الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

الموت مكتوب على الخلائق ولا ينجو منه هارب

الحلقة: السابعة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020

إنّ الله تعالى خلقَ عباده، وقدّر لهم اجالاً إليها ينتهون، فلا يتقدّمون عنها ولا يتأخرون، كما قال سبحانه: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*﴾ [الواقعة: 60] وكتب أجل كل منهم في كتاب عنده لا يُزاد فيه ولا ينقص منه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً﴾ [آل عمران: 145] .
وجعله حتماً لازماً لا بدّ لكلّ نفسٍ من تتجرعِ غصصه، ولو كان الميتُ رسولاً أو نبياً أو ولياً، حيث قال تعالى:
﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *﴾ [آل عمران: 185] وقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ *﴾ [العنكبوت: 57] إذ لا باقي إلا هو سبحانه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88] .
وهو الوارثُ لجميع خلقه بعد فنائهم، وانقضاء اجالهم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ *﴾ [مريم: 40] .
وهو المحيي والمميت الذي بيده الإحياء والإماتة لا بيدِ العباد، وليس في ملكهم ومقدرتهم، كما قال عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *﴾ [آل عمران: 156] .
والعبدُ لا يمكنه أن يدفعَ غائلة الموت عن نفسِه مهما بلغ حرصُه عليها، ولذا عابَ الله على أهل النفاق تثبيطَهم عن الجهاد، بزعمهم أنَّ القعود عنه ينجي من الموت[(90)]، فقال سبحانه في شأنهم: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *﴾ [آل عمران: 168] .
فالموتُ لا ينجي منه هربٌ، ولا يغني عنه جَزَعٌ، ولا يدفع عنه حَذَرٌ، ولو تُحصِّن منه بالقصور المنيعة، والمساكن الرفيعة، قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: 78] .
ولا ينجو منه فار، ولا يسلم منه هارب، وقد أبان الله ذلك لليهود مع كراهيتهم له، وخوفهم منه، في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *﴾ [الجمعة: 8] .
وأنذر المنافقين بأنّ فرارهم منه لا يزيدُ في أعمارهم، ولا يؤخِّرُ في اجالهم، بل بقاؤهم في الدنيا إلى قدر مقدور، وأجل مكتوب، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً*﴾ [الأحزاب: 16] .
ولم يطمّعِ الله بشراً في الخلود في الأرض، ولو فعل لكان أولى الناس بذلك
رسولُ الله (ﷺ)[(92)]، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ *ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ *﴾ [الزمر: 30 ـ 31] .

يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book173.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022