السبت

1446-11-19

|

2025-5-17

(سقوط حكومة «ادقار فور»)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 279

بقلم: د. علي محمد الصلابي

شعبان 1443 ه/ مارس 2022م

أما الضربة القاضية التي ستؤدي إلى الانهيار التام لسياسة جاك سوستال، فقد كانت يوم 2 جانفي 1956م، عندما قرر ادقار فور إجراء الانتخابات التشريعية، وكان جاك سوستال قد عارض ذلك القرار بشدة، وقرر في النهاية عدم إجراء تلك الانتخابات في الجزائر في التاريخ المحدد وبالتالي تم تأجيلها، والسبب الحقيقي في ذلك هو تخوف جاك سوستال من انتقام المسلمين الجزائريين من سياسته التي تقوم على أساس دمج الجزائر في فرنسا والتصويت على قائمة الذين يؤيدون جبهة التحرير الوطني ويطالبون بالاستقلال الوطني وفصل الجزائر عن فرنسا.

غير أن نتائج تلك الانتخابات قد جاءت مخيبة لامال ادقار فور وجاك سوستال معاً، فقد فاز الحزب الاشتراكي بزعامة غي مولي، وفي 31 جانفي 1956م حصل غي مولي على التزكية من طرف البرلمان الفرنسي ليصبح رئيساً للحكومة الفرنسية، ويكلف بتشكيل حكومته الجديدة، وبذلك سقطت حكومة ادقار فور وتسلم السلطة على إثرها الاشتراكيون بزعامة غي مولي، الذي قام فور توليه لمنصبه بإقالة جاك سوستال من منصب الحاكم العام للجزائر وتعيين الجنرال كاترو، بدله، وفي 6 فيفري 1956م قرر القيام يزيارة رسمية إلى الجزائر ليتولى هو بنفسه تنصيب الحاكم العام الجديد في الجزائر الجنرال كاترو، غير أن تلك الزيارة لم تكن موفقة، حيث استقبله المستوطنون الأوروبيون بمظاهرات عدائية عارمة أجبرته على التخلي بسرعة عن فكرة تعيين كاترو،(1) وقرر تعيين روبير لاكوست وزيراً جديداً مقيماً بالجزائر بدل الجنرال كاترو، وقدم لاكوست إلى الجزائر في 10 فيفري 1956م لتولي مهامه وتنصيبه من طرف رئيس الحكومة الفرنسية «غي مولي» قبل مغادرته للجزائر في اليوم نفسه.(2)

ومن الجدير بالملاحظة أن هناك من المؤرخين الفرنسيين من يصف يوم 6 فيفري 1956م بأنه يعتبر يوم استسلام وانقلاب خطير في تاريخ الحرب بين الجزائر وفرنسا.(3)

ويلاحظ أن هذه التجربة التي عاشها «غي مولي» قد غيرت اراءه وسياسته تغييراً جذرياً، فبعد أن ساد فرنسا والجزائر شعور عام بأن «غي مولي» سينتهج سياسة مصالحة بين المستوطنين الأوروبيين والمسلمين الجزائريين في الجزائر، والقيام بالتسوية السلمية بينهم ـ كما وعدهم بذلك خلال الحملة الانتخابية الفرنسية ـ غيّر الرجل موقفه وتراجع عن تنفيذ تلك الوعود، وألقى خطاباً يُطمئن فيه المستوطنين الأوروبيين الذين قاموا بمظاهرات احتجاجية على زيارته للجزائر في 6 فيفري 1956م، قال لهم فيه: إن الحكومة ستحارب وإن فرنسا ستناضل من أجل بقائها في الجزائر وإنها ستبقى هناك، إن الجزائر لا مستقبل لها بدون فرنسا.(4)

ويعتبر ذلك التحول المفاجأئ في سياسة رئيس الحكومة الاشتراكي «غي مولي» بداية عهد جديد، التحم فيه الفرنسيون ـ يساريون ويمينيون ـ صفاً واحداً ضد الجزائر، معتقدين بذلك أن القضاء على الثورة الجزائرية قد أصبح أمراً ميسوراً.

أما جبهة التحرير الوطني، فقد أصيبت بخيبة أمل إثر ذلك التغيير الجذري المفاجأئ في سياسة رئيس الحكومة الفرنسية الاشتراكي «غي مولي»، ووجهت نداء شديد اللهجة إلى أولئك الوطنيين المترددين المنتمين إلى التشكيلات السياسية الوطنية الأخرى، تحثهم فيه على الالتحاق بصفوفها، ونزع الثقة بصفة نهائية من السلطات الفرنسية التي تخلف وعودها في كل مرة، وعزم جبهة التحرير الوطني على مواصلة الكفاح المسلح، وبدأت تفكر بعمق في هيكلة نفسها وتنظيم شؤونها.(5)

وبعد أن يئس القادة البارزون للتشكيلات السياسية الوطنية من السلطات الفرنسية ووعودها الكاذبة، وبعد أن أصبح الموت يهددهم من كل جانب،(6) وخاصة بعد الانتصار الملحوظ الذي حققته جبهة التحرير على الصعيدين الوطني والدولي بعد هجوم 20 أوت 1955م، وجدوا أنفسهم مجبرين على الاستجابة لنداءات جبهة التحرير الوطني المتعددة والمتكررة، فأعلنوا عن حل تلك التشكيلات والانضمام الرسمي إلى جبهة التحرير الوطني.(7)

وهكذا يكون أكبر نتيجة قد حققها هجوم 20 أوت 1955م، هي توحيد جميع الاتجاهات الهامة داخل جبهة التحرير الوطني، مما جعلها تنتعش من جديد وتسترجع أنفاسها لمواصلة الكفاح المسلح، وتحقيق نتائج إيجابية على جميع الأصعدة والرفع من مكانتها الدولية.

وخلاصة القول من كل ما تقدم: أن المرحلة الممتدة من أول نوفمبر 1954م إلى غاية فيفري 1956م، تشكل مرحلة هامة في تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، فقد كانت هذه المرحلة مرحلة متغيرة وحاسمة جداً، حيث انعكست اثارها على التنظيم السياسي والإداري في الجزائر كما تبين فيما مضى، والعامل الجوهري والأساسي في كل ذلك هو: اندفاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954م في المنطقة الأولى، ثم هجوم 20 أوت 1955م في المنطقة الثانية.

ففي الوقت الذي كانت جبهة التحرير الوطني تسعى إلى تعميم الثورة ونشرها في كل مكان، وكانت السلطات الفرنسية تعمل كل ما بوسعها من أجل تدمير التنظيم الثوري وإبادة القائمين به، ولكنها كانت في نفس الوقت وكعادتها دائماً، تحاول إدخال إصلاحات سياسية ـ إدارية جزئية حتى تمتص غضب الشعب الثائر، غير أن المشكلة العويصة التي كانت تواجهها في كل مرة هي: كيف يمكن إشراك المسلمين الجزائريين في تحمل بعض المسؤوليات السياسية الإدارية دون إثارة غضب وسخط المستوطنين الأوروبيين.

إن السلطات الفرنسية لم تعد تركز ـ بعد هجوم 20 أوت 1955م وامتداد الثورة إلى كل مناطق الجزائر ـ على الإصلاحات السياسية الإدارية ـ كالسابق ـ لقد أصبح شغلها الشاغل هو اتخاذ إجراءات عسكرية للقضاء على الثورة والقائمين بها، حتى لا تمتد إلى المناطق الأخرى بعد امتدادها الواسع في المنطقتين الأولى والثانية.

وأما جبهة التحرير الوطني، فقد أصبح شغلها الشاغل بعد تلك الانتصارات التي حققتها عقب هجوم 20 أوت 1955م ـ خاصة بعد الانضمام الرسمي والفعلي لمناضلي التشكيلات السياسية الوطنية الأخرى إليها ـ هو التركيز على التنظيم العسكري والسياسي للثورة وهيكلتها.(8

مراجع الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائتين:

)) عقيلة ضيف الله، التنظيم السياسي والإداري للثورة، ص 239.

2)) التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 339.

3)) المصدر نفسه ص 239.

4)) عمار بوحوش، العمال الجزائريون في فرنسا، ص 118.

5)) التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 240.

6)) المصدر نفسه ص 240.

7)) المصدر نفسه ص 241.

8)) التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 243.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022