحقادهم، واندفعوا وراء أوهام أرادوها حقائق في ديننا وتاريخ أمتنا وسير أبطالنا.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com