الآجال محدودة
الحلقة: الثامنة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020
إن الله تعالى جعل لكلِّ أحدٍ من الخلق أجلاً معيناً، ووقتاً محدوداً، فإذا جاء أجله، وحل وقت زواله، لا يتقدّم عنه برهةً من الزمن ولا يتأخر، لا الأمم مجتمعة ولا أفرادها، قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ *﴾ ]الآعراف:34] وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ *مَا تَسْبَقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ*﴾ [الحجر: 4 ـ 5] .
فهـذا عن الأمم، وأمّا عن الأفراد فقد قال: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً﴾ [آل عمران: 145] أي بأجلٍ محدودٍ مقيّد، إلى وقت معلومٍ بقضاء من الله مبروم، وقدر محكم، فالاجالُ محدودةٌ بأزمنة وأمكنة لا يتخّطاها المرءُ، ولا يتعداها، ولو سلك كلَّ سبيل .
ولو أنّ العبادَ استحقوا الهلاك والفناء بسبب ظلمهم ما بادرهم الله بذلك حتى يبلغوا منتهى أعمارهم وغاية اجالهم، وفي ذلك يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَآبَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ *﴾ [النحل: 61] .
ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَآبَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا*﴾ [فاطر: 45] .
والمرءُ لا يدري متى يحلُّ به ذلك الأجلُ ؟ لأنّ ذلك من علم الغيب، الذي طواه الله عن خلقه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *﴾ [لقمان: 34] .
وقد بيّنَ النبيُّ (ﷺ) أنّ هـذه الخمسُ هي مفاتيح الغيب التي أخفاها عن عباده، فالإنسان لا يعلم متى ينقضي أجلُه، وفي أي بقعةٍ يكونُ مضجعه، أفي برٍ أم في بحرٍ ؟ وفي سهلٍ أم حَزَنٍ ؟ وقريبٌ ذلك أم بعيدٌ ؟ كما قال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ *﴾ [الأعراف: 185] .
ولقد دعا الرسول (ﷺ) إلى المبادرة بالطاعة، وذلك باستنفاد العمر في ملازمةِ التقوى، وبذل الصحة قبل حلول العلل، ومجاهدة النفس قبل وقوع الأجل[(95)]، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذَ رسولُ اللهِ (ﷺ) بمنكبي فقال: « كُنْ في الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ » وفيه: « خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لموتِك »، وكان ابن عمر يقول: « إذا أمسيتَ فلا تَنْتَظِرِ الصباحُ، وإذا أصبحتَ فلا تَنْتَظِرِ المساءَ»، وفي رواية: « وعُدَّ نفسَك في أهلِ القبورِ » . والمعنى استمر سائراً ولا تفتر، فإنّكَ إن قصّرتَ انقطعتَ وهلكتَ.
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي