(تعريف الشيخ الإبراهيمي للإستعمار والديموقراطية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 234
بقلم: د. علي محمد الصلابي
1.مصطلح الاستعمار:
تحدث الإبراهيمي عن مصطلح الاستعمار، فقال: مادة هذه الكلمة هي العمارة، ومن مشتقاتها التعمير والعمران، وفي القران:{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا} [سورة هود:61]، فأصل هذه الكلمة في لغتنا طيب وفروعها طيبة، ومعناها القراني أطيب وأطيب.. ولكن إخراجها من المعنى العربي الطيب إلى المعنى الغربي الخبيث ظلم لها، فاستحقت الدخول من هذا الباب، والإدراج تحت هذا العنوان، فالذي صيّر هذه الكلمة بغيضة إلى النفوس، مستوخمة في الأذواق، هو معناها الخارجي ـ كما يقول المنطق ـ وهو معنى مرادف للإثم والبغي والخراب والظلم والتعدِّي، والفساد والنهب والسرقة والشره، والقسوة والانتهاك والقتل والحيوانية، إلى عشرات من مئات من هذه الرذائل تفسِّرها اثاره وتنجلي عنها وقائعه.
وواعجبا!. تضيق الأوطان على رحبها بهذه المجموعة وتحملها كلمة لا تمتّ إلى واحد منها بنسب، وإذا كنَّا نسمِّي من يجلب هذه المجموعة ـ من كبائر الإثم والفواحش إلى وطن ـ ظالماً، فأظلم منه من يحشرها في كلمة شريفة من لغتنا: ليخدع بها ويغرُّ، وليهوِّن بها على الفرائس شراسة المفترس وفظاعة الافتراس.
أما والله لو أن هذا الهيكل المسمَّى بالاستعمار كان حيواناً لكان من حيوانات الأساطير بألف فم للالتهام، وألف معدة للهضم، وألف يد للخنق، وألف ظلف للدوس، وألف مخلب للفرس، وألف ناب للتمزيق، وألف لسان للكذب وتزيين هذه الأعمال، ولكان مع ذلك هائجاً بادِيَ السوءات والمقابح على أسوأ ما نعرفه من الغرائز الحيوانية.
سمّوا الاستعمار تخريباً ـ إذ لا تصح كلمة استخراب في الاستعمال ـ لأنَّه يخرب الأوطان والأديان والعقول والأفكار، ويهدم القيم والمقامات والمقوِّمات والقوميات.
وخذوا العهد على المجامع اللغوية أن تمنع استعمال هذه الكلمة في هذا المعنى الذي لا تقوم بحمله عربة مزابل.
2 ـ مفهوم الديمقراطية:
قال الإبراهيمي: والديمقراطية رأي يوناني نظري جميل، منسوب إلى اسم صاحبه، وهو قائم على أن الشعب هو مصدر السلطة، ومن ثم فهو صاحب الحق في الحكم والتشريع، وعلى أن الأفراد متساوون في هذا الحق، ويناقضه رأي اخر يوناني النشأة أيضاً. اصطرع الرأيان في ميدان الجدال، ثم اصطرعا في ميدان العمل، حتى أصبحا مذهبين في سياسة الحكم وبابين في فلسفة الاجتماع، وكانت هذه الاراء الجميلة في الحياة مثل رأي ديمقراط تدور بين فلاسفة اليونان وقياصرة الرومان، أولئك يدرسونها جدلاً وهؤلاء يدرسونها عملاً، إلى أن انتصف الله للحق بالإسلام، فجاء بالشورى والمساواة ـ حكماً من الله ـ وأين حكم العقول من حكم خالق العقول؟
وجاء عمر فلقَّن العالم درساً عملياً في المثل الأعلى للحكم، ثم جاءت الحضارة الغربية المجتهدة في إثمار الحقول، المقلدةُ في إثمار العقول، وكان من اثار التعصُّب فيها للارية والمسيحية أنها اثرت الديمقراطية على العُمرية، اثرتها في التسمية والنسبة، أما في التطبيق والعمل، فإن هذه الحضارة ـ وهي حاضنة المتناقضات ـ اتسعت لرأي ديمقراطي ولرأي ميكيافيلي صاحب كتاب «الأمير». فإذا أرادت التلبيس ألبست الثاني ثوب الأول. لم تُظلم هذه الكلمة ما ظُلمت في هذه العهود الأخيرة، فقد أصبحت أداة خداع في الحرب وفي السلم، جاءت الحرب فجندها الاستعمار في كتائبه، وجاء السلم فكانت سراباً بقيعة، وقد كثر أدعياؤها ومدَّعوها والداعون إليها، والمدّعي فيها لابس ثوب زور، أصبح استعمار الأقوياء للضعفاء ديمقراطية، وقتلهم للعزّل الأبرياء ديمقراطية، ونقض المواثيق ديمقراطية، لك الله أيتها الديمقراطية.
إن مفهوم الشورى في الإسلام أعمق من الديمقراطية، لأن الإسلام أضاف لها بُعداً تعبدياً، وجعلها من القيم الإنسانية الرفيعة، ومن المقاصد الكبرى لهذا الدين. ورتب على العمل بها ثواباً وعلى تركها عقاباً، كما أن فلسفة الحكم في الدولة المدنية الحديثة التي مرجعيتها الإسلام، ترتكز على الشورى التي ذكرت في القران الكريم، ومارسها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون ؛ فقد عرفت طريقها إلى الحياة السياسية وأصبحت من ركائز الدولة في عصر صدر الإسلام.
إن الإسلام العظيم اعتبر الشورى منهج حياة إنسانياً، فضلاً عن كونها ضرورية في نظام الحكم.
إن تشريع الشورى بذاته قائم على المصلحة ودرء المفسدة، وهذا لا ينحصر في الشورى، فالتشريعات الإسلامية كلها قائمة على ذلك من جلب المصلحة ودرء المفسدة، كما يقول العز بن عبد السلام: الشريعة كلها نصائح، إمَّا بدرء مفاسد، أو بجلب مصالح.
ولو احتسبتْ الشورى وانتسبتْ لقالت: أنا الخير، وأبي العدل، وأمي الإحسان، وأخي الوفاء، وأختي العِزَّة، وعمِّي النفع، وخالي الرفعة، وابني الغنى، وبنتي العمل، ووطني العمار، وعشيرتي العلم.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: