الأربعاء

1446-12-15

|

2025-6-11

(الوضع السياسي في الجزائر إبان الحرب العالمية الثانية)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 227

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1443 ه/ يناير 2022م

مع دخول فرنسا الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939م، رفضت جمعية العلماء تأييدها لفرنسا أو التعاطف معها، وكان رد فعل فرنسا التضييق على جمعية العلماء، وأمرت الإبراهيمي بتوقيف دروسه ومحاضراته «بدار الحديث»، وطردت الطلبة الداخلين بها، وتقرر نفيه إلى مدينة «افلو» الصحراوية في 10 أفريل من عام 1940م، كما مرَّ معنا، وبعد خروجه من السجن شرع في عمله الوطني من خلال قيادته لجمعية العلماء. وتعتبر المرحلة التاريخية التي تلت الإفراج عن الشيخ الإبراهيمي مع نهاية ديسمبر 1942م، وحتى أفريل 1945م من المراحل المتميزة في حياة رئيس جمعية العلماء، باعتبار أنه سيحاول تجسيد استراتيجية الجمعية بصفته رئيساً لإدارتها، وذلك بخلق ديناميكية لاستئناف نشاطها، خصوصاً عندما تشعر «الجمعية» بالمضايقات التي تتلقاها من طرف الإدارة الاستعمارية والتعسفات «الارتجالية» المطبقة ضد إطاراتها ومسؤوليها، كما حدث للشيخ العربي التبسي الذي اعتقل في 25 مارس 1943م من قبل السلطات العسكرية، متهمة إياه بالتجسس لصالح ألمانيا النازية.

وخلال هذه الفترة، تشير جميع التقارير الإدارية الاستعمارية والبوليسية التي كانت تراقب تنقلات البشير الإبراهيمي وتحللها ؛ إلى الاستمرارية والدابة التي صحبت رئيس الجمعية داخل العواصم الإصلاحية الأساسية، والتي جعلت عجلة استئناف النشاط التعليمي تمشي تدريجياً مع توسعه بفتح المدارس الجديدة ولترقى إلى وتيرة حسن التنظيم والفعالية بإلقاء الدروس والمحاضرات في المقرات والنوادي التابعة لجمعية العلماء.

وفي إطار نشاطه الدؤوب وتحركاته المستمرة، وزيارته للمدن والأرياف، كان ينسّق ويتشاور مع العلماء وإطارات ومسؤولي الجمعيات الإصلاحية، بدون إغفال الاتصال بالأعيان الجزائريين والشخصيات السياسية من النواب كفرحات عباس وغيره، كان يتم ذلك دائماً وفق العمل على توحيد الجبهة الداخلية ضد الاحتلال الفرنسي، فقد كان الإبراهيمي يسعى لإيجاد مؤازرة ومساندة معنوية وسياسية مستمرة تكون بجانب جمعية العلماء، إضافة إلى الدعم الشعبي والنخبوي الذي كسبته داخل الأوساط الجزائرية في المدن والقرى.

1 ـ إستيلاء الحلفاء على الجزائر:

بعد استيلاء الحلفاء على الجزائر وتحريرها من جماعة «فيشي» الموالين للألمان، وفي شهر ديسمبر من عام 1942م اتصل الجنرال دارلان بفرحات عباس، وطلب منه أن يقوم قادة الحركة الوطنية الجزائرية بمساعدة فرنسا الحرة ـ وهي «حركة المقاومة الفرنسية التي يرأسها ديغول» ـ في تجنيد الجزائريين من أجل المشاركة في تحريرها، وانذاك اتصل فرحات عباس بدوره بجمعية العلماء التي شاركت في تحرير البيان المقدم للمسؤولين الفرنسيين فيما بعد، والذي اشترط فيه فرحات عباس وتوفيق المدني على جمعية العلماء أن تظهر فرنسا رغبتها في الإصلاح الحقيقي، وذلك بإنجازات علنية وصادقة وسريعة. وقد طلب الوفد الجزائري من المسؤولين الفرنسيين الجدد في الجزائر، أن يعقد مؤتمر عام يضم النواب الجزائريين وممثلي كل الهيئات الإسلامية، وذلك بقصد إصدار قانون أساسي يشتمل على الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك يشعر المسلمون أن مطالبهم هي في طريق التحقيق، ويفهموا جيداً الواجبات التي يقومون بها في سبيل المجهود الحربي. لكن القادة الفرنسيين رفضوا هذه المطالب.

2 ـ تحالف الحركات الوطنية:

وفي شهر جانفي من عام 1943م، اتفق قادة الحركات الوطنية في الجزائر أن يعقدوا اجتماعاً مشتركاً بقصد تكوين تحالف بين الحركات السياسية في الجزائر، وتحديد المطالب السياسية للشعب الجزائري، وحضر الاجتماع التأسيسي لهذا التحالف الدكتور بن جلول وفرحات عباس وتوفيق المدني من جمعية العلماء، وقد تم الاجتماع في مكتب المحامي أحمد بو منجل، وكان يرأسه الدكتور بن جلول، وبعد نقاش طويل اتفق الجميع على إصدار وثيقة تتضمن النقاط الاتية:

ـ إنشاء مجلس تأسيس لتحرير دستور لدولة الجزائر.

ـ تكوين حكومة جزائرية مستقلة تشارك مع فرنسا ومع المتحالفين في المجهود الحربي بصفة جزائرية معترف بها.

ـ إلغاء تبعية الجزائر لفرنسا على أن تكون العلاقات بينهما محددة بواسطة معاهدة حرة.

ـ إلغاء نظام الاستعمار، وتحديد ملكية الأرض وتوزيع الأرض من جديد على الفلاحين الذين انتزعت منهم في الماضي.

ـ الكف عن سياسة وحدة العلم البحري، التي تجعل الجزائر أسرة خاضعة لشركات النقل البحرية الفرنسية وتخسر بذلك أموالاً طائلة.

ـ إنشاء النقد الجزائري الخاص بالدولة الجزائرية على قاعدة الدينار يساوي 000،1 فرنك، الدرهم يساوي 100 فرنك، الفلس يساوي فرنكاً.

ـ دخول الجزائريين المستحقين حالاً ميدان الوظائف العامة، على أن تصبح بعد قليل أغلبية الوظائف بيدهم حسب عددهم.

ـ إعلان وجود «الجنسية الجزائرية» على أن تشمل كل المسلمين، مع من يريد من الفرنسيين واليهود.

ـ إنشاء مجلس استشاري يضم نخبة الجزائريين حالاً، لكي يقف على تنفيذ هذا المنهج.

ـ تدعى الدولة الجزائرية حالاً دولة مشاركة مع المتحالفين، تقاتل معهم، ثم تحضر كل مؤتمرات السلام، وتكون عضواً بهيئة الأمم المتحدة، بعد قرار السلام.

ومن خلال هذه الوثيقة قام فرحات عباس بكتابة «بيان الشعب الجزائري» الذي قدمه لرجال المقاومة الفرنسية، والسيد مورفي ممثل الولايات المتحدة بالجزائر، لكن ديغول وجماعته رفضوا مطالب الحركات السياسية الجزائرية، وأعلنوا عن تشكيل لجنة لدراسة الإصلاحات السياسية في الجزائر، وقد تم استدعاء فرحات عباس نيابة عن الحركة الوطنية لتقديم مطالب جمعية العلماء وبقية الحركات السياسية، إلا أن النتيجة كانت سلبية، ولم تظهر أية بادرة لتغيير الأوضاع السياسية في الجزائر إلا يوم 12 ديسمبر 1943م عندما خطب ديغول بقسنطينة، ووعد فيها بإعطاء الجنسية لبعض الجزائريين مع المحافظة على هويتهم العربية الإسلامية.

3 ـ اجتماع القمة في مدينة سطيف:

وفي شهر أفريل من عام 1943م، أي بعد خروج مصالي الحاج من السجن ووضعه تحت الإقامة الجبرية في قصر البخاري، شارك البشير الإبراهيمي في اجتماع القمة الذي انعقد في مدينة سطيف بين فرحات عباس ومصالي الحاج، والسيد موريس لابور في الحزب الشيوعي الجزائري، والذي تم الاتفاق فيه بين هؤلاء الزعماء على مبدأ إقامة دولة جزائرية بعد أن تنتهي الحرب، وإنشاء برلمان انتقالي يتكلف بوضع الدستور الجزائري الجديد، لكن البيان الثاني الذي حرره فرحات عباس وقدمه إلى الجنرال كاترو رفضه الفرنسيون، لأنه يتضمن مبدأ دولة جزائرية، لها برلمانها الخاص بها.

وبعد انتهاء الحرب، قررت جمعية العلماء يوم 6 ماي 1945م توسيع نشاطاتها السياسية والثقافية إلى بقية دول المغرب العربي، فأرسلت وفداً إلى تونس واخر إلى المغرب الأقصى، وذلك بقصد توحيد العمل على مستوى أقطار المغرب العربي.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022