السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان

(مراحل الحكم العثماني في الجزائر (1518 ـ 1830م)

الحلقة: العشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020


مرت مراحل الحكم العثماني في الجزائر بأربع فترات مختلفة، وكل مرحلة تميزت بأسلوب معين في تسيير شؤون البلاد. وتتمثل هذه المراحل أو العصور فيما يلي:
أ ـ عصر البايلربايات (1514 ـ 1587م/920 ـ 995هـ).
ب ـ عصر الباشوات: (1587 ـ 1659م/995 ـ 1065هـ).
ج ـ عصر الأغاوات: (1659 ـ 1671م/1065 ـ 1081هـ).
د ـ عصر الدايات: (1671 ـ 1830م/1081 ـ 1246هـ).
أ ـ عصر البايلربايات «أمير الأمراء» (1514 ـ 1587م):
يمثل هذا العصر أزهى عصور الحكم التركي في الجزائر، حيث ازدهرت البلاد في هذه الفترة من النواحي التعليمية والاقتصادية والعمرانية، وذلك بفضل التعاون بين فئة «الرياس» في القيادة وأبناء الجزائر. وقد ساهم في تنمية البلاد وازدهارها مهاجرو الأندلس ؛ الذين وظفوا خبراتهم ومهارتهم في ترقية المهن والبناء العمراني وتقوية الاقتصاد الجزائري. وقد تميزت هذه الفترة من تارخ الجزائر بحقائق يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1 ـ دام عهد البايلربايات مدة 70 سنة.
2 ـ يأتي قرار تعيين الحاكم في الجزائر من طرف السلطان العثماني.
3 ـ كانت السلطة في يد رياس البحر أو جنود البحرية.
4 ـ تحرير برج فنار عام (1529م) من الإسبان، وتحرير بجاية من الاحتلال العثماني عام (1555م) وإنهاء الوجود الإسباني في تونس عام (1574م).
5 ـ ازدهرت الجزائر في هذه الفترة التي تميزت الحياة السياسية فيها بالاستقرار، وتحالف الجميع ضد العدو الإسباني.
ب ـ عصر الباشوات (1587 ـ 1659م):
تعتبر هذه الفترة مرحلة جديدة في تاريخ الجزائر، وذلك لأن السلطان العثماني أراد أن يخفف حدة النزاع بين فئة الرياس وفئة اليولداش، وخاصة أن الفئة الأخيرة كانت مستاءة من تمتع فئة الرياس أو جنود البحرية بلقب البايلربايات أو أمير الأمراء، ولذلك قرر السلطان العثماني إلغاء هذه الرتبة وتعويضها برتية أخرى هي رتبة الباشا، ونتيجة لهذا التغيير أصبح السلطان العثماني يقوم بتعيين باشا لمدة (3) سنوات، يقوم بإرساله من تركيا ويستدعيه بعد انتهاء فترة تعيينه، على أن يقوم بإرسال باشا آخر من هناك، لكن المشكل هو أن كل باشا معين في الجزائر لمدة قصيرة لا تتجاوز (3) سنوات كان ينصرف إلى السلب والنهب وجمع الثروة، قبل عودته إلى القسطنطينية، وهذا ما دفع باليولداش أو رجال الجيش البري أن يثوروا على الباشوات ويضعفوا نظام الحكم في الجزائر.
وباختصار فإن هذه المرحلة من تاريخ الجزائر قد تميزت بما يلي:
1 ـ تعيين باشا تركي في كل من الجزائر وتونس وطرابلس، بعد أن كان هناك حاكم واحد للمنطقة يوجد مقر حكمه في الجزائر.
2 ـ بدأت تظهر الخلافات والتناقضات بين جنود البحرية الجزائرية «الرياس» وبين جنود البحرية العثمانية، وخاصة عندما حاول الأتراك أن يخضعوا المصالح الجزائرية لمصالح الإمبراطورية العثمانية.
3 ـ برزت قوة «الرياس» أو قوة رجال البحرية الجزائرية، إلى درجة أن دول أوروبا أصبحت تخشى الجزائر، وتسعى لإقامة علاقات تعاون معها. وعندما تعثرت المفاوضات قامت الدول المسيحية بشن حملة عسكرية على الجزائر في شهر سبتمبر من عام (1701م).
4 ـ حصل في هذه الفترة تصادم وتنافر بين جنود البحرية وجنود القوات البرية «اليولداش». وخاصة أن رجال البحرية كانوا يحصلون على غنائم كبيرة من جراء غاراتهم البحرية الناجحة على أساطيل القوات الأوروبية، وهذا الصراع هو الذي تسبب في إضعاف الدولة الجزائرية.
ج ـ عصر الأغوات (1659 ـ 1671م):
يعتبر هذا العهد من أقصر العهود، وذلك نظراً لإقدام قادة الجيش البري «اليوليداش» على خلع الباشا، وتعويض هذا القائد بقائد آخر من فئتهم أطلق عليه اسم «الاغا»، وفي الحقيقة أن هذا الانقلاب قد جاء بمثابة انقلاب على الباشا المعين من طرف الإمبراطورية العثمانية والمدعوم من طرف فئة الرياس، ولكي لا يستأثر الاغا بالسلطة فقد تقرر أن يكون الحكم ديمقراطياً، أي يستعين الحاكم بالديوان العالي الذي كان يضم في البداية أعضاء الفرق العسكرية البرية، ثم توسعت العضوية فيه بحيث أصبح يضم ممثلين عن فئة الرياس وبعض كبار الموظفين ومفتي الجزائر، وتمشياً مع هذه الخطة فإن الجيش البري هو الذي أصبح يعين الآغا حاكماً للجزائر لمدة سنتين، يترقى بعدها إلى رتبة اغا شرف، ويحل محله أغا اخر. وهكذا استفحل الصراع بين الأغوات من جهة، والرياس من جهة أخرى، وكانت النتيجة هي انتشار الفوضى وانعدام الأمن واستياء تركيا من انفصال حكام الجزائر عنها، وقطع كل المساعدات عنهم، وفي عام (1671م) انهار نظام الأغوات وحل محله نظام الدايات.
وباختصار فإن هذه الفترة القصيرة من نظام حكم الأغوات في الجزائر قد تميزت بما يلي:
1 ـ اضمحلال نفوذ السلطان العثماني، وغياب السيادة العثمانية في الجزائر.
2 ـ استفحال الصراعات المحلية، سواء بين ضباط الجيش البري أو ضباط الجيش البحري، وتذمر أبناء الشعب من الفساد السياسي وانتشار الفوضى في البلاد.
3 ـ نجح «اليوليداش» في قلب نظام الحكم والانفصال عن العثمانيين، والحد من سلطة الرياس، لكنهم فشلوا في انتشار نظام سياسي ديمقراطي ناجح.
4 ـ كان الانقلاب على الباشوات عبارة عن انتقام من طائفة أو فئة الرياس التي كانت كلمتها مسموعة في عهد الباشوات.
د ـ عصر الدايات (1671 ـ 1830م):
لقد استفاد حكام الجزائر من تجارب الحكم السابقة في هذا البلد، بحيث حاولوا ترضية السلطان العثماني، وتقوية مركز الحاكم «الداي»، وذلك عن طريق تعيينه في منصبه مدى الحياة بناء على اقتراح من الديوان العالي، وتعيين رسمي من طرف السلطان العثماني، وبكلمة مختصرة فإن الجزائر قد أصبحت دولة مستقلة عن تركيا، وخاصة أن الداي أصبح ينتخب من طرف الديوان العالي «المجلس» الذي صار بمثابة برلمان في عصرنا الحالي، والسلطان العثماني لا يلعب أي دور في اختيار داي الجزائر، وينحصر دوره في إصدار مرسوم أو فرمان لتثبيت اختيار الديوان العالي بالجزائر، وفي حالة شغور المنصب فإن الديوان العالي هو الذي يختار خليفته بنفس الأسلوب الانف الذكر، وعندما حاول السلطان العثماني في عام (1711م) أن يقوم بتعيين حاكم على الجزائر قام داي الجزائر علي شاوس بطرده وتنصيب نفسه بدلاً منه، وعليه فإن تركيا قد احتفظت لنفسها بسلطات شكلية في الجزائر. تمثلت بصفة خاصة في الدعاء للسلطان العثماني في صلاة الجمعة، والاعتراف بمراسيم التعيين، والتعاون في مجال الحروب، بحيث تقوم الجزائر بتقديم المساعدة العسكرية للبحرية التركية في حالة تعرضت تركيا لاعتداء خارجي، «كما حصل في معركة نافارين سنة (1827م)».
وبدون شك فإن عصر الدايات (1671 ـ 1830م) هو عصر القوة العسكرية، والحاكم هو الذي يختار وزراءه بحرية تامة، ويشكل مجلس الدولة بأسلوبه الخاص، لكن إنصافاً للحقيقة ينبغي أن نقول بأن نفوذ الجيش البحري الرياس وازدياد نفوذ الدايات لم يخدم أبناء الجزائر الأصليين ولم يستجب لمطالبهم، ولهذا فإن هذه القوات العسكرية والسياسية قد توجهت لخدمة مصالحها وتحقيق الغنائم لقادتها، وبالتالي فإن العناصر الجزائرية الأصل بقيت على الهامش، ولم تكن لها مشاركة حقيقية في قيادة البلاد.
ومع كل هذا ينبغي أن نؤكد على حقيقة أساسية، وهي أن الدولة الجزائرية في عهد الدايات قد تمتعت بحرية العمل في المجال السياسي، وبنت جيشاً قوياً، وعندها ميزانية مستقلة لا تقل أهمية عن ميزانيات الدول القوية في تلك الفترة، وقد كان الداي يعقد المعاهدات باسم الجزائر، ويبعث بقناصل الجزائر إلى الدول الكبرى، ويوافق على اعتماد القناصل في الجزائر بدون مشاورة تركيا، ويعلن الحرب، ويستعمل العملة الخاصة بالجزائر، وهذه العوامل كلها تبين استقلالية القرار الجزائري.
وباختصار فإن فترة حكم الدايات قد تميزت بخصائص يمكن إيجازها فيما يلي:
1 ـ في عهد الدايات تحول جنود البحرية من جنود مناضلين ومقاتلين ضد القوات المسيحية المناهضة للإسلام، إلى رجال يبحثون عن الغنائم لأنفسهم وللحكام.
2 ـ اهتم حكام الجزائر في القرن السابع عشر والثامن عشر بجمع الثروة من العمليات الحربية في البحر، ولم يهتموا بتطور الدخل من الثروة الفلاحية وتوفير الغذاء للسكان.
3 ـ نتيجة لاعتماد الحكام على الحروب والصراعات الداخلية بين فئات الجيش ؛ فقد لقي العديد من الحكام مصرعهم على يد المجموعات المعادية لهم، بحيث أصبحت قضية اغتيال المسؤولين عملية عادية.
4 ـ تمكن حكام الجزائر في هذه المرحلة الأخيرة من القضاء نهائياً على الوجود الإسباني في الجزائر، وخاصة في سنة (1792م) حيث تمكن قادة الجزائر من طرد الجيش الإسباني من وهران والمرسى الكبير.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022