الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(محاولة ديغول شق صفوف الثوار)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 378

بقلم: د.علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1444ه/ ديسمبر 2022م

لقد تكلم «ديغول» كثيراً عن سياسة تقرير المصير في الجزائر، لكنه لم يفصح عن محتوى تلك السياسة التي بقيت غامضة لمدة طويلة من الوقت، وفي شهر ماي من عام 1960م شرع «ديغول» في وضع مشروعه الخاص بتقرير المصير موضع التنفيذ، حيث قام وكيل الجمهورية في مدينة الجزائر بإجراء اتصالات مع القاضي مريض قدور المتواجد بمدينة المدينة، وذلك بقصد تنظيم لقاء بين قادة الولاية الرابعة وأربعة من كبار الضباط الفرنسيين.

وفي يوم 10 يونيو «جوان» 1960م، استقبل «ديغول» بقصر الأليزي قادة الولاية الرابعة في ذلك الوقت وهم: صالح زعموم «قائد الولاية»، ونائبه محمد بو نعامة «السياسي بنفس الولاية»، واثناء إجراء المفاوضات مع وفد الولاية الرابعة اقترح ديغول على زائريه من الولاية الرابعة أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار ووضع الأسلحة في أماكن يتم تحديدها مسبقاً بناء على اتفاق مسبق بين الطرفين.

وفي الحقيقة كان واضحاً من هذه الاتصالات أن الغاية منها هي تفجير الثورة الجزائرية من الداخل، فإذا نجحت خطة التفاوض مع رجال الداخل، يستطيع «ديغول» تقسيم الجزائريين وتشتيت قواهم، وذلك عن طريق خلق انشقاق بين قادة الثورة في الداخل والخارج، وإذا لم تنجح خطة التفاوض مع القوات المحاربة في داخل الجزائر ؛ فإن ديغول يستعمل ورقة التفاوض مع بعض الأشخاص في الداخل كوسيلة للضغط على الحكومة المؤقتة، لكي تقبل بشروطه المتمثلة في وقف إطلاق النار وتسليم السلاح ثم إجراء الانتخابات لاختيار قادة جدد(1).

واتضح من الاتصالات التي تمت يوم 10 يونيه «جوان» 1960م بين ديغول وسي صالح في قصر الإليزي بفرنسا، أن كلاًّ منهما كان يدرك في قرارة نفسه أنه لا بديل عن التفاوض مع جبهة التحرير، التي كانت تجسم إرادة الشعب الجزائري في النضال ومواصلة الحرب حتى نيل الاستقلال التام، فقد اعترف «سي صالح» أمام ديغول بأن هذا اللقاء لا يمكن اعتباره موقفاً انعزالياً، أو معارضاً لبقية الرفاق في السلاح في جيش التحرير الوطني الجزائري، وأبلغه كذلك أنه جاء ليتعرف على وجهة النظر الفرنسية بالنسبة لإجراء الاستفتاء الخاص بتقرير المصير، ثم إجراء اتصالات مع المسؤولين الجزائريين الاخرين في الجزائر وخارجها.

وبنفس الصراحة قال له ديغول: بأن فرنسا ستتوجه بدورها بنداء إلى قادة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، تطلب فيه من قادة هذه الحكومة اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف إطلاق النار، وأثنى «سي صالح» على هذه المبادرة من طرف فرنسا، وأكد للجنرال «ديغول» إن وفده جاءإلى فرنسا بقصد دعم فكرة التفاوض ودفع هذه الحركة إلى الأمام، واعترف بأنه لا يملك صلاحيات إجراء حوار مع فرنسا باسم الثورة الجزائرية، ومن الأحسن أن تتفاوض فرنسا مع جبهة التحرير الوطني الجزائري(2).

محاكمة من تفاوض مع ديغول:

انتهت المحاولة التي قام بها ديغول بالفشل، لأن قادة الثورة الجزائرية في الداخل والخارج توحدوا واتفقوا على اعتبار جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري، وهي المؤهلة لإجراء أي تفاوض مع فرنسا والدفاع عن حقوق الشعب الجزائري.

وبمجرد عودة الوفد الجزائري المفاوض من باريس، ألقي القبض على أعضاء المجموعة وتقديمهم للمحاكمة.

وكانت التهمة الموجهة إليهم هي: أن قيادة الولاية الرابعة ارتكبت سابقة في حق الإجماع العام للثورة، بحيث تجاوزت صلاحياتها كقيادة ولاية من بين ست ولايات أخرى، ووافقت على الالتقاء برئيس دولة تحاربنا منذ سنوات، وتحتل وطننا منذ قرن وربع قرن، دون إذن القيادة العامة السياسية أو العسكرية، وكانت نتيجة التحقيق والمحاكمة إعدام أعضاء المجموعة التي تجرأت على الاتصال بفرنسا، والتفاوض مع «ديغول» بدون موافقة القيادة الجزائرية في تونس(3).

مراجع الحلقة الثامنة و السبعون بعد الثلاثمائة:

)) عقيلة ضيف الله، التنظيم السياسي والإداري للثورة ص 520.

(2) المصدر نفسه ص 521.

(3) المصدر نفسه ص 521.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/21

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/22

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/23

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022