الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(بداية التفاوض بين حكومة ديغول وجبهة التحرير)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 379

بقلم: د.علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1444ه/ ديسمبر 2022م

في يوم 14 يونيه «جوان» 1960م، ألقى الرئيس ديغول خطاب هاماً أعلن فيه عن استعداد فرنسا لاستقبال أي وفد جزائري ترسله الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، بقصد التفاوض مع الحكومة الفرنسية. وتفاءلت الأوساط الدبلوماسية بهذا النداء الموجه للثوار الجزائريين لكي يتحاوروا مع ديغول، بعد أن تخلص من ضغوط الجنرالات وقادة الجالية الأوربية في الجزائر، ورحبت الحكومة المؤقتة للجزائر بدعوة ديغول للتفاوض، وأرسلت إلى فرنساوفداً يتكون من محمد الصديق بن يحيى مسؤول الإعلام بالمحكمة المؤقتة والمحامي أحمد بن منجل «مسؤول الإعلام بالحكومة المؤقتة»، وأما الوفد الفرنسي فقد كان يقوده «روجي موريس» المكلف بالشؤون الجزائرية في قصر الإليزي، والعقيد ماتون الذي كان يتفاوض مع «سي صالح» من الولاية الرابعة بالجزائر.

ومثلما توقع الملاحظون السياسيون فقد باءت هذه الجولة الأولى من المفاوضات بالفشل، لأن الوفد الجزائري لم يعامل كوفد جاء للتفاوض، ولكنه اعتبر بمثابة مجموعة من المتمردين يتعين على فرنسا أن تتعامل معهم بحذر شديد.

وعليه، فإن المفاوضات التي ابتدأت يوم 25/6/1960م واستمرت لغاية 29/6/1960م لم تحقق أية نتيجة إيجابية، لأن الوفد الفرنسي كان يسعى بالدرجة الأولى إلى التفاوض من أجل وقف إطلاق النار وإجبار جيش التحرير على تسليم سلاحه، واستعمال ذلك اللقاء كدعاية له بأن فرنسا ترغب في السلام، والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ترفضه، كما أن وفد جبهة التحرير قد استاء من معاملة السلطات الفرنسية له، حيث فرضت عليه حصاراً إعلامياً وحرمته من إجراء الاتصالات مع الخارج، ولم تسمح له بالزيارات والاتصالات بالصحافة.

ولهذا فشلت محادثات مولان، وعاد الوفد الجزائري إلى تونس وتوقف مسار السلام لمدة 8 أشهر كاملة، وحسب الانطباعات التي عاد بها الوفد الجزائري المفاوض، فإن الحكومة الفرنسية كانت متخوفة من تمرد رجال الجيش وقادة الجالية الأوربية بالجزائر، والأمل لازال يساورها في إحراز انتصار عسكري على الثوار الجزائريين. وبالفعل، فقد عمد ديغول في صيف 1960م إلى تدعيم الجيش المتكون من 000،500 جندي في الجزائر، وخصص ميزانية كبيرة لتموين الحرب، التي كانت تكلفه يومياً 3 مليارات من السنتيمات الفرنسية، وتماشياً مع هذا المنطق فقد تجسم في أرض الواقع خطر التمرد على ديغول من طرف قادة الجيش والجالية الأوربية بالجزائر، والعمل من أجل الإطاحة بحكومته.

ففي يوم 14 سبتمبر 1960م عاد إلى الجزائر الجنرال «سالان» بعد أن أعلن عن تقاعده في شهر يونيه «جوان» 1960م، وذلك بقصد تزعم «جبهة الجزائر الفرنسية»، والمشاركة في المؤامرات التي كانت تحاك ضد ديغول والحكومة الفرنسية بصفة عامة. وفي نفس اليوم الذي وصل فيه «سالان» إلى الجزائر أي 24/9/1960م، أعلن في تصريح للصحافة بأنه لا يحق لديغول أو أي سلطة فرنسية أن تقرر مصير أية أراضي فرنسية توجد تحت سيادة فرنسا. وفي الحال تمَّ استدعاؤه إلى فرنسا ومنعه من الإقامة في الجزائر، غير أن الجنرال «ماسو» الذي كان مصمماً على منع ديغول من التفاوض مع الثوار الجزائريين لم يمكث طويلاً في فرنسا، حيث هرب إلى إسبانيا، ثم التحق بالجزائر التي عاد إليها وهو خارج على القانون.

وفي يوم 4 نوفمبر 1960م، قرر «ديغول» أن يتقدم خطوة ثانية إلى الأمام في طريق المفاوضات، ففي خطابه التاريخي يوم 4/11/1960م أعلن الرئيس الفرنسي عن ميلاد «الجزائر الجزائرية»، وأكد في خطابه بأنه سيواصل العمل من أجل تحقيق السلم في الجزائر. وتحقيقاً لهذا الهدف، قام بإرسال وزيره للدفاع «بيير مسمير» إلى الجزائر، وذلك لإبلاغ قادة الجيش أن الوقت قد حان للتفاوض وتطبيق الاستفتاء الخاص بتقرير المصير، وتسيير الجزائر من الجزائر العاصمة بطريقة مستقلة.

وفي يوم 23/11/1960م أقدم «ديغول» على تنحية المندوب العام في الجزائر «بول ديلو فريبي»، الذي كان يهادن الأوربيين ويخاف من تمردهم على فرنسا، وتعويضه بالسيد «جين موران» الذي لم يكن متخوفاً من مواجهة الأوربيين في الجزائر.

وفي الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر 1960م بدأ يتحرك «ديغول» ويثبت الأوربيين في الجزائر أنه سيد الموقف في فرنسا، وأن الأوربيين لن يستطيعوا من الان فصاعداً فرض إرادتهم على فرنسا (1).

مراجع الحلقة التاسعة و السبعون بعد الثلاثمائة:

(1) عقيلة ضيف الله، التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 524

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/21

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/22

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/23

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022