الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

أشراط الساعة الكبرى في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة

الحلقة: السادسة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يوليو 2020


أولاً ـ نزول عيسى عليه السلام:
نزولُ عيسى عليه السلام في اخر الزمان ثابتٌ في الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة، وذلك علامةٌ من علامات الساعة الكبرى :
أ ـ الأدلة من القرآن الكريم على نزول عيسى عليه السلام:
1 ـ قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ *وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ *إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ *وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ *وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ*﴾ [الزخرف: 57 ـ 61] .
فهـذه الآيات جاءت في الكلام على عيسى عليه السلام ، وجاء في اخرها قوله تعالى: أي نزول ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة[(211)] .
2 ـ وقال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً *بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا *وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا *﴾ [النساء: 157 ـ 159] فهـذه الآيات، كما أنها تدلُّ على أنَّ اليهودَ لم يقتلوا عيسى عليه السلام ، ولم يصلبوه، بل رفعه الله إلى السماء، كما في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 55] فإنّها تدلُّ على أنَّ مِنْ أهل الكتاب مَنْ سيؤمنُ بعيسى عليه السلام اخرَ الزمان، وذلك عند نزوله، وقبل موته، كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة الصحيحة.
وعيسى عليه السلام حيٌّ، وقد ثبت في (الصحيحين) عن النبيِّ(ﷺ) أنه قال: «والذي نفسي بيده ليوشكنَّ أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حَكَماً عَدْلاً، وإماماً مُقْسِطاً، فيكسِرُ الصليبَ، ويقتلُ الخنزيرَ، ويضعُ الجزيةَ، ويفيضُ المالُ حتى لا يقبله أحدٌ» .
وثبت في ( الصحيح ) عنه أنّه ينزل على المنارةِ البيضاء شرقي دمشق، وأنّه يقتلُ الدجّال، ومن فارقت روحُه جسدَه، لم ينزل جسدُه من السماءِ، وإذا أُحييَ، فإنَّه يقومُ من قبره .
وأما قوله تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: 55] فهـذا دليلٌ على أنّه لم يعنِ بذلك الموتَ، إذ لو أراد بذلك الموت، لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين، فإنَّ الله يقبِضُ أرواحهم، ويعرجُ بها إلى السماء، فعُلِمَ أنّه ليس له في ذلك خاصيةٌ، وكذلك قوله: ولو كان قد فارقت روحُه ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، لكان بدنه في الأرض، كبدن سائر الأنبياء، أو غيره من الأنبياء، وقد قال تعالى في الآية الآخرى ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: 157 158] فقوله هنا يبين أنّه رُفِعَ بدنُه ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾، كما ثبت في (الصحيح) أنه ينزلُ ببدنه وروحه، إذا لو أيدَ موتُه لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات .
وفي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: 159] قال: قبل موت عيسى بن مريم .
ب ـ والأدلة من السنة على نزول عيسى عليه السلام كثيرة ومتواترة منها:
1 ـ قال رسول الله (ﷺ): « والذي نفسي بيده، ليوشِكَنّ أنْ ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حَكَماً عَدْلاً، فيكسِرُ الصليبَ، ويقتلُ الخنزيرَ، ويضعُ الحربَ، ويفيضُ المالُ حتّى لا يقبلَه أحدٌ، حتى تكونَ السجدةُ الواحدةُ خيراً من الدنيا وما فيها».
2 ـ وقال رسول الله (ﷺ): « كيف أنتم إذا نزلَ ابنُ مريمَ فيكم وإمامُكم مِنْكُم » ؟
3 ـ وقال رسول الله (ﷺ): « لا تزالُ طائفةٌ من أمتي يقاتِلُونَ على الحقِّ، ظاهرينَ، إلى يومِ القيامةِ، قال: فينزلُ عيسى بن مريم 4 فيقولُ له أميرُهم: صلِّ لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضَكُم على بعضٍ أمراء، تَكْرُمة اللهِ هـذه الأمةِ».
وقد جاءت الأحاديثُ في نزول عيسى عليه السلام في الصحاح والسنن والمسانيد وغيره من دواوين السنة، وهي تدلُّ دلالةً صريحةً على نزول عيسى عليه السلام ، ولا حجّةَ لمن ردّها.
ثانياً ـ يأجوج ومأجوج :
خروج يأجوجَ ومأجوجَ في اخر الزمان علامةٌ من علامات الساعة الكبرى، وقد دلّ على ظهورهِم الكتابُ والسنةُ :
والآيات الدالة على ظهور يأجوج ومأجوج هي :
1 ـ قال تعالى في سياقه لقصة ذي القرنين :
﴿مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا *آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا *قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا *وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا *﴾ [الكهف: 92 ـ 99] .
2 ـ وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ *وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ياوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ *﴾ [الأنبياء: 96 ـ 97] .
فهـذه الآيات تدلُّ على أنّ الله تعالى سخّر ذا القرنين الملكَ الصالح لبناء السدّ العظيم، ليحجزَ بين يأجوج ومأجوج القوم المفسدين في الأرض وبين الناس، فإذا جاء الوقتُ المعلوم، واقتربتِ الساعةُ، اندكّ هـذا السدُّ، وخرجَ يأجوجُ ومأجوجُ بسرعةٍ عظيمةٍ، وجمعِ كبيرٍ، لا يقفُ أمامَه أحدٌ من البشر، فماجوا في الناس، وعاثوا في الأرض فساداً، وهـذا علامةٌ على قرب النفخ في الصور، وخرابِ الدنيا، وقيام الساعة .
والأحاديث الصحيحة الدّالةُ على ظهور يأجوج ومأجوج كثيرةٌ منها :
عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش، أنّ رسول الله (ﷺ) دخلَ عليها يوماً فزعاً يقول: « لا إلـه إلا الله، ويلٌ للعربِ مِنْ شرٍّ قَدِ اقتربَ، فُتِحَ اليومَ مِنْ رَدْمِ يأجوجَ ومأجوجَ مُثْلُ هذِهِ » وحلّقِ بأصبعي الإبهامِ والتي تليها . قالت زينبُ بنت جحش: فقلتُ: يا رسول الله أفنهلكُ وفينا الصالحون، قال: « نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ » .
ثالثاً ـ الدخان:
قال تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ *يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *﴾ [الدخان: 10 ـ 11] .
ومن علامات الساعة وأشراطها العظمى ظهورُ دخانٍ قَبْلَ قيام الساعة، يملأُ الأرضَ كلَّها، فتصبحُ كبيتٍ أوقد فيه، فيأخذُ بالمؤمنين كالزكمةِ، ويدخلُ في منافذِ الكفّار والمنافقين حتى يخرجَ من كلِّ مسمعٍ منهم .
وعن حذيفة بن أُسيدٍ الغفاري أنه قال: اطّلع رسولُ الله (ﷺ) علينا، ونحن نتذاكَرُ فقال: « ما تذكرون ؟ » قلنا: نذكر الساعة، قال: « إنّها لَنْ تقومَ حتّى تروا قبلَها عشرَ آياتٍ، فذكر: الدخانَ، والدجّالَ، والدابةَ، وطلوعَ الشمسِ من مغربها، ونزولَ عيسى بنِ مريم، ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خسوفٍ، خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب واخرُ ذلك نارٌ تطردُ الناسَ إلى محشرهم » .
رابعاً ـ طلوع الشمس من مغربها:
من أعظم أشراط الساعة الكبرى، وبه يُغْلَقُ بابُ التوبة .
الآية الدالة على ذلك :
قد ذكر الله تعالى طلوع الشمس من مغربها في قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ *﴾ [الأنعام: 158] .
وقد دلّت الأحاديثُ الصحيحةُ أنَّ المراد ببعض الآيات المذكورة في الآية هو طلوعُ الشمسِ من مغربها، وهو قول أكثر المفسرين .
قال الطبري بعد ذكره لأقوال المفسرين في هـذه الآية: وأولى الأقوالِ بالصوابِ في ذلك ما تظاهرتْ به الأخبارُ عن رسول الله (ﷺ) أنه قال: « ذلك حينَ تطلعُ الشمسُ من مغربها » .
والأحاديث الدالة على طلوع الشمس من مغربها كثيرة منها :
قال رسول الله (ﷺ): « لا تقومُ الساعةُ حتّى تطلعَ الشمسُ مِنْ مغربها، فإذا طلعتْ، فراها الناسُ، امنوا أجمعون، فذاكَ حينَ لا ينفعُ نفسَاً إيمانُها لم تكن امنتْ من قبلُ أو كسبتْ في إيمانها خيراً ».
خامساً ـ خروج الدابة:
قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ *﴾ [النمل: 82] .
فهـذه الآية الكريمة جاء فيها ذكرُ خروج الدابة، وأنَّ ذلك يكون عند فساد الناس، وتركهم أوامرَ الله، وتبديلهم الدينَ الحقَّ، يُخرِجُ لهم دابةً من الأرض، فتكلِّمُ الناسَ على ذلك قال العلماء في معنى قوله تعالى: ﴿وَقَعَ الْقَوْلُ﴾: وجبَ الوعيدُ عليهم، لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان، وإعراضهم عن آيات الله، وتركهم تدبرها، والنزول على حكمها، وانتهائهم في المعاصي إلى ما لا تنجح معه فيه موعظةٌ، ولا تصرفهم عن غيهم تذكرةٌ، يقول عز من قائل فإذا صاروا كذلك: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾: دابة تعقِلُ وتنطق، والدواب في العادة لا كلامَ لها ولا عقل، ليعلم الناس أن ذلك اية من عند الله .
روى مسلم في ( صحيحه ) عن أبي هريرة عن النبي (ﷺ) قال: « بادروا بالأعمال ستاً: الدجالَ، والدخانَ، ودابةَ الأرضِ، وطلوعَ الشَّمسِ من مغربها، وأمرَ العامة، وخويصةَ أحدكم ».
سادساً ـ المهدي:
جاءت الأحاديثُ الصحيحةُ الدالّةُ على ظهور المهدي، وهـذه الأحاديثُ منها ما جاء فيه النصُّ على المهدي، ومنها ما جاء فيه ذكر صفته فقط، ومن هـذه الأحاديث :
1 ـ قال رسول الله (ﷺ): « يخرجُ في اخرِ أمتي المهديُّ، يسقيه اللهُ الغيثَ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتها، ويُعْطَى المالَ صحاحاً، وتكثرُ الماشيةُ، وتعظُمُ الأمةُ، يعيشُ سبعاً أو ثمانياً » يعني: حِجَجاً .
2 ـ وقال رسولُ الله (ﷺ): « أبشّرُكم بالمهدي، يُبْعَثُ على اختلافٍ من الناس وزلازلَ، فيملأُ الأرضَ قِسْطاَ وعَدْلاً كما مُلِئتْ جُوْراً وظُلْماً، يرضَى عنه ساكنُ السماء وساكنُ الأرضِ، يقسِمُ المال صحاحاً » . فقال له رجلاً: ما صحاحاً ؟ قال: « بالسويةِ بينَ الناسِ » .
3 ـ وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ (ﷺ): « المهديُّ منا أهلَ البيتِ، يُصْلِحُه الله عزّ وجل في ليلةٍ » أي يتوب عليه، ويوفقه، ويلهمه، ويرشده، بعد أن لم يكن كذلك .
سابعاً ـ المسيح الدجال:
مسيحُ الضلالةِ، يفتنُ الناسَ بما يُعْطاه من الآيات، كإنزال المطرِ، وإحياءِ الأرضِ بالنبات وغيرهما من الخوارق، وسُمّي الدجُّال مسيحاً، لأنّ إحدى عينيه ممسوحةٌ، ولأنّه يمسحُ الأرضَ في أربعين يوماً، والقولُ الأوّل هو الراجحُ، لما جاء في الحديث النبوي: « إنّ الدجالَ ممسوحُ العينِ » .
ومعنى الدجّال: الممِّوه الكذّاب بالمُمَخرِق، وهو من أبنية المبالغة، وهو على وزن فعّال، أي يكثرُ منه الكذبُ والتلبيسُ، وجمعه دجّالون، وجمعه الإمام مالك على دجاجلة وهو جمعُ تكسيرٍ .
وسمي الدجال دجالاً: لأنه يغطِّي الحق بالباطل، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم، وقيل لأنه يغطي الأمر بكثرة جموعه .
ولفظةُ الدجال أصبحت علماً على المسيح الأعور الكذاب، فإذا قيل الدّجّالُ، فلا يتبادَرُ إلى الذهن غيره .
والدّجال رجلٌ من بني ادم، له صفاتٌ كثيرةٌ، جاءت بها الأحاديثُ لتعريفِ الناس به، وتحذيرهم من شرّه، حتى إذا خرجَ عرفه المؤمنون، فلا يُفْتَنون به، بل يكونون على علمٍ بصفاته، فلايغترُّ به إلا الجاهلُ الذي سبقت عليه الشِّقْوةُ، نسألُ الله العافية .
ومن هـذه الصفاتِ أنَّه رجلٌ شابٌّ، أحمرُ، قصيرٌ، أَفْحَج جعدُ الرأسِ، أجلى الجبهةِ، عريضُ النحرِ، ممسوحُ العينِ اليُمنى، وهـذه العينُ ليست بناتئة، ولا جحراء، كأنَّها عِنْبةٌ طافيةٌ، وعينهُ اليسرى عليها ظفرةٌ غليظةٌ، ومكتوب بين عينيه ( ك ف ر ) بالحروف المقطعة، أو ( كافر) بدون تقطيع، يقرؤها كلُّ مسلمِ كاتبِ وغيرِ كاتبِ، ومن صفاته أنّه عقيمٌ لا يولد له .
وهـذه بعضُ الأحاديث الصحيحة التي جاء فيها ذكر صفاته السابقة ومنها: 1 ـ قال رسول الله (ﷺ): « إنّ المسيحَ الدجّالَ رجلٌ قصيرٌ، أفحجُ جَعْدُ، أعورُ مطموسُ العينِ، ليست بناتئةٍ ولا حَجْراء » .
2 ـ قال رسولُ الله (ﷺ): « الدجالُ أعورُ العينِ اليُسْرَى، جفالُ الشعرِ .
3 ـ وقال (ﷺ): « وإنّ بين عينيه مكتوبٌ كافر » .
وحُرِّمَ على الدّجّالِ دخولُ مكة والمدينة حينَ يخرجُ في اخر الزمان، لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، وأما سوى ذلك من البلدانِ، فإنَّ الدجالَ سيدخلُها واحداً بعدَ الآخر، وأكثرُ اتباع الدجال من اليهود والعجم والترك، وأخلاطٍ من الناس غالبُهم الأعرابُ والنساء .
وفتنةُ الدجال عظيمةٌ، وذلك بسببِ ما يخلقُ الله معه من الخوارقِ العظيمة التي تبهرُ العقولَ، وتحيّرُ الألبابَ .
الوقاية من الدجال: أرشدَ النبيُّ (ﷺ) أمته إلى ما يعصِمُها من فتنة المسيح الدجال، فقد ترك أمّتَه على المحجّةِ البيضاء، ليلِها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ، فلم يدعْ (ﷺ) خيراً إلا دلَّ أُمته عليه، ولا شرًّا إلا حذّرها منه، ومن جملةِ ما حذّر منه فتنةُ المسيح الدجال، لأنّها أعظمُ فتنةٍ تواجهها الأمةُ إلى قيام الساعةِ .
وكان كلُّ نبيِّ ينذِرُ أمته الأعورَ الدجال، وخَصَّ محمّدٌ (ﷺ) بزيادةِ التحذيرِ والإنذارِ، وقد بيّن الله له كثيراً من صفاتِ الدجّال ليحذِّرَ أمته، فإنّه خارجٌ من هـذه الأمة لا محالة، لأنها اخرُ الأمم، ومحمّدٌ (ﷺ) خاتمُ النبيين .
ومن الإرشاداتِ النبوية التي أرشدَ إليها المصطفى (ﷺ) لتنجوَ من هـذه الفتنةِ العظيمةِ الاتي :
1 ـ التمسك بالإسلام، والتسلّح بسلاح الإيمان، ومعرفة أسماء الله الحسنى التي لا يشاركه فيها أحدٌ، فيعلَم أنَّ الدجالَ بشرٌ يأكل ويشرب، وأنَّ الله تعالى منزَّهٌ عن ذلك، وأنّه لا أحدَ يرى ربَّه حتى يموتَ .
2 ـ التعوذ من فتنة الدجال، وخاصة في الصلاةِ، وقد وردت بذلك الأحاديثُ الصحيحةُ، فقد كان رسول الله (ﷺ) يدعو في الصلاة: « اللهم فإنّي أعوذُ بِكَ من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذابِ القبرِ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّال ».
وروى مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ﷺ): « إذا تشهَّد أحدُكم فليستعذْ باللهِ من أربعٍ، يقول: اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من عذابِ جهنَّم، ومِنْ عذابِ القَبْرِ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومِنْ شرِّ فتنةِ المسيح الدَّجَّال » .
3 ـ حفظ آيات من سورة الكهف: فقد أمر النبيُّ (ﷺ) بقراءةِ فواتح سورة الكهف على الدجّال، وفي بعض الروايات خواتيمَها، وذلك بقراءةِ عشر آيات من أولها أو اخرها.
ومن الأحاديث الواردة، قوله (ﷺ): « من أدركَهُ مِنْكُم، فليقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهف » .
وقال رسول الله (ﷺ): « مَنْ حَفِظَ عَشْرِ آياتٍ مِنْ أوّلِ سورةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ، أي: من فتنته، وهـذا من خصوصياتِ سورة الكهف، فقد جاءت الأحاديثُ بالحثِّ على قراءتها وخاصّةً يومَ الجمعة .
وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبيَّ (ﷺ) قال: « إنّ مَنْ قرأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجمعةِ، أضاءَ له مِنْ النُّوْرِ بينَ الجُمُعَتَيْنِ».
4 ـ الفرار من الدجال والابتعاد منه، قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ سمعَ بالدّجّالِ، فلينأَ عَنْهُ، فواللهِ إنَّ الرَّجُلَ ليأتيه وهو يَحْسَبُ أنَّه مؤمنٌ، فيتبعُه مما يبعثُ به مِنَ الشُّبهاتِ، أو لما يبعثُ به من الشبهاتِ » .
وأمّا هلاك الدجال على يدي المسيح عيسى بن مريم رضي الله عنهم، فقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.
ثامناً ـ الخسوفات الثلاثة:
وهي من أشراط الساعة، جاء ذكرها في الأحاديث ضمن العلامات الكبرى، فعن حذيفة بن أُسيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله (ﷺ) قال: « إنّ الساعةَ لن تقومَ حتّى تَرَوْا عَشْرَ آياتٍ .. (فذكر منها) وثلاثةَ خسوفٍ، خَسْفٌ بالمشرقِ، وخَسْفٌ بالمغربِ، وخَسْفٌ بجزيرة العرب » .
وهـذه الخسوفُ تكونُ عظيمةً وعامةً لأماكنَ كثيرةٍ من الأرض، في مشارقها ومغاربها وفي جزيرة العرب . وقد وُجِدَ عبرَ التاريخ الخسفُ في مواضع، ولـكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدراً زائداً على ما وُجِدَ، كأنْ يكونَ أعظمَ منه مكاناً وقدراً .

تاسعاً ـ النار التي تحشر الناس:
ومنها خروجُ النارِ العظيمة، وهي من أشراطِ الساعة الكبرى، وأوّلُ الآيات المؤذنةِ بقيام الساعة، وجاءت الرواياتُ بأنَّ خروجَ هـذه النارِ يكونُ من اليمنِ، من قعرة عدن، فقد جاء في حديثِ حذيفة بن أُسيد في ذكر أشراطِ الساعة الكبرى قوله (ﷺ): « واخِرُ ذلك نارٌ تخرجُ من اليمنِ، تطرُدُ الناسَ إلى محشرِهمِ »، وفي رواية له عن حذيفة أيضاً: « ونار تخرجُ من قعرةِ عدنٍ ترحِّلُ الناسَ » . وكون النار تخرجُ من قعرة عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب، وذلك أنَّ ابتداءَ خروجِها من قعرِة عدن، فإذا خرجتْ انتشرتْ في الأرضِ كلِّها . . . وعندما تنتشرُ يكون حشرُها لأهلِ المشرقِ.

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book173.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022