(زيارة الشيخ الإبراهيمي لمصر1952وثمرات ذلك)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 239
بقلم: د.علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443ه/ يناير 2021م
جالس العلماء والساسة والحكَّام وناظر وخاطب، وألقى المحاضرات وكتب المقالات تعريفاً بقضية شعبه ودينه وعروبته، وطالباً العون من إخوانه المسلمين لمساعدة شعب الجزائر على التخلص من المحتلين.
ومما كتبه في مجلة الرسالة: صوت من نجيب فهل من مجيب؟
أ ـ في ذكرى المولد النبوي الشريف، ونقتطف شيئاً مما قاله في هذه المناسبة حيث قال:
ومولد محمد صلى الله عليه وسلم هو الحد الفاصل بين حالتين للبشرية.
ـ حالة في الظلام جللها قروناً متطاولة، وحالة من النور كانت تترقبها، وقد طلع فجرها مع فجر هذا اليوم، فميلاد محمد صلى الله عليه وسلم كان إيذاناً بنقل البشرية من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية، ومن الوثنية إلى التوحيد، ومن العبودية إلى الحرية، وبعبارة جامعة: من الشر الذي لا خير فيه إلى الخير الذي لا شر معه.
مولد محمد صلى الله عليه وسلم هو مولد تلك التعاليم التي حرَّرت العقل والفكر، وسمت بالروح إلى الملأ الأعلى، بعد ما تدنت بالمادة إلى الحيوانية، وبالشهوات إلى البهيمية، وبالمطامع إلى السبعية الجارحة.
ومولد محمد صلى الله عليه وسلم هو مولد الإسلام، ذلك الفيض العميم من المعاني التي أصلحت الأرض، ووصلتها بالسماء، وفتحت الطريق إلى الجنة.
فقولوا لمن جاء بعد محمد من زاعم يزعم الانتصار للحق، وزعيم يهتف بالحق، وداعٍ يدعو إلى الحرية، ودعيّ يكذب على الحرية، وعاقل يبكي على العقل، ومفكِّر يجهد في تحرير الفكر، وروحاني يعمل لسمو الروح، وأخلاقي يضع الموازين للمثل العليا، وحاكم يحاول إقامة العدل في الأرض، وحائر لا يدري من أين يبتدأئ ولا أين ينتهي، قولوا لهم جميعاً: قد سبقكم محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا كله، وقد نصب لكم بقرانه وسيرته أعلام الهداية في كل مصعد وكل منحدر، ولكنكم قوم لا تفقهون أو لا تصدقون، فارجعوا إليه إن كنتم صادقين، تجدوه منكم قريباً.
هذه المعاني التي يجب أن نستشعرها حينما نذكر المولد، وحينما نحتفل به، أما عدا ذلك مما نفعله ونقوله، فزوائد لا قيمة لها في العقول، ولا أثر لها في النفوس..
ثم قال: لو فهمنا المولد المحمدي بهذه المعاني لكان إظلاله لنا في كل عام تجديداً لهممنا، وإيقاظاً لشواعرنا، وصقلاً لأذهاننا، وجلاء لأرواحنا، ولكانت اثار ذلك سموَّاً في أرواحنا، وسداداً في ارائنا، وتحولاً إلى الخير في أحوالنا، وجمعاً لكلمتنا على الحق، وتوحيداً لصفوفنا في النوائب.
ولكننا فهمناه على قياس من عقولنا وهي جامدة، وعلى نحو من هممنا وهي خامدة، وعلى نمط من عاداتنا وهي سخيفة، وقصرناه على هذه التوافه: لعب للصغار ليس فيه فائدة، وخطب للكبار ليس فيها عائدة، فعلنا بمولد محمد صلى الله عليه وسلم ما فعلناه بسيرته، فاقتصرنا في كليهما على أضعف جانبيه، فنحن في مولده نلهو ونلعب، وقد نفرح ونطرب، ونعمر يومه وأسبوعه بحفلات تقليدية ليس فيها روح، كذلك نحن نتدارس سيرته التي هي التفسير العملي للإسلام، فلا ندرس إلا جانبها البشري من كيفية أكله ولباسه ونومه، لا جانبها الملكي من صبره وجهاده وتربيته لأمته وبناء الدولة الإسلامية.
يختلف الفقهاء في هذه الحفلات المولدية، وهل هي مشروعة أو غير مشروعة؟ ويطيلون الكلام في ذلك بما حاصله الفراغ والتلهي وقطع الوقت بما لا طائل فيه، والحق الذي تخطَّاه الفريقان أنها ذكرى للغافلين، وإنما لم يفعلها السلف الصالح لأنهم كانوا متذكرين بقوة دينهم، وطبيعة قربهم، وعمارة أوقاتهم بالصالحات.
أما هذه الأزمنة المتأخرة التي رانت فيها الغفلة على القلوب، واستولت عليها القسوة من طول الأمد، واحتاج فيها المسلمون إلى المنبِّهات، فمن الحكمة والسداد أن يرجع المسلمون إلى تاريخهم يستنيرون عبره، يدرسون سيره، وإلى قرانهم يسجلون حقائقه، وإن من خير المنبِّهات مولد محمد صلى الله عليه وسلم لو فهمناه بتلك المعاني الجليلة.
أيها المسلمون: قبل أن تقيموا حفلات المولد أقيموا معاني المولد، وتدرَّجوا من المولد المحمدي الذي هو مولد رجل، إلى البعثة المحمدية التي هي مولد دين نسخ الأديان، لأنه أكمل الأديان، وهناك تضعون أيديكم على الحقيقة التي تهديكم إليها هذه الذكرى.
حاسبوا أنفسكم في كل عام من أين انتقلتم وإلى أين وصلتم، أشيعوا بينكم في هذه الذكريات المحبة والأخوة والاتحاد على الحق، واذكروا أن صاحب هذه الرسالة بعث بالعزَّة والكرامة والعلم والقوة، فكونوا أعزَّة، وكونوا أحراراً، وكونوا أقوياء، واعرفوا محمداً بدينه وقرانه وسيرته لا بمولده، وأقيموا دينه ولا عليكم بعد ذلك أن تقيموا مولده أو لا تقيموه.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم يطالبكم بإقامة الدين لا بإقامة المولد، وإن دينكم دين الحقائق والأعمال والنُّظم، فارجعوا إلى تلك الحقائق، وانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.
واستمرت المحاضرات والمقالات والكلمات في مقامه بالقاهرة.
ب ـ ألقيت كلمة للإبراهيمي في الحفل الذي أقيم في فندق «سمير أميس» بالقاهرة تكريماً للأستاذ الفضيل الورتلاني في شهر نوفمبر 1952م، ومما جاء في هذه الكلمة:
وأقول في ولدي وتلميذي وخالصتي الأستاذ الفضيل الورتلاني ما يقوله الوالد العاقل الحساس في ولده البرّ، وما يقوله الشريك الأمين في شريكه الأمين، وما يقوله الزميل الشريف في زميله الشريف، وأقول فيه في المشهد ما أقوله في المغيب، ولا أقول ـ إن شاء الله ـ إلا حقاً.
أقول: إنه رجل أي رجل، أو إنه الرجل كل الرجل، بالمعنى الذي تعرفه العرب من هذين التركيبين القصيرين الجاريين مجرى لغة البرقيات في زمننا تجمع ضيق اللفظ واتساع الدلالة.
ج ـ وتحدث عن سيد قطب عندما أرسل مقالاً له إلى صحيفة البصائر عنوانه «كفاح الجزائر»، وكان مقاله الأول من سلسلة مقالات كتبها الأستاذ سيد قطب خصيصاً لـ«البصائر».
وقال الإبراهيمي في سيد: تمتزج فكرة الوطن الإسلامي الأكبر بنفس الأستاذ سيد قطب امتزاج الروح بالجسد والعقيدة بالعقل، فهو حفظه الله لم يفتأ يدعو المسلمين في الشرق والغرب بكتاباته الضافية إلى السير على ضوء هذه الفكرة في حركاتهم التحريرية، وكفاحهم العام، والاعتصام بأخوتهم الإسلامية التي هي المهيع الأمين، لتحقيق أمانيهم وامالهم في الحياة كمسلمين، لهم من تعاليم دينهم ومجد تاريخهم كل ما يهديهم سواء السبيل، إذا غشيتهم الظلمات وألمت بساحتهم خطوب وملمَّات.
وقد وجد الأستاذ في صحيفة «البصائر» التي هي اللسان المعبِّر عن كفاح الجزائر، في سبيل المحافظة على إسلامها وعروبتها، وربط نهضتها بالعالم الإسلامي صدى دعوته الصارخة، فأحبَّها وبادر بإرسال هذه الكلمة البليغة الجامعة لها، وهي إذ تحلّي صدرها بها، إنَّما تنشر صفحة من جهاد أحد العلماء العاملين من أعلام هذه النهضة، التي لن تقف دون أن تصل بالإسلام والمسلمين إلى أهدافهم السامية، في طريق كفاحهم من أجل الوحدة والحرية والاستقلال.
د ـ وأرسل من القاهرة برقيات على إثر اغتيال الزعيم التونسي فرحات حشَّاد إلى «الاتحاد العام التونسي للشغل» جاء فيها:
إن الجريمة الفظيعة، جريمة اغتيال رئيسكم العظيم المرحوم فرحات حشَّاد، قد تركت في أنفسنا ألماً شديداً، ونحن نقاسمكم امالكم والامكم، وقضيتكم قضيتنا، وتقبلوا باسم الشعب الجزائري أحرَّ التعازي.
هـ وقدَّم الإمام الإبراهيمي مذكرة إيضاحية لوزارة المعارف المصرية ومشيخة الأزهر الشريف وللأمانة العامة لجامعة الدول العربية في يناير 1953م، تحدثت تلك المذكرة عن الشعب الجزائري، وجمعية العلماء، ونشأة هذه الجمعية، وعن تشكيلات الجمعية في عصره، وجرائد الجمعية، ومالية الجمعية، وأعمال الجمعية لحفظ الإسلام على مسلمي فرنسا، ومواقف مشهودة لجمعية العلماء وموقفها من المبشرين المسيحيين، ومن الإلحاد، ومن الخمر، ومن تعليم النساء، وموقف فرنسا من الجمعية، وعن أمهات أعمال جمعية العلماء، من مقاومة الأمية، والمحاضرات الدينية والاجتماعية، وتأسيسها للنوادي العلمية، وبناء المدارس والمعهد الباديسي، وعن طموحات جمعية العلماء لإقامة مشروع جامعة عربية إسلامية في الجزائر، وبين لهم خلاصة النتائج الإيجابية من أعمال جمعية العلماء وتوجيهاتها:
في المعنويات:
ـ استقرار الإصلاح الديني الإسلامي بمعناه الصحيح الواسع، وأساسه الرجوع إلى القران.
ـ إذكاء النزعة العربية في النفوس.
ـ تقوية الشعور السياسي وتكوين رأي عام له.
ـ التوجه إلى الشرق والتنويه بتاريخه وأمجاده.
ـ إحياء الفضائل والأخلاق المتينة، وعقد جملتها بالقلوب لا بالألسنة.
ـ خطوات سديدة في بناء الأسرة على المحبة، وبناء المجتمع على التعاون.
ـ وضع المرأة المسلمة في موضعها من الفطرة ومنزلتها في الإسلام.
ـ التقليل من الافتتان بالحضارة الغربية.
ـ قمع الإلحاد.
ـ إيقاف التبشير عند حده.
ـ التخفيف من ويلات الأمية.
ـ نظام الوعظ والإرشاد تظهر روعته في كل رمضان على الخصوص، قوامه 140 واعظاً.
في الماديات:
ـ تشييد سبعين مسجداً حرَّاً على نماذج مما كان يؤديه المسجد في التربية.
ـ مائة وبضع وأربعون مدرسة ابتدائية مجهَّزة أحسن تجهيز تتسع لخمسين ألف تلميذ.
ـ معهد ثانوي كامل الأدوات والمرافق يحتوي على ألف تلميذ.
ـ بعثات إلى جامع الزيتونة تبلغ ألفاً وخمسمائة تلميذ.
ـ بعثات إلى جامع القرويين تبلغ مائتي تلميذ.
ـ هذه البعثات التي بدأت طلائعها تزحف إلى مصر والعراق، وسوريا والكويت.
ـ حركة مباركة لحفظ العروبة والإسلام على العمَّال النازحين إلى فرنسا.
ـ مكتبة جديدة حافلة في المعهد تهيِّأئ للباحثين مراجع البحث، وتعوِّض ما أتلفته يد الاستعمار من كتبنا ومكتباتنا، وقد زوَّدها سمو الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية في السنة الماضية بألف مجلد.
ـ إنشاء مكتب ثقافي للجمعية في القاهرة، ليكون صلة بين الجزائر والشرق، ويشرف على البعثات الحاضرة والمنتظرة، وستجني العروبة والإسلام منه خيراً كثيراً.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: