الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(الوصول إلى اتفاق إيفيان)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 384

بقلم: د.علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة ١٤٤٤ه/ يناير ٢٠٢٣م

وبعد أخذ ورد وتبادل الاراء حول هذه المواضيع، وتأزم الوضع بالجزائر حيث أصبح زعماء الجالية الأوربية يهددون بالقيام بثورة مضادة ضد حكومة فرنسا وحكومة الجزائر ؛ توصل الوزراء والخبراء إلى مشروع اتفاق على جميع النقاط المدرجة في جدول الأعمال، وحولوا ذلك المشروع إلى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وحكومة الجمهورية الفرنسية، لإبداء الرأي فيه وتقديمه للسلطات المختصة في كل بلد للموافقة أو الاعتراض عليه.

وفي يوم 20 فبراير 1961م عاد الوفد الجزائري إلى تونس، وقدم مشروع الاتفاق إلى الحكومة المؤقتة التي درسته دراسة دقيقة، ثم استدعت 71 عضواً من أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية «البرلمان» لمناقشة مسودة الاتفاق، وفي الفترة الممتدة من 22 إلى 27 فبراير 1962م، اجتمع قادة المجلس الوطني للثورة بمدينة طرابلس «ليبيا»(1)، وقد حضر الاجتماع «33» عضواً، وأرسل 16 عضواً وكالات على التصويت.

إن رئيس الحكومة المؤقتة يوسف بن خدّة هو الذي قدَّم نتائج المفاوضات، ثمَّ تدخل سعد دَحَلب كمُقرِّر، وذكر رئيس الحكومة المؤقتة أن يوم توقيف القتال سيكون يوم 19 مارس 1962م في منتصف النهار على حسب ما أُتفِق عليه.

وجرى نقاش داخل المجلس الوطني للثورة الجزائرية، أما الأصوات الرَّافضة، فإنها انحصرت في أعضاء هيئة الأركان العامَّة «باستثناء رابح زيراري»، وقد طلبوا تحسين الوضع السياسي الداخلي قبل كلِّ شيء، وأثاروا نقصاً في النصوص.

وفي التشاور أعضاء الأركان العامة لم يعارضوا توقيف القتال ولا الاستفتاء من أجل تقرير المصير، إلا أنهم استنكروا قبول قوَّة محلية لحفظ الأمن. وحاول خليفة العروسي انتقاد الجوانب الاقتصادية للاتفاقيات، إلا أنَّ حُججه لم تصمد أمام شروح سعد دحلب.

صوّت المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مشروع اتفاقيات إيفيان بـ «45 صوتاً مؤيداً، 33 عضواً كانوا حاضرين في الاجتماع و16 عضواً أرسلوا وكالات، وقد صوَّت ضد اتفاقيات إيفيان أعضاء من هيئة الأركان العامَّة وهم: هواري بومدين، «محمَّد بو خرّوبة»، وعلي منجلي، وأحمد قائد، وانضم إليهم مختار بويزم قائد الولاية الخامسة، والحقيقة أن تصويتهم كان ضد الحكومة المؤقتة لا ضدَّ النصوص، علماً بأن المصادقة على اتفاقيات ايفيان كانت تقضي أغلبية 3/2 من الحاضرين والموكِّلين، فهي مضمونة في 45 صوتاً مؤيداً من بين 49 صوتاً.

ولقد جدَّد المجلس الوطني للثورة الجزائرية الثقة للحكومة المؤقتة، وكلَّفها بإمضاء الاتفاقيات(2).

وفي يوم 5 مارس 1962م صدر بيان في باريس وتونس في ان واحد، يؤكد للعالم أن وفداً عن الحكومة الفرنسية ووفداً عن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سيلتقيان بمدينة «ايفيان» يوم 7 مارس 1962م، وذلك لإجراء مفاوضات رسمية وعلنية بينهما.

ونظراً لتدهور الأوضاع بالجزائر، فقد جاء الوفد الفرنسي بإرادة قوية للتغلب على المشاكل التي لا زالت مثار خلاف حاد بين الطرفين، كما أن الوفد الجزائري قد تجاوب معه وقام بتقديم بعض التنازلات، وأظهر ليونة كبيرة في مواقفه ؛ ما دامت الحكومة الفرنسية مستعدة للاعتراف بسيادة الجزائر على جميع أراضيها.

وفي يوم 18 مارس 1962م توصل الجانبان إلى اتفاق نهائي، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار يوم 19 مارس على الساعة الثانية عشر من ظهر ذلك اليوم. وفي اليوم التالي أفرجت فرنسا عن الزعماء الخمسة المسجونين لديها، والذين توجهوا إلى المغرب من سويسرا، وذلك في طائرة أمريكية مؤجرة من طرف ملك المغرب.

ثم هاجروا بعدها المغرب لزيارة بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها مصر، إذ وصلوا يوم 29 اذار/ مارس 1962م، واستقبلهم بعد ذلك الرئيس جمال عبد الناصر وسط موكب رسمي وشعبي كبير، ثم غادر الوفد بعدها إلى بغداد في 5 نيسان/ أبريل من العام نفسه. إذ استقبله في المطار الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق، وتم استقبال الوفد بحفاوة رسمية وشعبية كبيرة فاقت الخيال كما ذكر ابن بلة، فقد أحاط مد جماهيري كبير موكبهم من كل جانب، وكانت الهتافات تدوي بحياة الجزائر الحرة ومجاهديها الأبطال، وبعدها تمت زيارتهم إلى ليبيا وتونس.

والجدير بالذكر، أن شخصية أحمد بن بلة كانت محط أنظار المسؤولين واهتمامهم في الأقطار العربية التي زارها، وقد أكد ابن بلة في مصر والعراق أن الثورة الجزائرية جزء من الثورة العربية الكبرى وحركة التحرر الأفريقية، مؤكداً مواصلة كفاحه حتى تتحقق أهدافه كاملة في الميدان العربي والأفريقي بالكفاح ضد الاستعمار، وبشكل خاص النضال من أجل تحرير فلسطين(3).

 

مراجع الحلقة الرابعة والثمانون بعد الثلاثمائة:

(1) التاريخ السياسي للجزائر ص 538.

(2) الثورة الجزائرية، د . بو علام ص 563.

(3) المغرب العربي المعاصر، د . محمد علي داهش ص 113

 

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/21

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/22

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/23

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022