الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

حلقة من كتاب كفاح الشعب الجزائري، بعنوان:

(سياسة صالح رايس)

الحلقة: الثامنة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020


أ ـ عمل صالح رايس في سياسته الداخلية على تحقيق أمرين:
1 ـ تحقيق الوحدة بصفة تامة مطلقة بين كل أجزاء الجزائر.
2 ـ إدخال بقية أجزاء الصحراء الجزائرية ضمن هذه الوحدة حتى يتفرغ للأندلس.
أما سياسته الحربية الخارجية فقد كانت ترمي إلى ثلاثة أهداف:
أولها: إبعاد الإسبان نهىء ياً عن أراضي الجزائر.
ثانيها: وضع حد فاصل للمشاغبات والمفاجات التي تقوم بها الدولة المغربية السعدية.
وثالثها: إعلان نفير الجهاد العام والسير برّاً وبحراً على رأس الجيوش الإسلامية إلى بلاد الأندلس.
ابتدأ صالح رايس في مستهل ولايته بتحقيق الوحدة الداخلية، واستطاع أن يُخضع الإمارات المستقلة لنفوذ الدولة العثمانية، وأصبح وضع العثمانيين في الجزائر أقوى مما كان عليه، ثم بدأ صالح رايس في مخططه نحو المغرب الأقصى، واستفاد من الظروف التي تمر بها تلك الديار، ووقف مع أحد أفراد أسرة بني وطاس الذي فقد أمله في وقوف الإسبان والبرتغاليين معه.
وتحركت القوات العثمانية للوقوف مع أبي حسون الوطاسي، وحصلت اصطدامات عسكرية بين قوات محمد الشيخ والقوات العثمانية قرب باديس التي رسا بها الأسطول العثماني، إلا أن الهزيمة لحقت بالقوات السعدية ، مما أفسح المجال أمام العثمانيين لكي يواصلوا زحفهم نحو الداخل ، وقبل أن تنتهي سنة ( 963ه ـ1553م)، سقطت مدينة تازة في يد العثمانيين الذين اشتبكوا مع السعديين في معارك متواصلة أهمها بكدية المخالي في ساحة فاس، عند ذلك تقدمت القوات العثمانية ومعها أبو حسون نحو فاس التي دخلتها في (3 صفر سنة 964هـ 8 يناير 1554م).
وأعلن الباب العالي ضم المغرب إلى الدولة العثمانية بعد أن خطب الإمام للسلطان العثماني.ازداد فزع الإسبان والبرتغال لرؤية الأساطيل العثمانية وهي تسيطر على بعض الموانىء المغربية القريبة من مراكز احتلالهم التي سيطر عليها العثمانيون ومن ثم التوجه للأندلس، وقد جاء في الرسالة التي بعثها الملك البرتغالي (جان الثالث) إلى الإمبراطور شارل الخامس، ما يدل على هذا الفزع إذ كتب إليه يحثه على التدخل في المغرب للحيلولة دون توطيد العثمانيين لأقدامهم في هذه البلاد، لأن ذلك يشكل خطراً كبيراً على مصالح الأمتين.
مكث صالح رايس بمدينة فاس أربعة أشهر ضمن خلالها استقرار الأمور للدولة العثمانية، وفي خلال تواجده في فاس لم يترك الجهاد ضد الإسبان، فأرسل فرقة من جيشه إلى الريف المغربي استرجع من الإسبان معقلهم الكبير باديس، أو صخرة فالين كما يدعونها، كما حاول صالح رايس أن يستبدل الباشا العثماني بو حسون بالشريف الإدريسي الراشدي مولاي بوبكر، بناء على اقتراح المرابطين الصوفيين، للقيام على حكم فاس باسم السلطان العثماني، إلا أن ثورة الأهالي اضطرت صالح رايس لإعادة حسون إلى حكم فاس، فأذعن بوحسون لشروط العثمانيين بشأن الحفاظ على السيادة العثمانية من حيث الخطبة باسم السلطان العثماني وإقامة حامية عثمانية في مقر بلاطه.
ب ـ تمهيده للعمل المشترك في استرداد الأندلس:
لم يكن صالح رايس يهتم قبل كل شيء إلا بمحاربة الإسبان، ولا يهدف من وراء أي عمل إلا جمع القوى الإسلامية من أجل تطهير البلاد من التواجد المسيحي، كان يرى قبل كل شيء وجوب طرد الإسبان من وهران، قبل النزول إلى الأندلس، لكن كيف يتسنى له ذلك وسلطان السعديين بالمغرب يترقب به الفرص، وسلطان قلعة بني عباس ببلاد مجانة يعلن انفصاله واستقلاله؟ ترامت لصالح رايس يومئذ الأنباء عن ضعف القوى الإسبانية بمدينة مجانة، علاوة عن معاناة الحامية بالضيق، فرأى صالح أن يغتنم الفرصة، وأن يبدأ بتطهير الشرق من الإسبان قبل أن يطهر الغرب، ولعل إنقاذ بجاية سيكون له أثر في عودة ملك بجاية إلى حظيرة الوحدة الإسلامية تحت ضغط السكان. سار صالح رايس في (ربيع أول سنة 963هـ يناير 1555م)، نحو مدينة بجاية على رأس قوة كبيرة بنحو ثلاثين ألف رجل عززهم في الطريق بالمجاهدين في إمارة كوكو، فوطئت الجيوش العثمانية المدينة وحاصروها، بينما جاء الأسطول العثماني يحمل الأسلحة والمدافع بجانب الجيش، وصوّب المسلمون قذىء فهم على القلعة، ودارت معركة عنيفة، ونجح صالح رايس في انتزاع بجاية من الإسبان في (ذي القعدة سنة 963هـ سبتمبر 1555م)، ولم يستطع حاكم نابولي نجدة حاكمها في الوقت المناسب، كما استسلم الحاكم الإسباني للقوات العثمانية.
ج ـ مقتل بوحسون الوطاسي:
واجه بوحسون منافسة محمد الشيخ السعدي الذي جمع قوات من السوس والحوز وأتى بجنوده إلى أن وصل رأس الماء من أحواز فاس، وكان بوحسون بعد انسحاب العثمانيين قد أخذ في إعداد الجيوش وآلات الحرب؛ إلى أن انقضت ثمانية شهور، فأمر بالخروج لمواجهة مولاي محمد الشيخ والوصول إلى مراكش. ولما تقابل الجيشان قام بينهما قتال عظيم، واستطاع بوحسون أن ينزل بالسعديين هزيمة شنيعة ؛ حتى استطاع أن يردهم على أعقابهم، ثم أرسل بوحسون لمولاي محمد الشيخ وقال له: اخرج أنت وأولادك إلى لقىء ي، وأنا أخرج إليكم بنفسي ونترك المسلمين بدون قتال، فتظاهر محمد ورجع إلى والده وإخوته الستة الذين اجتمعوا على بوحسون، فجعل يطاردهم حتى طمر به فرسه، فسقط فطعنوه فاجتزوا رأسه وأتوا به جيشه، فانهزموا بلا قتال، وأخذ محمد الشيخ فاس. وهكذا مات بوحسون بعد تسعة شهور من عودته لحكم فاس، وإن كانت قد ضاعت بموته الفرصة الأولى لإعلان السيادة العثمانية على فاس، إلا أن أحداث هذه الوقىء ع كانت تعني أن الفرصة ما زالت واسعة أمام العثمانيين لتطبيق غزوهم المحلي للمغرب، لاسيما وأن محمداً الشيخ السعدي ـ باسم القضاء على الحزب العثماني بين المغاربة ـ أنزل القتل في أكثر من مئتين من كبار أعيان فاس فضلاً عن الفقيهين المرينيين محمد عبد الوهاب الزقاق قاضي فاس، والحسن على حزوز خطيب فاس.
د ـ التعاون البرتغالي الإسباني السعدي ضد العثمانيين:
بعد عودة فاس للسعديين ظهر محمد الشيخ كخصم عنيد للعثمانيين، ومن المعارضين لسياستهم التوسعية في بلاد المغرب، بل وأكثر من ذلك أنه أعلن إثر دخوله فاس بأنه عازم على الذهاب إلى الجزائر لمنازلة العثمانيين هناك، فهذا التنافس السعدي العثماني على شمال إفريقيا، بل وعلى الخلافة الإسلامية كان في صالح الإسبان والبرتغال، ولا عجب إذا رأينا بعد ذلك تقارباً بين هؤلاء جميعاً ضد العثمانيين.
بعث الملك جون الثالث رسالة إلى حاكم مازكان البرتغالي الفارودي كالفولو ردّاً على الطلب الذي تقدم به المولى محمد الشيخ إلى كل من مدريد ولشبونة لتزويده بقوات عسكرية ضد العثمانيين، كما حددت الرسالة بعض الشروط التي يراها البرتغاليون لمساعدة السعديين، كتسليم بعض المراكز البحرية المغربية مثل بادس بنيون والعرىء ش، بالإضافة إلى تموين القوات المسيحية التي سيرسلها لمساعدته، وأخيراً يختتم الملك البرتغالي يوحنا الثالث بضرورة إخبار الإمبراطور الإسباني بذلك للتنسيق في عمل مشترك ضد العثمانيين، ونتيجة لهذا التقارب فقد عقدت هدنة بين السعديين والبرتغال بواسطة حاكم مازكان لمدة ستة أشهر وذلك في مطلع (962هـ 1555م)، وظل مفعول هذه الهدنة زمناً طويلاً.
إذ كان حاكم مازكان هو الذي قام بدور الوساطة مع السعديين، فإن المزوار بوغانم هو الذي كُلِّف من قبل المولى محمد الشيخ بالوساطة مع الإسبان، وأول رسالة للمنصور في هذا الصدد تلك التي بعثها إلى حاكم وهران الإسباني الكونت دي الكودين في مطلع (ربيع أول 963هـ يناير 1555م)، وقد أخبر المزوار الكونت الإسباني بوصول رسىء له وأنه أعلم بها المولى محمد الشيخ وابنه عبد الله اللذين أعربا عن سرورهما لقدوم وفد إسباني للتفاوض معه، وقد أرسل حاكم وهران بالفعل إلى فاس وفداً يتألف من ثلاثة أشخاص جاؤوا للاتفاق مع المولى محمد الشيخ حول إعداد حملة مشتركة إسبانية ـ مغربية ضد العثمانيين.
وقد جاء في التقرير الذي رفعه الوفد للكونت حاكم وهران الإسباني الذي أشرف على سير المحادثات(... بعدما سلمناه الرسىء ل... طلب إلينا الملك السعدي أن نقول له شفويّاً عن سبب المهمة التي قدموا من أجلها إلى فاس... إننا جئنا استجابة لطلب مولاي عبد الله والقىء د منصور بن غانم، حيث طلب من حاكم وهران إرسال بعض الرجال للتفاوض في أمر الجزائر.
أجابنا الشريف بأنه لا يزال عند فكرته وأنه يرغب في طرد العثمانيين من بقايا إفريقيا، ومن أجل ذلك فهو يطلب من جلالة الإمبراطور إمداده بعشرة الاف مقاتل مسلحين بأسلحة نارية، وأنه (أي الشريف) يرى بأنه من المناسب أن يقوم جلالة الإمبراطور بكل ما يلزم لهؤلاء المقاتلين من نفقات، ذلك لأن طرد العثمانيين إنما هو عمل تستفيد منه ممالك الإمبراطور والمسيحية جمعاء... وطالت المذكرات كثيراً. وأخيراً أعلمني القىء د برشميده، بأن الشريف قد ادخر كثيراً من المال لمحاربة العثمانيين، وأنه يسعده أن يعين الإمبراطور على ذلك وأن الأمر مستعجل جدّاً...).
(... جاء ذكر الجزائر ماذا نصنع بها بعد احتلالها، فكان من رأي الملك السعدي تحطيم هذه المدينة وإزالتها تماماً، أما أهلها فتؤخذ أموالهم، وإذا امتنعوا فيقتلوا، ورفض الملك السعدي أن يؤخذوا عبيداً للمسيحيين، وذكر الوفد أن الأتراك أجانب عن البلاد وأنهم أعداء له فيجب معاملتهم معاملة الأعداء، أما العرب فيمكن أن تترك لهم حريتهم في حالة استسلامهم دون مقاومة، إلا أن الملك السعدي أوضح أنه لن يسمح أبداً بأن يصبح أي عربي عبداً، لأن هذا مخالف للشريعة).
يتبين من خلال ذلك مدى حقد الشريف السعدي على العثمانيين، الذي لم يتورع في الاستنجاد بالقوى المسيحية إسبانيا والبرتغال في سبيل تحقيق أهداف شخصية، حتى لو كان على حساب عقيدته الإسلامية ومصالح المسلمين.
نتيجة لذلك التقرير فقد بعث الكونت الكوديت حاكم وهران ذلك إلى الأمير فيليب ابن الإمبراطور شارل مشفوعة بخطاب هذا نصه: (... يجب علينا أن نعتبر أنفسنا سعداء جدّاً في الوقت الذي يبذل فيه ملك فرنسا عدونا الألد كل جهوده للحصول على أسطول السلطان العثماني، حتى يهاجم ممتلكات جلالة الإمبراطور، وكون أمير عربي يعرض علينا نفوذه في مهاجمة العثمانيين في الجزائر ومحاربتهم وإبعادهم عن الأرض التي يحتلونها في إفريقيا ، وذلك فيما إذا قدمنا له اثني عشر ألفاً من المقاتلين الإسبان على حسابه ، كذلك يتعهَّد الشريف السعدي في حالة الموافقة أن أبعث بأحد أبنىء ي رهينة لديه، وأن يجهز المال اللازم لهذه الحملة بكل سرعة، بما أن هذه الصفقة ستجر خيراً عظيماً على جلالته، وعلى المسيحية جمعاء فأنا لا أتردد في قبول طلب الشريف، وأرسل إليه ابني رهينة ؛ حتى لو كنت على يقين أنه يريد أن يذبحه بل إنني وجميع من حولي مستعدون لتقديم أنفسنا كرهىء ن، حتى لو كان الشريف يريد بيعنا عبيداً...).
ه ـ المخابرات العثمانية تكتشف المؤامرة:
اطلع صالح رايس على تلك المؤامرة التي كانت تحاك ضد الدولة العثمانية بين ملك المغرب والإسبان، والتي كان هدفها طرد العثمانيين من الجزائر، لأنه طالما أن الدولة في الجزائر معناه خطر على إسبانيا، فبعث صالح رايس للباب العالي يخبره بشأن تلك المحادثات، فكان جواب السلطان سليمان سريعاً وحاسماً بوجوب مهاجمة وهران قبل أن تسفر المحادثات بين الجانبين السعدي والإسباني عن نتيجة عملية، فأرسل السلطان سليمان أربعين سفينة لمساعدته في الاستيلاء على وهران والمرسى الكبير، ومنذ ذلك الوقت كانت الهجرة والتجنيد الطوعي من مختلف أنحاء الدولة العثمانية هي التي تغذي الأوجاق، الذي كان تبعاً لذلك يتجدد على الدوام.
و ـ وفاة صالح رايس:
استعد صالح رايس لفتح وهران، وضم أسطوله إلى جانب أسطول السلطان وصار لديه نحو سبعين سفينة، واجتمع لديه من الجند ما يقارب من أربعين ألف جندي، وكان ينوي إتمام زحفه هذا بالمسير إلى مراكش للقضاء على الفتن والاضطرابات وإخضاعها لسلطانه، ولكن القدر لم يمهله فتوفي صالح رايس بالطاعون في شهر (رجب 963هـ 1556م) عن عمر سبعين سنة.
إن الدولة العثمانية سعت إلى ضم المغرب في نطاق توحيد البلاد الإسلامية، والوقوف بها صفاً واحداً ضد الهجمات المسيحية، ذلك أن استقراره في قواعد بحرية تنتشر على طول سواحل المغرب الأقصى المطلة على المحيط الأطلسي، يعني في حقيقة الأمر نجاح الأساطيل العثمانية في اعتراض الطرق البرية للبرتغال أو إسبانيا مع العالم الجديد والشرق، من هنا نرى أن نجاح الفكرة كان يعتمد أساساً على وصول العثمانيين إلى تلك السواحل ليشاركهم في ذلك المجاهدون الذين عملوا سنوات طويلة تحت إمرة أمراء البحر العظام، أمثال خير الدين وعروج بربروسة وصالح رايس.
قام القىء د يحيى بإكمال خطة صالح رايس فأبحر نحو وهران، وفي الطريق وصلت الأوامر السلطانية بتعيين حسن قورصو لمنصب بيلرباي، ووصلت الجيوش البرية والبحرية إلى وهران وحوصرت حصاراً شديداً، إلا أنها لم تفتح رغم استعدادات العثمانيين الكبيرة وذلك بسبب النجدات المتواصلة التي كانت تبعثها إسبانيا إلى المدينة المحاصرة.
ز ـ احتلال محمد الشيخ السعدي لتلمسان:
انتهز الشريف السعدي محمد الشيخ فرصة عودة الأسطول العثماني إلى إسطنبول فأسرع بإرسال جيوشه نحو تلمسان التي كان رجالها قد انضموا إلى صفوف المجاهدين في محاولتهم لاسترجاع وهران، فدخلها الشريف السعدي على غفلة ووضع على رأسها القىء د ابن غنام زعيم قبىء ل بني راشد، ووزير آخر ملوك الزيانيين المحتمين بإسبانيا، أما الحامية العثمانية الموجودة في تلمسان بقيادة القىء د محمود صفا بك فقد استطاعت الصمود في وجه السعديين حتى احتوت ذلك الهجوم السعدي.
إن السعديين كانوا يرون في ضم تلمسان عاملاً قويّاً في توطيد سيطرتهم على المغرب الشرقي لصد كل تدخل عثماني في المغرب، بعكس العثمانيين الذين كانوا يرون في التمركز بتلمسان تدعيماً لوجودهم في الجزائر وقاعدة حصينة لغزو المغرب، باعتبارها أقرب نقطة للوصول إلى الأندلس. كما أن شواطىء المغرب الشمالية والغربية تعتبر قواعد رئيسية لتهديد المواصلات البحرية للبرتغاليين والإسبان.
بدأت الدولة العثمانية بتغيير سياستها مع الحكام السعديين، عندما بعث السلطان سليمان القانوني برسالة إلى سلطان الدولة السعدية يهنئه بما أحرزه من انتصارات، ويعلمه بما كان عليه بنو مرين من الهدايا والرد والخدمة والميل إليه، وأن السلطان في نصرتهم، وقد سبق وأن ظهر ذلك في آخر ملوك دولتهم أبي حسون، الذي زوده بأربعة الاف جندي. كان ذلك في محاولة من السلطان لتكوين اتحاد إسلامي كبير يواجه به الأخطار الخارجية، غير أن ذلك قوبل بالرفض من السلطان السعدي محمد الشيخ، الذي رد على مبعوث السلطان بقوله: (سلم على أمير القوارب سلطانك، وقل له: إن سلطان المغرب لابد أن ينازعك على محمل مصر ويكون قتاله معك عليه إن شاء الله ويأتيك إلى مصر والسلام).
يظهر من ذلك استياء محمد الشيخ الذي لم يكن يرى شرعية الخلافة العثمانية، كما أظهر طموح محمد الشيخ الذي كان يحلم بإمامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
ح ـ مقتل محمد الشيخ:
قتل محمد الشيخ في عام (964هـ 1557م) من قبل حرسه الخاص، وتطورت الأحداث بالمغرب، وخاصة فيما يتعلق بالدولة السعدية، إذ لم يعد هناك مجال للشك في أن العثمانيين إنما يسعون جادين للاستيلاء على المغرب ، لا باعتباره الجزء المتمم للشمال الإفريقي فحسب ، بل ولأهميته الاستراتيجية كأقرب نقطة إلى بلاد الإسبان والبرتغال.
ط ـ عودة حسن بن خير الدين إلى الجزائر:
رأى السلطان العثماني ضرورة إعادة حسن بن خير الدين إلى الجزائر، وذلك بعد مصرع حسن قور عام (964هـ 1557م)، بعد انقطاع استمر لعدة أعوام قضاها في الجهاد في مواطن أخرى، واستبشر الناس برجوعه، وشرع في ترتيب أمور الجزائر، فنظم الإدارة، ورتب الجيش ترتيباً أعانه على ضبطه، وبدأ في رحلته الجهادية، ووضع أمامه هدفين عظيمين، تطهير الشمال الإفريقي من الوجود المسيحي، واسترداد الأندلس لحوزة المسلمين.
ي ـ الثورات الداخلية في المغرب الأقصى:
اندلعت الثورات المناهضة للإمارة السعدية بعد مقتل محمد الشيخ في تارودانت، فقامت ثورة المولى عثمان في السوس بالجنوب في (جمادى الأول عام 965هـ فبراير عام 1558م)، وثورة المولى عمر في دبو بالمشرق في رجب عام (965هـ أبريل عام 1558م)، وثورة المولى عبد المؤمن في مراكش في ربيع الأول عام (966هـ ديسمبر عام 1558م)، ثم كانت المذبحة الجديدة التي أنزلها عبد الله الغالب بثلاث من إخوته لرفضهم البيعة بولاية العهد لابنه محمد المتوكل، مما اضطر إخوته إلىالهروب إلى تلمسان والجزائر، فهرب المولى عمر والمولى عبد المؤمن وعبد الملك وأحمد المنصور، وذلك خوفاً من القتل.
قصد عبد الله الغالب إلى مراكش، ثم تارودانت حيث انتقم من قتلة أبيه، كما قضى على ثورة السوس التي نزعها عثمان، ثم عاد سريعاً إلى فاس لإعداد قواته لصد الحملة العسكرية التي يقودها حسن بن خير الدين، الذي حاول اغتنام فرصة الأهداف الداخلية المغربية لاحتلال البلاد. وقامت بين الطرفين معركة على وادي اللين بالقرب من فاس لم تسفر عن شيء، إلا أن حسن بن خير الدين الذي وصلته أنباء عن تحرك الإسبان من مدينة وهران بما يوشك أن يقطع عنه خط العودة، فذهب الجيش العثماني إلى مركز قصاصة في الشمال فركب سفينة وعاد الجزائر، بينما ذهب قىء د تلمسان إلى حاميته استعداداً للحوادث المقبلة.
ك ـ مقتل حاكم وهران الكوديت:
كان دو الكوديت حاكم وهران يدرك أن استرجاع العثمانيين لتلمسان يهدد الوجود الإسباني تهديداً خطيراً، فقرر الاستيلاء على مستغانم التي جعلها العثمانيون قاعدة لهم للهجوم على وهران، وكان دو الكوديت يأمل أن يجعلها قاعدة للهجوم على الجزائر، لذلك أعد قوة كبيرة تتكون من اثني عشر ألف مقاتل، وخرج على رأسها فهاجم مدينة مستغانم، إلا أن محاولته باءت بالفشل إذ تكبدت القوات الإسبانية في ذي القعدة عام (965هـ أغسطس عام 1558م) خسىء ر فادحة، وكان حاكم وهران الكوديت من بين القتلى، ورغم فشل الحملة الإسبانية ضد مستغانم ؛ فإن العثمانيين لم يعد لديهم أدنى شك في تواطؤ المولى عبد الله الغالب بالله مع الإسبان، مما جعلهم يتخذون جانب الحيطة والحذر عند محاولة القيام بمساعدة الثىء رين ضد الحكام السعديين، فعندما ثار المولى عبد المؤمن في مراكش في ربيع الأول عام (966هـ ديسمبر عام 1558م) واستنجد بوالي الجزائر الذي لم يمده بأية مساعدة عسكرية بل رحب به في بلاد الجزائر، وزوَّجه بإحدى بناته، ثم ولاه مدينة تلمسان.
ل ـ سياسة حسن بن خير الدين في التضييق على الإسبان:
أراد حسن بن خير الدين أن يغتنم فرصة انتصار مستغانم لتطهير المركز الإسباني في وهران، وأخذ يستعد في مدينة الجزائر لجمع قوى جديدة منظمة منقادة إلى جانب الجيش العثماني، فجند عشرة الاف رجل من زواوة، كما أنشأ قوة أخرى ووضع على رأسها أحد أعوان والده القدامى، وفي الوقت نفسه حاول الحصول على تأييد القوة المحلية، فتزوج من ابنة سلطان كوكو ابن القاضي وكان هذا الزواج يخدمه من ناحية أخرى في الاستعانة بقوة ابن القاضي لمواجهة زعيم قبلي آخر (عبد العزيز بن عباس) الذي أعلن استقلاله في المغرب، وبذلك صار أسطول الدولة العثمانية يتردد دىء ماً على مدينتي حجر باديس وطنجة.
عيّن حسن بن خير الدين في عام (965هـ 1558م) بويحيى الرايس، قىء داً على باديس، فقام بتخريب الساحل الإسباني من قرطاجنة حتى رأس سانت فنست، وصار تحت قيادته في باديس عدة سفن، وتلقب بحق سيد مضيق جبل طارق.
وقد جاء في تقرير إسباني بقلم فرانسكوا دي إيبانير أن يحيى يملك أربع سفن حربية الأولى بقيادته وعلى ظهرها (90) عثمانياً مسلحين بالسهام والأقواس والمناجيق، والثانية يقودها قره مامي وعلى ظهرها (80) عثمانياً مسلحين بنفس الأسلحة، والثالثة بقيادة مراد الرايس بقوة (70) جندياً، والرابعة تحمل نفس العدد ونفس الأسلحة، وبالإضافة إلى هذه السفن الأربعة العاملة عبر مياه المضيق، كان في حوزة بو يحيى سفينتان في باديس، ويقوم بصنع سفينة أخرى، ويتصل بنشاط سفن باديس سفن تطوان العرىء ش وسلا، ففي تطوان ثلاث سفن صغيرة، وفي العرىء ش ثلاث سفن أخرى على شاكلة سفن تطوان، وفي سلا سفينتان من النوع الآخر، إلا أن السفن الأخيرة لم تتبع قيادة بو يحيى، ودعا حسن بن خير الدين السفن الحربية الإسلامية للنهوض بنشاط يستهدف تخريب سواحل الأندلس والاستيلاء على سفن الهند.
ورفع تجار إشبيلية نتيجة لذلك شكواهم للملك الإسباني، يشكون فيها الفظىء ع التي تركتها سفن باديس والسفن الإسلامية الأخرى ضد السفن الإسبانية على طريق الملاحة والتجارة الهندية، ولم تستطع السفن العبور دون إذن من بو يحيى، فعم الخوف سكان الساحل الإسباني، لدرجة أن هؤلاء لم يكونوا يزرعون أراضيهم إلا بكل حذر، وغالباً ما كان العثمانيون يحاصرونهم أثناء عملهم، وكذلك الصيادون لم يكونوا يبتعدون كثيراً عن الشاطىء..
م ـ سياسة المولى عبد الله:
تابع المولى عبد الله سياسة والده الرامية إلى مقاومة الهدف في المغرب والاستعانة في سبيل ذلك بأعداء العثمانيين من إسبان وبرتغال عن طريق مهادنتهم، والمحافظة على أحوال السلم معهم، وقد دفعته سياسة المهادنة مع النصارى إلى الاستجابة لكثير من المطالب التي تقدمت بها بعض الدول الأوروبية كفرنسا التي استقبل سفيرها وحمَّله إلى الأمير أنطونيو دي بربون رسالة يعبر فيها عن استعداد المغرب للاستجابة للمطالب الفرنسية، ثم عقد الأمير الفرنسي معاهدة في (شوال 966هـ يوليو 1559م) مع المولى عبد الله الذي تنازل عن المرسى الصغير لفرنسا مقابل مده بالأسلحة والعتاد الحربي، وإرسال فرقة عسكرية تكون بمثابة حرس خاص للغالب، بعد أن فقد ثقته بالحرس التركي الذي سبق وأن اغتال والده محمد الشيخ، كانت فرنسا بعد أن عقدت معاهدة كاتوكمبر سيس في (21 جمادى الأولى في سنة 966هـ 13 أبريل 1559م) مع إسبانيا والتي أنهت الحرب الإيطالية، أخذت تبحث عن أسلوب جديد يمكن الاعتماد عليه في حالة تجدد النزاع مع إسبانيا، خصوصاً وقد صار لفليب الثاني نفوذ قويّ في أوروبا، لأن المعاهدة المذكورة دعمت نفوذ إسبانيا في إيطاليا والأراضي المنخفضة مما يهدد فرنسا، فأخذ في التقرب من المغرب البلد الإسلامي. ومما لاشك فيه أن فرنسا كانت ترى في المغرب حليفاً يمكن الاعتماد عليه، كما كانت ترى في ميناء القصر الصغير الاستراتيجي الذي لا يبعد إلا بضع كيلومترات عن جبل طارق، منطقة هامة يمكن اتخاذها قاعدة للهجوم على إسبانيا.
ولعل ذلك كان سبباً في عدم قيام الدولة العثمانية بموقف إيجابي تجاه المعاهدة لأنها كانت تأمل في أن تقوم فرنسا بدور الوسيط مع السعديين، فهدف الدولة العثمانية وفرنسا واحد في مسألة الهجوم على إسبانيا وإن اختلفت من الناحية العقىء دية. ففرنسا كانت ترغب في الهجوم على إسبانيا من أجل تحقيق نصر عسكري لتكون سيدة الموقف في غرب البحر المتوسط، بينما الدولة العثمانية تهدف إلى إنقاذ المسلمين من الحكام الإسبان ثم استرداد الأراضي الإسلامية في الأندلس. حَوَّلَ حسن بن خير الدين أنظاره سنة (966هـ 1559م)، وتحرك بجيوشه نحو المناطق التابعة لأمير قلعة بني عباس عبد العزيز، فاستولى على المسيلة وحصنها وبنى برجاً، وذلك لتثبيت الوجود العثماني هناك، ووضع حامية بلغ عددها أربعمئة جندي، ثم عاد حسن بن خير الدين متوجهاً صوب بلاد حمزة في أنحاء بربرة، عندها انقض أمير قلعة بني عباس على الحصن العثماني، ونشبت معارك بينه وبين الحامية العثمانية لقي فيها الأمير عبد العزيز بن عباس صاحب القلعة حتفه، وخلفه أحمد مقران الذي امتلك نواحي بلاد كوكو فاعترف به حسن بن خير الدين.
اشتدت حملة إزعاج تجارة المسيحيين من ناحية موانىء تونس والجزائر... بالإغارة على السفن المسيحية، كما بعثت تلك الموانىء ببعض القوات العسكرية...... وجزء من الأسطول، لمساندة السلطان في الشرق.
ن ـ الأسطول العثماني يهاجم جربة في تونس:
قام الأسطول العثماني بقيادة بيالي باشا بالهجوم على جزيرة جربة في (رمضان 967هـ مايو 1560م)، ونجح الأسطول في تحقيق أهدافه ضد الإسبان، الذين لم يجدوا حرجاً من الاستنجاد بفرنسا، بعد ذلك كان من المقرر أن يقوم بيالي باشا ببعض الغارات في البحر المتوسط قبيل عودته إلى القسطنطينية، ولكن درغوث باشا الذي سبق وأن ضايقه الثوار في الداخل، أقنع بيالي باشا بالتوجه إلى طرابلس لمساعدته في القضاء على التمرد قرب تاجوراء، وقد وصل بيالي باشا إلى طرابلس وصول الفاتحين، ودخلت السفن العثمانية المزينة بالأعلام والشارات التي غنمها من الأعداء، بينما كانت أعلام الأعداء منكسة فوق سواري السفن. وأقام بيالي باشا في طرابلس أياماً قليلة كافية لمعاقبة سكان تاجوراء، ثم أقلع بأسطوله صوب عاصمته.
س ـ اعتقال حسن بن خير الدين وإرساله إلى إسطنبول:
استمر حسن بن خير الدين في استعداداته لمهاجمة المغرب، فشرع في تكوين قادة من رجال القبىء ل كان ينوي أن يوكل إليها حراسة الجزائر أثناء غيابه لعدم ثقته بالإنكشارية، الذين أحسوا بالخطر فقاموا في صيف (686هـ 1561م) باعتقال حسن باشا وأعوانه، وأرسلوه مقيداً إلى إسطنبول، ورافق حسن باشا عدد من زعماء الجند، مهمتهم أن يوضحوا للسلطان الأسباب التي دفعتهم إلى هذا التصرف، متهمين حسن باشا أنه كان ينوي القضاء على الأوجاق، والاعتداء على جيش محلي بغرض الاستقلال عن السلطان، لكن السلطان أرسل أحمد باشا مع قوة بحرية لمعاقبة المتمردين والقضاء على الفوضى، ونجح أحمد باشا في اعتقال زعماء التمرد وأرسلهم إلى إسطنبول.
ع ـ عودة حسن بن خير الدين إلى الجزائر:
أعاد السلطان العثماني سليمان القانوني حسن بن خير الدين إلى بيلربكية الجزائر للمرة الثالثة في أواخر سنة (970هـ 1562م)، معززاً بعشر سفن حربية، ومزوداً بقوة عسكرية مسلحة، قضى بعدها حسن بن خير الدين خمسة أشهر بعد عودته يهيىء العدة والعتاد لمهاجمة وهران والمرسى الكبير، وهما كل ما بقي لإسبانيا في بلاد الجزائر.
خرج حسن بن خير الدين في سنة (971هـ 1563م) من مدينة الجزائر نحو الغرب، يقود جيشاً كبيراً مؤلفاً من خمسة عشر ألف رجل من رماة البندقية، وألف فارس من الصباحية تحت إمرة أحمد مقرن الزواوي، واثني عشر ألف رجل من زواوة وبني عباس، أما مؤن وذخيرة الجيش فقد حملها الأسطول العثماني إلى مدينة مستغانم التي اتخذها قاعدة للعمليات. وفي (13 إبريل) وصل حسن خير الدين بكامل قواته أمام مدينة وهران وضرب حصاراً حولها، وكان الإسبان مستعدين لتلقي الصدمة وراء حصونهم وقلاعهم، بعد أن توالت النجدات الإسبانية والبرتغالية على وهران استجابة لنداء حاكمها، ومنذ أن صارت القوات العثمانية على مسافة مرحلتين، وبينهما كان البيلربك نفسه على بعد ست مراحل مما اضطر حسن بن خير الدين إلى رفع الحصار قبل وصول المزيد من هذه النجدات التي اتخذت من مالطة مركزاً لتجمعها.
وهكذا لم يستطع حسن بن خير الدين تحقيق هدفه ؛ ذلك لأن فيليب الثاني كان قد وضع برنامجاً طموحاً للأسطول الإسباني، والبناء البحري في ترسانات إيطاليا وقطالونيا، كما وردت لخزانة إسبانيا إعانة من البابوية واجتمعت سلطة قشتالة التشريعية في جلسة غير عادية، وأقرت وجوب إمداد إسبانيا بمعونات مالية، لتساندها في حربها مع العثمانيين، وكانت ثمرة تلك المجهودات إعادة التنظيم لهيكل إسبانيا، وهزيمة العثمانيين في وهران سنة (971هـ 1563م).
بدأ فيليب الثاني يستعد لاحتلال جزيرة باديس، وتشجع بذلك النصر الذي حققه في وهران، ووجه لذلك أسطولاً في نفس السنة (971هـ 1563م)، فقاومه المجاهدون مقاومة عنيفة، اضطر الأسطول إلى التراجع. والجدير بالذكر أن جزيرة باديس كانت أقرب نقطة مغربية إلى جبل طارق، وأنها كانت بالنسبة للمجاهدين ميناءً هامّاً، إذ يمكنهم من خلالها العبور إلى الأندلس، كما يمكنهم التسلل لداخل الأراضي الإسبانية لتقديم المساعدة للمسلمين هناك. والذين أطلقوا على أنفسهم الغرباء، وهذا ما دفع الإسبانيين للهجوم عليها من خلال محاولتهم السابقة، كما كانت جزيرة باديس بالإضافة إلى ذلك مثار رعب وخوف لدى السلطان السعدي الغالب بالله، إذ خاف السلطان أن يخرج الأسطول العثماني من تلك الجزيرة إلى المغرب، فاتفق مع الإسبان أن يخلي لهم الإدالة من حجرة باديس، ويبيع لهم البلاد ويخليها من المسلمين، وينقطع أسطول العثمانيين في تلك الناحية، مقابل الدفاع عن شواطىء المغرب إذا هاجمها الأسطول العثماني ؛ الذي علم بتلك المؤامرة فانسحب ورجع إلى الجزائر، كما عزل بو يحيى رايس من منصبه في باديس في أواخر عام (971هـ 1563م)، وانصرف العثمانيون عن الحرب في غرب البحر المتوسط، إذ توجه نشاط الأسطول الحربي إلى جزيرة مالطة في الشرق.
ف ـ الصراع على مالطة:
كان السلطان العثماني سليمان القانوني قد عزم على فتح جزيرة مالطة التي كانت أكبر معقل للمسيحيين في وسط البحر المتوسط، والتي سبق وأن استقر فيها فرسان القديس يوحنا، فأرسل السلطان العثماني أسطوله بقيادة بيالي باشا نفسه، كما طلب من درغوث رايس حاكم طرابلس وجربة، وحسن بن خير الدين أن يتوجها على رأس أسطوليهما الإسلاميين للمشاركة في عملية مالطة، وإخضاعها استعداداً لمنازلة بقية المعاقل الإسلامية بعد ذلك، فسار حسن بن خير الدين على رأس عمارة تشمل (25) سفينة وثلاثة الاف رجل، ووصل الأسطول الإسلامي أمام مالطة يوم (18 مايو) وفرض الحصار عليها، واستمر الحصار ضيقاً شديداً إلى أن جهزت المسيحية رجالها وأساطيلها ووصل المدد تحت قيادة نىء ب الملك في صقلية، برفقة أسطول تعداده (28) سفينة حربية تحمل عدداً كبيراً من المقاتلين ونشبت المعركة بين الطرفين، وتمكن الأسطول الإسلامي من الانسحاب في (18 ربيع الأول 973هـ 8 ديسمبر 1565م).
ص ـ حسن بن خير الدين بربروسة القىء د العام للأسطول العثماني:
خلف السلطان سليمان القانوني السلطان سليم الثاني ؛ الذي أسند منصب القىء د العام للأسطول العثماني إلى حسن بن خير الدين، فترك الجزائر متوجهاً إلى إسطنبول سنة (975هـ 1567م)، وتولى منصب بيلرباي الجزائر بعد حسن بن خير الدين محمد بن صالح رايس، في (ذي الحجة 974هـ يونيو 1567م) وصادف في تلك السنة انتشار الأوبئة والمجاعة، صحبها تمرد الجند العثماني وأضرب الشعب، فاضطر إلى صرف وقته في مواساة المصابين وتسكين الفتن، ثم فاجأت محمد بن صالح رايس ثورة عامل قسنطينة المتأثرة بولاة تونس الحفصيين فعزله البيلرباي وقضى على ثورته، وولى على قسنطينة القىء د رمضان بن تشولاق، وفي (ربيع الأول سنة 975هـ سبتمبر 1567م)، هاجم الإسبان مدينة الجزائر، إلا أنهم ردوا على أعقابهم، ثم لم تطل ولاية محمد بن صالح رايس، إذ تعيّن نقله إلى ولاية أخرى في أنحاء الدولة.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022